السبت 18 مايو 2024

مؤرخ أمريكي: محمد علي كلاي ناضل في سبيل هدف أعظم من نفسه فاستحق الخلود

5-6-2018 | 04:18

اعتبر أستاذ التاريخ بجامعة تكساس، بينيل إي جوزيف، أن موت أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي كان بمثابة رحيل لإحدى أعظم أيقونات الرياضة والثقافة في القرن العشرين.


وفي مقال بعنوان "محمد علي يحارب خارج الحَلبة" نشرته صحيفة (بوسطن جلوب)، رأى جوزيف أن إرث محمد علي كلاي الأكثر قدرة على الخلود يتمثل في مقاومته السياسية الجريئة لحرب فيتنام، وهذا الموقف المثير للجدل الذي رمى به إلى قلب عاصفة سياسية وعرقية وثقافية شديدة في ذلك التوقيت.


ونوه الكاتب عما أحرزه الملاكم الشاب ابن الثانية والعشرين ربيعًا من نجاح تحدّى الرهانات والتشككات عندما هزم سوني ليستون وتتوج ببطولة العالم للوزن الثقيل.


ولفت جوزيف إلى أن كلاي، وخلْف مظاهر الشجاعة، استطاع تكوين صداقة عميقة مع مالكولم إكس ذلك القائد الراديكالي الأسود، كما انضم سرًا إلى حركة "أمة الإسلام"، كما اتخذ اسم "محمد علي"؛ باختصار، وجد محمد علي كلاي نفسه بطرق مختلفة يتخذ مسار الراديكالية السياسية في ذلك التوقيت.


ولفت الكاتب إلى أن الراديكالية السوداء كانت ترى في حرب فيتنام تجسيدًا للإمبريالية الأمريكية، فيما جسّدت أعدادُ المجندين السود مدى عمق وحجم النزعة العرقية المؤسساتية؛ وقد وطد محمد علي كلاي صلاته بقادة تلك الحركات الراديكالية.


وأضاف جوزيف أنه وفي عام 1967، وبينما كان الاتجاه العام الأمريكي مؤيدا للحرب، فإن موقف محمد علي كلاي الرافض للمشاركة كجندي في الجيش الأمريكي قد صدم وأغضب أمريكا البيضاء؛ وسرعان ما بات كلاي منبوذًا ومتهمًا بعدم الوطنية بسبب معتقداته السياسية فضلا عن شيطنته بسبب تحوله عن الدين السائد في بلاده، وسرعان ما تم تجريد كلاي من لقب بطولة العالم للوزن الثقيل كما تم التضييق عليه في مزاولة أعماله التجارية وطرق كسْب العيش.


وتابع الكاتب أنه وبعد سبع سنوات من ذلك شرع كلاي في رحلة سياسية حوّلته إلى شخصية ثقافية ثورية جعلها تحدّيها للسياسية الخارجية الأمريكية خائنةً في أعين البعض وبطلةً في أعين البعض الآخر؛ فقد بدأ كلاي يُنظّر في تاريخ السود والمقاومة ضد سيادة الجنس الأبيض، كما جعل يكيل الانتقادات للحرب والعنف على أساس الجنس على نحو تركه بمثابة رمز للراديكالية في أواخر الستينيات من القرن الماضي.


ورأى صاحب المقال أن محمد علي كلاي بات آنذاك أول نجم أسود "رافض للاعتذار"؛ قامت شهرته المتزايدة على أساس من مواقفه السياسية كما استمد شجاعته الرياضية من قوة التراث الأسود. 


ولفت الكاتب إلى أن مقاومة كلاي للسلطات السياسية والتشريعية والقانونية الأمريكية إنما كانت تعكس موقف حركات محلية عالمية مناهضة للاضطهاد الاستعماري والاقتصادي والعِرقي آنذاك؛ وقد بات الملايين يرون في أنفسهم شَبَهًا بمحمد علي كلاي الذي جعل رسالة حياته متمثلة في النضال في سبيل حصول الرجل الأسود على حق المواطنة وفي سبيل الإنسانية حول العالم.


ونبه الكاتب إلى أنه وفي أحلك لحظات أزمته الخاصة بالملاكمة، سعى محمد علي كلاي إلى هدف أكبر وأعظم من نفسه. 


وتابع الكاتب، قائلا إنه وبعد السماح لكلاي بالعودة للملاكمة عام 1970 بقرار من المحكمة العليا، بعد ضياع أربع سنوات من عمره الرياضي بينما كان في أوج مجده، استطاع كلاي تحدّي الرهانات واستعاد لقب الوزن الثقيل عام 1974. 


وبعد إصابته بمرض الشلل الرعاش وتقاعده من الملاكمة عام 1981، تحوّل كلاي إلى ناشط حقوقي، وحامل للشعلة الأوليمبية، وأسطورة حيّة يحتضنها نفس البلد الذي نبذها وازدراها ذات يوم بسبب مواقفها السياسة والثقافية.


ونوّه الكاتب عن أن وسائل الإعلام الرئيسية التي وصمت كلاي ذات يوم بالخيانة باتت بعد ذلك تمتدح كلاي كشخصية فذة في أفضل تجسيد للديمقراطية الأمريكية؛ كما أن المؤسسة السياسية التي هاجمته إبان حرب فيتنام باتت تتملق الأسد العجوز كما لوكانت قد أحبّته طوال عمره. 


ومضى الكاتب قائلا "إن محمد علي الملاكم الشاب، ذلك المُلهم الذي فشل بلده في التعرف عليه، قد بات بمرور الزمن وضعْف الذاكرة شخصيةً تستحق بجدارة أن تكون عالمية كأسطورة محبوبة من جانب أولئك الذين استغلوه في شبابه".


وخلص الكاتب إلى القول إن "تفاصيل سيرة محمد علي كلاي من ملاكم شاب موهوب إلى ناشط أسود مناهض للحرب وشيطان راديكالي وصولاً إلى أن بات تجسيدا للأسطورة الرياضية المسّنة – هذه التفاصيل قدْ لفّها مرور الزمن بالغموض".


واختتم جوزيف قائلا: "إن محمد علي كلاي قد تحمّل ضياع سُمعته ومصدر عيْشه وحريته في سبيل البحث عن حلمٍ بحريةٍ أكبر لم تُحققها أمريكا ولا العالم حتى اليوم، لكن رحلة كلاي ساعدت في تجسيد هذا المعنى وضربتْ مثلاً على إمكانية تحقيقه".

    الاكثر قراءة