الأحد 30 يونيو 2024

اللواء محمد إبراهيم: ثورة 30 يونيو حافظت على الأمن القومي المصري

أخبار30-6-2018 | 04:34

أكد اللواء محمد إبراهيم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية أن ثورة 30 يونيو حافظت على الأمن القومي المصري، ونجحت في إعادة تصحيح البوصلة التي كادت أن تضيع؛ ما ساهم بشكل كبير في استعادة مصر قدراتها وعناصر قوتها الشاملة والقيام بدورها التاريخي على المستوى الإقليمي والدولي.

 

وقال اللواء محمد إبراهيم ـ في مقال بمجلة المصور بعددها الأخيرـ إن القيادة السياسية المصرية نجحت في أن يكون لها تأثير في كافة القضايا المتعلقة بأمنها القومي من خلال القراءة الدقيقة لتطورات الوضع الدولي المعقد والتحرك الواعي لمواجهة كل المخاطر المحيطة ليس بمصر فقط ولكن بالمنطقة كلها، كما نجحت القيادة السياسية فى إقامة علاقات مميزة مع معظم دول العالم، مما كان له دور واضح في مزيد من دعم الأمن القومي المصري.

 

وأشار إلى أن أحد أهم الجوانب المرتبطة بثورة 30 يونيو تمثلت في كونها انبثقت من الحرص الواضح على حماية الأمن القومي المصري من المخاطر المحيطة به على المستويين الداخلي والخارجي ، خاصة أنه قد تعرض خلال الفترة التى سبقت الثورة إلى مهددات حقيقية كادت أن تؤدي إلى إسقاط الدولة المصرية، ومن ثمَّ فعندما نقوم بتقييم ثورة يونيو، لا بد أن نشير بكل شفافية ومصداقية إلى أن من أكبر منجزاتها كان الحفاظ على الأمن القومي المصري، واستعادة قدرات الدولة في مواجهة كل ما يمكن أن يهدد أمنها واستقرارها.

 

وقال اللواء محمد إبراهيم إنه انطلاقاً من أن الأمن القومي المصري في معناه المختصر والمبسط هو الحفاظ على قدرات الدولة وحمايتها داخلياً وخارجيًا، فلا شك أن القيادة السياسية المصرية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي وضعت نصب أعينها هذا الهدف وتحركت بكل قوة وإصرار وعزيمة لتحقيقه في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، بل ما زالت تتحرك بكل جدية في كافة هذه المجالات في ضوء قناعتها بأن الحفاظ على هذا الهدف يتطلب استمرار اليقظة ومواصلة اتخاذ الإجراءات الضرورية التي من شأنها دعم الدولة والحفاظ عليها قوية وآمنة ومستقرة.

 

وألقى عضو المجلس المصري للشئون الخارجية في مقاله الضوء على كيفية نجاح ثورة يونيو في حماية الأمن القومي المصري، والقرارات والإجراءات التي اتخذتها الدولة في هذا المجال على مختلف المستويات، وإلى أي مدى ساهمت القرارات المتخذة في دعم استقرار الدولة، وكيف تحركت القيادة السياسية من خلال خطة واعية مدروسة حتى تحافظ على أمننا القومي، وقال : "لذلك سوف نقسم هذا الموضوع إلى محورين رئيسيين، الأول يتضمن أهم مجالات التحرك الداخلي (مواجهة الإرهاب ودعم القدرات العسكرية للدولة والإصلاح الاقتصادي)، والمحور الثاني ويشمل أهم مجالات التحرك الخارجي (القضية الفلسطينيّة والأزمة الليبية والأزمة السورية والأزمة اليمنية والأزمة القطرية ومشكلة سد النهضة).

المحور الأول: التحرك على المستوى الداخلي.

 

أولاً : مواجهة الإرهاب

 

وضعت القيادة السياسية المصرية مواجهة الإرهاب على رأس أولوياتها، فقد تعرضت مصر قبيل الثورة وفي أعقابها مباشرة إلى عمليات إرهابية غادرة استهدفت التأثير على استقرار الدولة، وتنوعت هذه العمليات وتعددت مجالاتها، وركزت على العمليات التفجيرية في بعض المحافظات المصرية ، خاصة فى شمال سيناء، ومن ثمَّ كان القرار السياسي الحاسم بضرورة القضاء على هذا الإرهاب الأسود أولاً، حتى تستطيع الدولة أن تنهض وأن تكون قادرة على تنفيذ خطتها في المجالات الأخرى، ولا سيما المجال الاقتصادي.

 

وبنظرة عامة وسريعة على الوضع الحالي، نستطيع القول إن الدولة من خلال قواتها المسلحة الباسلة وشرطتها المدنية الوطنية وأجهزتها الأمنية المخلصة نجحت بشكل غير مسبوق في القضاء على هذا الإرهاب، ولم يتبقَ سوى بعض الفلول في سيناء تقوم الدولة بمطاردتهم حتى يتم القضاء عليهم بشكل نهائي خلال الفترة القادمة، وهنا لابد أن نستذكر أن هذا الإنجاز تم على أيدي أبطال بواسل ما زالوا يقدمون هذا العطاء الكبير دون مقابل وشهداء وجرحى ضحوا بأنفسهم من أجل هذا الوطن العظيم.

 

ثانياً: دعم القدرات العسكرية للدولة

 

لم يغِب عن القيادة السياسية المصرية، منذ اليوم الأول، أن تتحرك بكل جدية من أجل مواجهة التحديات والمهددات الماثلة أمام الدولة من منطلق القناعة بأن أهم عوامل النجاح في هذه المواجهة يتطلب أن يكون لمصر جيش قوي لديه أحدث الأسلحة العالمية في مختلف النواحي العسكرية براً وجوًا وبحرًا، وهو ما تحقق بالفعل من خلال الحصول على أرقى وأحدث الأسلحة، ولعلَّ الأمر المهم الذى أود الإشارة إليه هنا أنه لم يتم الاعتماد على مصدر تسليح واحد، بل تعددت مصادر التسليح وهو ما يضيف قوة وتميزًا إلى قدرات الجيش المصري العظيم، ولا يجعله أسيرًا لدولة واحدة تتحكم فى مقدرات دعمنا العسكري.

 

وفى نفس الوقت ، وبالتوازي مع هذا الدعم العسكري للجيش المصري كان هناك دعم آخر لكل متطلبات الشرطة المدنية المصرية، حتى تستطيع أن تواجه المهددات الداخلية وعلى رأسها العمليات الإرهابية والإرهابيون، ومن المؤكد أن التنسيق الفعال القائم بين الأجهزة المكلفة بمكافحة الإرهاب كان له الأثر الواضح فى النجاحات الكبيرة التي تحققت في مواجهة الإرهاب.


ثالثاً: الإصلاح الاقتصادي

 

حددت القيادة السياسية المصرية برنامجاً واضحاً للإصلاح الاقتصادي، نظرًا لأن الحفاظ على الأمن القومى المصري يتطلب وجود دولة مستقرة لا تعانى من انهيار اقتصادي أو مشكلات اقتصادية مستعصية وغير قابلة للحل، ومن ثم جاء وضع هذا البرنامج وتحديد آليات تنفيذه على مراحل، ومن المؤكد أن هناك قطاعات من الشعب تعانى من جراء ما تم اتخاذه من إجراءات اقتصادية مؤخراً، ولكنها أصبحت ضرورة سوف تنتهى فور استعادة الاقتصاد المصري معالم قوته تدريجيًا، التي بدأت تظهر من خلال ما تنشره المؤسسات الدولية من إحصائيات وتصنيف مميز للاقتصاد المصري.

 

وتقتضى الأمانة والموضوعية أن أقف هنا عند نقطتين رئيسيتين الأولى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ تولى السلطة تحدث بكل صراحة وشجاعة عن أن معالجة سلبيات الاقتصاد المصري المتراكمة منذ عقود ستتطلب تضحيات كثيرة لا بد أن نتحملها، والنقطة الثانية هي ضرورة ألا تغيب أوضاع الطبقات المتوسطة والفقيرة والكادحة عن أعين متخذي القرار فهؤلاء هم الداعمون الأكبر للرئيس والحريصون على استقرار الدولة، ولا بد أن تشعرهم الدولة بالأمل وهم يقدمون تضحياتهم الاقتصادية عن طيب خاطر، ولا يفوتنى هنا أن أتحدث عن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي واستمرار مواجهة الدولة الناجحة والدؤوبة لمحاربة الفساد حتى تكون لدى المواطن القناعة بأنه والدولة فى بوتقة واحدة، وأنا على قناعة بأن الرئيس السيسي يتبنى كافة المبادئ التى من شأنها أن تؤدى فى النهاية إلى نقل الاقتصاد المصري إلى المرحلة التي سوف يشعر فيها المواطن بالنتائج الإيجابية لهذا البرنامج الإصلاحي.

المحور الثانى: التحرك على المستوى الخارجى

أولاً : القضية الفلسطينية

هناك قناعة لا تقبل الجدل وهىّ أن القضية الفلسطينية تمثل جوهر تحرك القيادة السياسية المصرية على المستوى الخارجى باعتبارها قضية أمن قومى مصرى وعربى، ولذلك حرصت مصر على تقديم كل أوجه الدعم لهذه القضية العربية المحورية على مدار تاريخها ولم تتوانَ يوماً وحتى الآن عن تقديم المساعدة السياسية وغيرها للشعب الفلسطيني.

 

وقد تمسكت القيادة السياسية المصرية دوماً بأن يرتبط أي حل سيأسى للقضية بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينيّة مستقلة ذات سيادة على حدود ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية مع رفض أي تسوية لا يوافق عليها الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية وتتعارض مع الثوابت المعروفة، لا سيما إزاء قضيتي القدس واللاجئين.

 

ولا يمكن أن يفوتني هنا أن أشير إلى ما يتم تداوله من أخبار حول الموقف الوطني المشرف للقيادة المصرية تجاه ما يسمى بصفقة القرن التي تسعى الولايات المتحدة إلى طرحها والتي لا تزال ملامحها العامة غير المعلنة رسمياً ولكن تسريباتها تشير إلى أنها لن تلبي المطالب الفلسطينيّة، وقد أشارت هذه الأخبار المتداولة إعلامياً إلى رفض القيادة السياسية المصرية الوطنية أي صفقة يمكن أن تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، الذي قدم كل التضحيات مهما كانت طبيعة الطرف الذي يطرح هذه الصفقة، ومهما كانت النتائج المترتبة على ذلك، وبالرغم أن الأمر لم يتعدَ حتى الآن حدود النواحي الإخبارية والإعلامية؛ إلا أنني على قناعة بأن هذا هو الموقف الحقيقي والثابت للرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو موقف سوف يسجله التاريخ لسيادته.

 

ثانياً : الأزمة الليبية

تدخل ليبيا في إطار ما يمكن أن نسميه دائرة الأمن القومي المصري المباشر ومن ثم كانت مصر حريصة على أن يكون لها دور حيوي في تسوية الأزمة الليبية، خاصة أن طول الحدود الغربية بين مصر وليبيا يبلغ حوالي ١٢٠٠ كم، بالإضافة إلى أن الوضع الليبي منذ سقوط القذافي اتسم بالتدهور والتسيب وانتشار الجماعات الإرهابية وتهريب كافة أنواع الأسلحة، ما شكل حالة من التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري بصورة مباشرة، وبالتالي كان على القيادة المصرية، التعامل مع التهديدات المنطلقة من الأراضي الليبية بصورة جادة وحازمة وحاسمة للغاية.

 

وقد حرصت القيادة السياسية المصرية على التعامل مع هذه الأزمة من خلال محورين رئيسيين، أولهما التدخل الفعال ضد أي تهديدات مباشرة يمكن أن تصل إلى مصر عبر الحدود الغربية مع اتخاذ زمام المبادأة والمبادرة تجاه كل ما يمكن أن يضر بأمننا القومي، وثانيهما دعم السلطة الليبية الشرعية في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية حتى تكون قادرة على فرض الأمن والسيطرة ومن ثم تحقيق الاستقرار والأمن على مستوى الوضع الداخلي الذي سينعكس بدوره على الوضع الأمني المصري على الحدود الغربية، ومن المؤكد أننا حققنا نجاحات مهمة ومؤثرة في هذا المجال.

 

ثالثاً : الأزمة السورية

 

أكدت القيادة السياسية المصرية ضرورة أن يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية، ورفض أي حلول أو تدخلات عسكرية إقليمية أو دولية من شأنها أن تؤدي إلى تقسيم سوريا أو تمنح الجماعات الإرهابية التي تشكل خطراً على مصر وعلى المنطقة كلها دوراً في تسوية هذه الأزمة، وقد حرصت مصر على المشاركة فى العديد من الاجتماعات الدولية التى تعالج الأزمة السورية وأن تعلن رؤيتها بوضوح خلال هذه الاجتماعات، وما زالت مصر تشارك بفعالية في الجهود المبذولة لحل هذه الأزمة سياسياً.

 

رابعاً : الأزمة اليمنية

 

حرصت القيادة السياسية المصرية على أن تكون لها رؤية واضحة في حل الأزمة اليمنية، انطلاقاً من القناعة الثابتة لديها بأن أمن الخليج يمثل خطاً أحمر لمصر، ومن هنا جاءت المساعدة من جانب مصر في تأمين الملاحة في مضيق باب المندب، ولا شك أنه ما زالت هناك جوانب تنسيق متعددة ومشاورات مستمرة بين مصر والسعودية والإمارات بشأن تسوية هذه الأزمة.

 

خامساً: الأزمة القطرية

 

لم تتخذ القيادة المصرية موقفاً منفرداً إزاء الممارسات القطرية الداعمة للإرهاب في المنطقة، بل سعت أن يكون هذا الموقف جماعياً مع كل من السعودية والإمارات والبحرين وهى دول تضررت أيضاً من الموقف القطرى، وقد أكدت مصر أنها سوف تتصدى بكل حزم لأي تهديدات خارجية من شأنها العبث بالأمن القومي المصري أو الخليجي، وما زالت هناك مجالات قائمة للتنسيق المصري الخليجي من أجل حصار الموقف القطري والتأثير عليه حتى يتخلى عن دعمه للإرهاب.

 

سادساً: مشكلة سد النهضة الإثيوبي

 

تعاملت القيادة المصرية مع مشكلة سد النهضة الإثيوبي بطريقة حضارية احترافية أخذت في اعتبارها طبيعة الوضع الدولي، وبالتالي حرصت على ألا يتطور هذا الأمر إلى صراع قد يمتد إلى عقود طويلة، وقد كانت القيادة المصرية شديدة الوضوح وهي تعلن على الملأ وبلهجة قوية بالغة المعالم وفى أكثر من مناسبة أن قضية المياه بالنسبة لنا قضية حياة، وأننا لن نقبل أن يتأثر أمننا المائي بأي مشروعات خارجية تنفذها أي من دول حوض النيل، ومن هنا تعاملت مصر مع هذه الأزمة بمقاربة جديدة حيث سعت إلى تحويل هذه الأزمة من قضية صراع شائكة إلى مدخل للتعاون والتنمية المشتركة والعلاقات الجيدة مع إثيوبيا.

 

ونجح الرئيس السيسى فى إقامة علاقات وطيدة مع القيادة الإثيوبية، التي أثمرت في النهاية عن تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد بأن بلاده ملتزمة تماماً بألا تتخذ أي إجراءات من شأنها الإضرار بحصة مصر من مياه النيل، وهو الأمر الأهم بالنسبة لنا، كما علينا ألا ننسى في هذا المجال أيضاً تحسن وتطور العلاقات المصرية السودانية بشكل كبير، وهو ما سوف ينعكس إيجابياً على حل هذه المشكلة.

 

وفي نفس الوقت ما زالت الجهات المصرية المعنية بملف المياه تقوم بمتابعة تطورات هذا الموضوع برمته عن كثب، حتى تصل الأمور إلى بر الأمان، ومن الضروري استمرار اليقظة ومواصلة هذه المتابعة بكل جدية حتى نطمئن تماماً إلى عدم تضررنا من بناء هذا السد.