الأربعاء 29 مايو 2024

في هذه الرحلة ينتصر الأزهر - علي اكسفورد .. أحمد حسنين باشا .. وحكمة: من لا يمتلك نهراً.. لا يمتلك حياة

20-3-2017 | 09:52

كتب : يحيي تادرس

.. قبل أن نستكمل رحلات المستكشفين الأجانب في القارة التي كانت في نظر العالم - المظلمة.

سأكتب عن رحالة مصري استطاع أن يكتشف إحدي الواحات المجهولة في الصحراء - ويحظي بالعديد من الأوسمة ورسائل التكريم والعروض مما كان معه سيصبح من أغني أغنياء العالم... لكنه يرفض .. لماذا؟

تلك هي القصة الغريبة - كما يرويها الكاتب المبدع الراحل «مصطفي أمين» في كتاب «من أسرار الساسة والسياسة»..

أحمد محمد حسنين خريج جامعات انجلترا - والمفتش بوزارة الداخلية إبان الحرب العالمية الأولي، والسكرتير بسفارة مصر في واشنجتون والأمين الثاني للملك فؤاد و..... رائد صاحب السمو الملكي الأمير فاروق ولي العهد و«أمير» الصعيد.

والأمين الأول لجلالة الملك ثم رئيس ديوان جلالة الملك فاروق......

والرجل الذي كان يمسك بخيوط السياسة المصرية في فترة حرجة حالكة في تاريخ مصر «1940- 1946».

الرجل - الذي كان يقيم الوزارات ويسقط الوزارات - وهو في نفس الوقت حريص علي أن يبدو في تصرفاته وأقواله كرجل لا يعرف شيئا مما يقع في البلد .. بل ويؤكد لمعارفه - أنه لا يفهم شيئا في السياسة.

.......

كان - في وقت ما بطل مصر في «الشيش» ونازل أبطال هذه اللعبة في أوروبا - وانتصر علي كثيرين منهم.

في العديد من أفلامنا القديمة - كان الأبطال يتبارزون بالسيف أذكر منهم أنور وجدي وفريد شوقي في صراعهما حول صباح.. وفريد شوقي في عنترة بن شداد وأنور وجدي في أمير الانتقام.

وحاول في يوم ما أن يكون أول مصري يقود طائرته الخاصة بمفرده من أوروبا إلي مصر - وسقطت به الطائرة مرتين وأصلح عطب الطائرة واستأنف طيرانه - لولا أن الملك فؤاد أرسل إليه برقية يأمره فيها بالعدول عن الطيران والعودة إلي مصر بأول باخرة.

..... والباشا - كان رمزا للتحدي ومحاولة إثبات الذات المصرية - وليس كبعض كبار رجال الأعمال - الذين يمتلكون طائراتهم الخاصة للتباهي - والفشخرة!

المهم ... وأنا أحكي تلك الوقائع عن هذا الباشا ذى الأصول المتواضعة - وكيف في يوم من الأيام - كحكايات ألف ليلة يتزوج من الملكة نازلي - والدة الملك فاروق!

.....

هذا الشاب العامر جاب مجاهل الصحراء - الغربية علي الرحالة الانجليزية السيدة روزيتا فوربس

وكان هو صاحب الفكرة ومنظم الرحلة وقائدها

.....

وقد تستر علي زميلته الإنجليزية فزعم أنها مسلمة وأنها زوجته وألبسها ثيابا عربية واسدل علي وجهها حجابا كثيفا

....

ويعيش مع روزيتا - اسابيع عديدة في مجاهل الصحراء وكانا ينامان في خيمة واحدة ولكنه لم يحاول أن ينال منها.....

أما هي - فقد حاولت - ولكنه أبي واعترض

...

ولما سئل لماذا؟! أجاب

«لأن الأزهر» كان والده ذا أصول أزهرية وعلم ابنه مبادئ الفضيلة لأن الأزهر - انتصر علي دراستي في جامعة اكسفورد....

كان حريصا علي رضاء ورحمته فقد كانا في صحراء مجهولة تحيط به أسباب الهلاك في كل ناحية

...

وتعود روزيتا إلي انجلترا - تمتلئ حقدا وكراهية - لذلك الذي رفضها وتضع كتابا تشير فيه إليه باعتباره كان أجيرا لها ونسبت إلي نفسها كل الفضل....

وكان في استطاعته أن يرد - لكنه يرفض - إذ أن اخلاقه رفضت أن ينازل امرأة.

.....

لكنه في العام التالي - وبمفرده - يقوم برحلة ثانية في جوف الصحراء ويكتشف واحة «الكغرة» kagraa

... ويكون لاكتشافه دوي كبير في كافة انحاء العالم- وتمنحه الجمعية الجغرافية الملكية في لندن - ميداليتها الذهبية

... وتنهال عليه الأوسمة والنياشين من مختلف دول العالم

....

ويسافر إلي واشنطن ليتولي منصبه في سفارة مصر

... وتعرض عليه إحدي الهيئات أن يقوم برحلة ببعض المدن الأمريكية الكبيرة - ويلقي فيها محاضرات عن رحلته في الصحراء..

و..... يعرضوا عليه مبلغ 500 جنيه لقاء 12 محاضرة ويرفض أحمد حسنين - رغم أنه كان مدينا لأحد زملائه في السفارة بمبلغ 50 دولارا!

ولماذا يرفض

- لأنهم يشترطون عليه أن يرتدي الثياب البدوية التي كان يرتديها في الرحلة

- لأنه رفض أن يكون «أراجوز» مقابل أضعاف هذا المبلغ

..

تلك لمحات من حياة سياسي ... ورحالة - ومكتشف مصري لواحدة من الواحات التي كانت غارقة في رمال الصحراء

....

والآن نستأنف تلك الرحلات الغريبة الشاقة في مجاهل القارة السوداء....

......

لم يسعد البريطانيون بأن يكون العثور علي ليفنجستون - علي يد مواطن أمريكي «ستانلي» وصحفي كما وصفوه بأنه استخدم نوعا من «البهلوانية الصحفية»

و.... يترك ستانلي ليفنجستون - ليكمل حلمه المستحيل

....

كان خلال تلك الفترة - يعيش في «تابوره» - منتظراً ما وعد به ستانلي من رجال ومؤنة - ويقضي حياته في قراءة التوراة ويصلي ويكتب يومياته ولكن كان أحيانا يفكر في أن يترك هذا كله ويعود إلي الوطن حتي يفاجأ بأن ستانلي قد أرسل إليه حملة «57» ومؤونة ضخمة..

....

إذن - لتكن إرادة الله

.... وبعد ثمانية أشهر من البحث - يصل إلي عدة بحيرات وأنهار - يظن أنها ستقوده إلي منابع النهر العتيق - الذي تعلق به قلبه إلي درجة «العشق».

ولكن كانت رحلته - من أسوأ وأبشع الرحلات في تاريخ النهر علي الاطلاق و.....

كما يحدث في الدراما - في الوقت الذي يكاد يعثر - من خلال بعض رجال القبائل وتجار العبيد الذين كانوا يخشونه - باعتبار ما كان يهددهم بأن تحدث قمة المأساة...

يدخل عليه خدمه في أول أيام مايو 1873 فيجدونه .. ميتا - راكعا وهو يصلي

ومن بين خدمه العديدين - نتوقف عند اثنين صنعا من موته بطولة تكاد تصل إلي الأساطير «سوسي وتشويا» إذ يحملان جثته إلي الساحل بعد أن يقوما بما يشبه تحنيطها - ثم يلفانها في قماش من القطن ويضعانها في «اسطوانة» من لحاى الشجر...

وينطلقان معا - وخلفهما «ستون» رجلا - ظلوا أوفياء له دون انتظار أي مكافأة أو مقابل.

.... وكان لابد لهؤلاء أن يصلوا بالجثة - إلي المحيط الهندي خلال مسافة تتعدي الألف كيلو - علي قبائل كانت تحدق بعيونها المتلصصة في دهشة عميقة لتلك الرحلة المستحيلة..

ولكن الرحلة تتم خلال أحد عشر شهرا...

وفي 15 فبراير 1874 كانت البارجة «فلتشر» في الانتظار لنقل الجثة إلي زنجبار ثم إلي إنجلترا...

ويرسل قطار خاص إلي ميناء «سوتهامبون» لنقل الجثمان إلي دير يضم رفات العظماء

... و تعلن انجلترا - الحداد العام - لكن تأثيره - كان في تلك الأدغال الموحشة - عظيما حقا:

يجبر سلطان (زنجبار) - بعد ما كتبه الراحل في مذكراته عن أسواق الرقيق فيها - والمذابح الهائلة - التي شهدها وكتب عنها في مذكراته. علي إغلاقها إلي الأبد..

هذا عن ليفنجستون - فماذا عن النهر؟

.. إن لهذا النهر - سحرا غامضا - يقود المكتشفين - حتي لو لم يوفقوا إلي العودة مرارا.

.. فماذا عن ذلك (المغامر) - ستانلي؟

1874 - وبعد وفاة ليفنجستون - يبدأ رحلته التي كان هدفها استكمال عمل ليفنجستون..

ويحدد لنفسه ثلاثة أهدافه:

أن يطوف ببحيرة فيكتوريا

أن يطوف ببحيرة تنجانيقا

وأن يستأنف ما لم ينهه ليفنجستون

وبهذا يحل نهائياً.. لغز النهر

...

وقبل هذه الرحلة ينجح في أن يجعل صحيفتى (الهيرالد بنيويورك و(الديلي تلجراف) تمولانه، وإن يقرأ حوالي 130 كتابا عن أواسط أفريقيا.. وكان حريصا أن يحوز الشهرة وحده، لذا يختار مساعديه ممن لم يكونوا علي قدر من البراعة في كتابة أي نوع من المذكرات.. وبعد أن يشتري (خمسة كلاب!).. يبدأ الرحلة في أغسطس 1874.

كانت حملته أكبر حملات المستكشفين وأحسنها تجهيزا (قارب خشبي تم صنعه مفككا، أربعون طنا من المؤن والمعدات، و356 رجلا».

.. وكان شعاره الانتصار - أو الموت

.. وفي الطريق كان يبادر بإطلاق النار علي أي قبائل تنتوي مهاجمته ولكن رجاله سرعان ما - نتيجة قسوته - يبدأون في الهروب (100 رجل)..

وأخيرا - تبلغ الحملة، الشاطئ الجنوبى لبحيرة فيكتوريا وهناك يبدأ في تجميع أجزاء سفينته ويقلع مع أحد عشر أفريقيا يجهلون غرضه.. وبعد ثلاثة أسابيع يصلون إلي شلالات (ريبون) وهناك يفاجأ (بزعيم) في ثوب أحمر ويتقدم لاستقبالهم ومعه هدايا بينها (عجول) سمينة و ...

وفي 5 أبريل 1875يتم اقتياده إلي الملك (يويتيا) الذي يصافح زائره ويدعوه للجلوس إلي جوار ويشعر ستانلي بالقلق إذ كان (لهذا الملك) جيش ضخم 000,150 محارب مزودين بالبنادق

.. ومما كتبه ستانلي في مذكراته.

كانت زوجاته أكثر من مائتي زوجة

ولم يعد ثمة ما ينم عن حدوث فظائع في البلاط..

ولم يكن ملكا غبيا، إذ يكتشف أن هناك خارج مملكته دولا قوية من الخير أن يتجنب معاداتها..

..

وبعد كثير من المماطلة - يعاود ستانلي رحلته، وفي هذه البحيرة الهائلة (فيكتوريا) يكتشف أنها بحيرة واحدة ولكن - هل بهذا تم حل لغز النهر؟

هذا ما تكشف عنه الأحداث المقبلة.

...

عزيزي القارئ

.. هل تدرك الآن - وأنت تنظر إلي النيل - وربما تعامله بما لا يليق به من احترام و(تقديس) - كيف كان ولايزال - يمثل لدي (الغرب) هذه الأهمية القصوي، التي تجاوز الواقع، إلي أبعد مراحل الخيال الجامح والرغبات المجنونة في كشف أسراره؟

ودعوة لمحاولة احترام ذلك النهر الكهل ثم.. أين مطربونا منه.. في الحاضر لم يكن هناك مطرب له قدره، لم يغنِّ له

أم كلثوم

محمد عبدالوهاب

عبده السروجي

محمد قنديل

....

أما الآن، فالأغانى تثير فينا الخجل وتنتهي فور سماعها

..

النيل - من كان معبودا لدي القدماء

أين موقعه الآن لدينا

...

المراجع:

مذكرات مصطفي أمين

النيل الأبيض: آلان مورهين