الأربعاء 15 مايو 2024

بعد ٥ سنوات من الخلاف والتوتر السيسى وبوتفليقة .. فصل جديد فى العلاقات الاستراتيجية بين مصر والجزائر

20-3-2017 | 13:33

بقلم –  محمد حبيب

 

شهدت العلاقات المصرية - الجزائرية، منذ مجىء الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سدة الحكم عام ٢٠١٤تقدما ملموسا على مختلف الأصعدة، لتمحى بذلك سنوات من الخلافات بين البلدين، وذلك على خلفية أزمة مباراة كرة القدم الشهيرة بين المنتخبين المصرى والجزائرى فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم ٢٠١٠، وما تلاها من توتر شديد فى العلاقات.

كان اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى للجزائر لتكون أول دولة يتوجه إليها فى مستهل زياراته الخارجية بعد انتخابه رئيسا للجمهورية عام ٢٠١٤ ، دلالة استراتيجية وكان له انعكاساته الإيجابية على البلدين ظهرت ثماره فى الأشهر التى تلت الزيارة، حيث بات واضحا أن الدولتين تبدأن فصلا جديدا ومميزا فى فصول العلاقة التاريخية والاستراتيجية التى تربطهما.

كما تدرك الدولتان أهمية بناء علاقات قوية وراسخة على أسس جديدة تمكنهما من مواجهة التحديات المشتركة التى يتقاسماها خاصة التهديدات الأمنية والخطر الإرهابى على حدود الدولتين فى ليبيا، ومن هنا كان حرص مصر والجزائر على تطوير التعاون الثنائى فى كافة المجالات خاصة السياسية والاقتصادية والأمنية.

 

منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الرئاسة، أولى الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية خاصة لإعادة مصر عربياً وخليجياً، وإزالة كل لبس أو سوء فهم، أو جمود وقطيعة شابت علاقات مصر مع أشقائها بالمنطقة، وكانت الجزائر هى المحطة الأولى للرئيس السيسى فى سلسلة زياراته الخارجية، وهو خيار غير متوقع، لأنها الدولة العربية والإفريقية التى لم يزرها رئيس مصرى منذ خمس سنوات، بسبب أحداث التوتر بعد مباراة أم درمان الشهيرة ، وتمكن السيسى بالفعل من تدشين مرحلة جديدة بين البلدين الشقيقين، وقد أعربت الجزائر خلال الزيارة عن استعدادها لمد مصر بالغاز مُساهمة منها فى حل مشكلة الطاقة التى تعانى منها مصر، وهو ما تم بالفعل فيما بعد، كما تم التنسيق مع الجزائر لصد المخاطر المشتركة ولاسيما القادمة من ليبيا فى ظل الأحداث المشتعلة هناك، وهى خطوة كانت ضرورية لحماية الأمن القومى المصرى. وقد عبّر الرئيس الجزائرى بوتفليقة عن امتنانه بهذه الزيارة بقوله: «مصر عرفت لأول مرة منذ سنوات رئيساً تستحقه».

زيارة الرئيس السيسى للجزائر سبقتها خطوات ومؤشرات مهمة على عودة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فلا يمكن إنكار المساندة التى أولتها الجزائر لمصر منذ أحداث ثورة ٣٠ يونيه، ففى أكثر من مناسبة كانت تصريحات مختلف المسئولين الجزائريين تساند مصر وترفض محاولات بعض الدول لعزل القاهرة .. ففى يناير ٢٠١٤ أكد وزير الخارجية الجزائرى رمطان لعمامرة فى برنامج على قناة ‹›كانال الجيرى›› أهمية مصر للقارة الإفريقية ودورها على الساحة الشرق الأوسطية، مشددا على ضرورة استعادة مصر لمكانتها الطبيعية داخل الاتحاد الإفريقى.. مشيرا إلى أن محاولات عزل مصر أمر ترفضه الجزائر، ومؤكدا أن بلاده ستساعد مصر على تجاوز كافة الصعوبات التى تواجهها.

ثم جاءت زيارة وزير الخارجية السابق نبيل فهمى فى يناير ٢٠١٤ لتعطى زخما للعلاقات، سواء على المستوى السياسى أو الإعلامى.. إذ ظهر على المستوى السياسى اهتمام المسئولين الجزائريين بهذه الزيارة، وكان استقبال الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة لوزير الخارجية المصرى السابق دليلا على مكانة مصر فى قلب الجزائر وعلى أهميتها واعترافا من الجزائر بدور مصر المحورى فى المنطقة العربية والإفريقية.. وكانت الرسالة التى بعث بها الرئيس المصرى السابق عدلى منصور للرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة دليلا آخر على حرص مصر على اطلاع الجزائر على آخر تطورات الوضع على الساحة الداخلية ـ رغم أن ذلك لم يكن هدف الزيارة الرئيسى ـ وإيمانا بالدور الذى يمكن ان تقوم به الجزائر لمساعدة مصر فى اجتياز هذه المرحلة.

ولم يكن المجال السياسى هو المعنى فقط بتوثيق العلاقات المصرية الجزائرية، بل إن الشق الأمنى فى التعاون لم يقل أهمية عنه بالنظر إلى أن المخاطر والتحديات والتهديدات التى تواجهها مصر والجزائر واحدة.. ومن هنا كان اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا على هامش أعمال المؤتمر الوزارى الـ ١٧ لحركة عدم الانحياز الذى استضافته الجزائر فى شهر مايو ٢٠١٤، والذى أكدوا خلاله دعم دولهم لكل الجهود والمساعى والمبادرات الليبية من أجل إرساء الحوار الوطنى وتحقيق العدالة الانتقالية.. ورحبوا ـ فى الوقت نفسه ـ باقتراح وزير خارجية مصر ـ استضافة مصر لاجتماع وزارى لدول جوار ليبيا يخصص لتأمين وضبط الحدود مع ليبيا.

وعندما واجهت مصر مشكلة رعاياها الفارين من الأحداث الليبية والذين تواجدوا عند معبر ‹›الدبدات›› على الحدود مع الجزائر سارعت السلطات المركزية بإصدار تعليمات بفتح الحدود البرية مع ليبيا بصفة استثنائية لعبور الرعايا المصريين المقيمين بالأراضى الليبية والفارين من الأحداث هناك والتكفل بهم فى أحسن صورة.

واستقبلت الجزائر أيضا وزير الخارجية سامح شكرى فى شهر أكتوبر ٢٠١٤، حيث التقى عددا من المسئولين فى مقدمتهم الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة، بالإضافة إلى رئيس الوزراء عبد المالك سلال ووزير الخارجية رمطان لعمامرة.. وأجرى مباحثات تناولت عددا من الموضوعات الثنائية والإقليمية، وفى مقدمتها تطورات الوضع على الساحة الليبية، وذلك فى إطار عضوية البلدين فى مجموعة دول الجوار الليبى ورئاسة مصر للجنة السياسية ورئاسة الجزائر للجنة الأمنية.

كما شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والجزائر دفعة قوية خلال عام ٢٠١٤، أبرزها انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة برئاسة رئيسى وزراء البلدين إبراهيم محلب وعبد المالك سلال، والتى تم خلالها التوقيع على ١٧ اتفاقية مذكرة تفاهم بين البلدين، فى شتى المجالات وتم التوقيع أيضا على مذكرة التفاهم للتعاون فى مجال إنجاز وتسيير المناطق الصناعية فى البلدين بين الوكالة الوطنية للوساطة والضبط العقارى فى الجزائر والهيئة العامة للتنمية الصناعية فى مصر، وعلى البرنامج التنفيذى للتعاون فى مجال السياحة للأعوام ٢٠١٥ -٢٠١٧، وكذا التوقيع على البرنامج التنفيذى للتعاون فى مجال التعليم العالى للأعوام ٢٠١٥ - ٢٠١٧.

ورحبت اللجنة باتفاق الطرفين على إعداد إطار قانونى للتعاون بين وزارتى الداخلية فى البلدين وكذا التوقيع على البرنامج التنفيذى للأعوام ٢٠١٥ -٢٠١٧ المتعلق بتنفيذ اتفاقية التعاون فى مجال التشغيل والقوى العاملة، كما تقرر مد مذكرة التفاهم بين البلدين فى مجال الأرشيف بين المديرية العامة للأرشيف الوطنى فى الجزائر ودار الكتب والوثائق القومية بمصر لمدة ثلاث سنوات أخرى.. واتفق الطرفان على الإسراع فى عقد الاجتماع الثانى لمجلس الأعمال الجزائرى المصرى المشترك بالقاهرة بعد إعادة تشكيله من الطرفين.

وفى مجال الطاقة رحبت اللجنة باتفاق شركة سوناطراك الجزائرية والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) على مواصلة المشاورات تمهيدا للتوصل إلى اتفاق بشأن تزويد السوق المصرية بالغاز الطبيعى وهو الاتفاق الذى تم التوقيع عليه فى ٢٩ ديسمبر ٢٠١٤ والذى تورّد الجزائر بموجبه ست شحنات من الغاز المسال إلى مصر.. وأكدت اللجنة على ضرورة تفعيل الآليات المتعلقة بإنشاء الشركة الجزائرية المصرية المشتركة للبحث والاستكشاف وإنتاج الزيت الخام والغاز بالبلدين وخارجهما. كما أكدت اللجنة على ضرورة مواصلة المحادثات والاتصالات الجارية فى مجال تكرير خام صحراء الجزائرى بمعمل تكرير «ميدور» المصرية فضلا عن الدعوة لدراسة سبل تبادل الخبرات فى مجال الطاقات المتجددة.

وحثت اللجنة على تشجيع إقامة شراكة بين الشركات الجزائرية و المصرية عن طريق عقد لقاء بين اتحادى مقاولى التشييد والبناء فى البلدين فى أقرب وقت ممكن. كما اكدت على تبادل الخبرات والخبراء بين المراكز البحثية فى البلدين بهدف إبرام اتفاقيات فى المجالات ذات الاهتمام المشترك ولاسيما فى مقاومة الزلازل وأنظمة البناء.

وتعددت زيارات وزير الخارجية سامح شكرى الى ليبيا لتعزيز التعاون المشترك وبحث تطورات الأوضاع فى ليبيا وبحث سبل إنهاء الأزمة الليبية سياسيًّا.

تطور العلاقات بين مصر والجزائر فى عهد الرئيس السيسى هو تصحيح لمسارالعلاقة الطويلة بين بلدين ارتبط مصيرهما المشترك، وليس أدل على قوة ومتانة العلاقات المصرية الجزائرية من طلب الرئيس الجزائرى السابق هوارى بومدين من الاتحاد السوفيتى عام ١٩٧٣ شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين عقب وصول معلومات من جزائرى فى أوروبا قبل حرب أكتوبر بأن إسرائيل تنوى الهجوم على مصر، وباشر الرئيس الجزائرى اتصالاته مع السوفيت لكنهم طلبوا مبالغ ضخمة فما كان من الرئيس الجزائرى إلا أن أعطاهم شيكا على بياض وقال لهم أكتبوا المبلغ الذى تريدونه، وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر.

وكانت الجزائر ثانى دولة من حيث الدعم خلال حرب ١٩٧٣ فشاركت على الجبهة المصرية بفيلقها المدرع الثامن للمشاة الميكانيكية بمشاركة ٢١١٥ جنديا ٨١٢ صف ضباط و١٩٢ ضابطا جزائريا.

وامدت الجزائر مصر بـ ٩٦ دبابة ٣٢ آلية مجنزرة ١٢ مدفع ميدان و١٦ مدفعا مضادا للطيران وما يزيد على ٥٠ طائرة حديثة من طراز ميج ٢١ وميج ١٧وسوخوى ٧.

وقال الرئيس الراحل أنور السادات إن جزءا كبيرا من الفضل فى الانتصار الذى حققته مصر فى حرب أكتوبر - بعد الله عز وجل - يعود لرجلين اثنين هما الملك فيصل بن عبدالعزيزعاهل السعودية والرئيس الجزائرى هوارى بومدين.

ما فعله الرئيس بومدين هو محاولة لرد الجميل الذى قام به الرئيس جمال عبدالناصر بالوقوف وراء ثورة التحرير الجزائرية بكل قوة، ومساندة الشعب الجزائرى الشقيق لنيل استقلاله من الاستعمار الفرنسى البغيض الذى جثم على صدر الشعب الجزائرى أكثر من ١٣٠ عاما، وأسقط نحو المليون ونصف المليون شهيد، ناهيك عن استنزاف ثروات الجزائر، ونشر التغريب وتدمير الهوية الجزائرية للقضاء على أى محاولات لانتفاض الشعب الجزائرى ضده ، لكن الشعب الجزائرى هب للدفاع عن أرضه، ودربت القاهرة الفدائيين الجزائريين وأمدتهم بالسلاح والدعم اللازم لاستمرار الثورة التحرير، وذلك رغم الثمن الفادح الذى دفعته مصر جراء دعمها للثورة الجزائرية ومشاركة فرنسا فى العدوان الثلاثى على مصر لكن مصر لم تتخل عن دعم الأشقاء الجزائريين، وكذا الجزائريون ساندوا مصر بعد نكسة ١٩٦٧ وأثناء حرب ١٩٧٣؛ لذا فالبلدان يجمعهما تاريخ مشترك ومصير مشترك وأيضا دماء مشتركة سالت فى سبيل الحرية والاستقلال والتنمية.