الإثنين 25 نوفمبر 2024

دور الجزائر التحررى فى إفريقيا والعالم العربى

  • 20-3-2017 | 13:44

طباعة

بقلم –  د. بدوى رياض

كانت الثورة الجزائرية هزة عنيفة وصيحة مدوية للحرية والاستقلال، هزت أعماق شعوب القارات الثلاث، وخاصة شعوب القارة الإفريقية. فقد أيقظت ضمائرها الحية وأعادت لها الثقة فى نفسها وقدراتها الحية الكامنة لتأخذ مصيرها بيديها وتمسك بزمام مقدراتها لتبنى هى بنفسها حاضرها وترسم معالم مستقبلها. وأصبح الإفريقيون سادة فى بلادهم، يوجهون مصيرهم وفق مصلحتهم وإرادتهم.

وقد اهتمت جبهة التحرير الوطنى الجزائرية منذ تأسيسها عام ١٩٥٤ بإفريقيا، وكذا الحكومة الجزائرية المؤقتة، إذ شاركت فى بعض القمم الإفريقية (قمة أكرا عام ١٩٥٨، ومؤتمرات منروفيا وأديس أبابا عامى ١٩٥٩ و١٩٦٠) دعمًا من قبل الدول الإفريقية المستقلة آنذاك للنضال الجزائرى من أجل الاستقلال.. فقد قدمت دول شمال إفريقيا وبعض دول غرب إفريقيا جميع أنواع الدعم الدبلوماسى والعسكرى واللوجستى للثورة الجزائرية منذ اندلاعها، فكانت كل من مصر والمغرب وتونس وليبيا ومالى وغانا أكبر الداعمين لها من خلال التدريب العسكرى للثوار الجزائريين، والسماح لهم ببناء قواعد عسكرية على أراضيهم، وإرسال الأسلحة، والدفاع السياسى عن الثورة الجزائرية فى المحافل الدولية، وفتح مكاتب تمثيلية لها فى عواصمها، فكان من الطبيعى أن تبرز مكانة القارة لدى القادة الجزائريين بعد التحرير، ليس فقط بسبب الدعم الذى حظيت به قضيتهم إفريقيا وردًا للجميل، بل أيضا لاعتبارات جغرافية وأيديولوجية وجيوسياسية.

وبالتالى حاولت الجزائر جاهدة منذ استقلالها فى مطلع الستينيات من القرن العشرين توثيق التضامن بينها وبين الشعوب الإفريقية، وإيجاد نوع من التقارب والتفاهم بين المنظمات فى القارة. وقد أعرب مسئولوها غير مرة عن أن الجزائر عربية كما أنها أفريقية وأن عليهم واجبات ودور هام فى إفريقيا.

لقد كان الاستعمار والإمبريالية والعنصرية من أكبر التهديدات الخارجية للجزائر والدول الإفريقية فى مرحلة الستينيات من القرن الماضى، فأصبح العمل على مواجهتها من أهم أولويات السياسة الخارجية الجزائرية ومحل إجماع إفريقى، لذا تبنى نظام أحمد بن بيلا مبدأ التضامن الإفريقى ودعم الحركات التحررية الإفريقية ومحاربة الاستعمار والامبريالية فى إفريقيا من خلال إدراجها فى أولويات سياسته الخارجية فى دستور عام ١٩٦٣، معتبرًا العمل من أجل تحرير إفريقيا التزامًا جزائريًا، وأن استقلال الجزائر غير مكتمل ما دامت بعض أجزاء القارة خاضعة للاستعمار.

وبالتالى قامت الجزائر بتقديم الدعم المادى والدبلوماسى لحركات التحرير الإفريقية سواء من خلال العلاقات الثنائية مع هذه الحركات أو فى الاطار الجماعى للمنظمة القارية، خاصة أن الجزائر تعد من المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية وعضوًا فاعلًا ومؤثرًا فى لجنة التحرير التابعة للمنظمة، كما تم اختيارها لمنصب نائب الأمين العام للمنظمة القارية لمنطقة شمال إفريقيا نتيجة لجهودها فى عملية التحرير.

وقد حظيت حركة التحرر فى أنجولا بمختلف أوجه الدعم الجزائرى، فقد وجه أحمد بن بيلا رئيس الحكومة الجزائرية انتقادات شديدة إلى وزير الخارجية البرتغالية الذى كان قد شكى من تأييد الجزائر للمناضلين من أجل الحرية فى أنجولا. وقال بن بيلا فى خطاب ألقاه فى مدينة بليدا الواقعة إلى الجنوب من مدينة الجزائر “إن نضال الشعب الأنجولى هو نضالنا نحن.. أن بعض الضباط المرتزقة الفرنسيين الذين خدموا فى الجزائر وضعوا أنفسهم تحت تصرف الرئيس تشومبى زعيم كاتنجا، وأصبحوا مع سالازار ضد إخواننا الأنجوليين”. وأردف الزعيم الجزائرى قائلًا “إعلم أيها الشعب الأنجولى أن الجزائر بأسرها وراءك فى نضالك من أجل التحرير”.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل غادر بن بيلا فى مايو عام ١٩٦٣ إلى إثيوبيا لبحث دعم الزعماء الأفارقة للثوار الأنجوليين ضد البرتغال، كما سعى لأخذ مركز الصدارة فى إفريقيا فى مسألة الحرية لأنجولا وموزمبيق. وعبر بن بيلا عن ذلك قائلًا “جئنا إلى أديس أبابا ليس للتصويت على بعض القرارات، بل لطلب إجراءات قوية وملموسة”، وطالب بمقاطعة اقتصادية للبرتغال. وقد صرّح بن بيلا بأن عشرة آلاف متطوع جزائرى سيرسلون إلى أنجولا لمعونتها على التحرر من الاستعمار البرتغالى. أكثر من ذلك، استقبلت الجزائر عددًا من الشباب الأنجوليين للتدريب على حرب العصابات، وهناك آخرون من جنوب إفريقيا وموزمبيق وغيرهما. وقد اعتمد بن بيلا مبلغ ٢٠٠.٠٠٠ دولار على الأقل لهذا الغرض، تنفيذًا لقرارات مؤتمر أديس أبابا. كما أعلن وزير خارجية الجزائر يومئذ أن بن بيلا سيطوف بإفريقيا للبحث عن الدعم المالى والعسكرى للوطنيين الأنجوليين للاستقلال، وطالب البرتغال بإنهاء تمثيلها القنصلى فى الجزائر.

وقد أشار بن بيلا صراحة أن الجزائر تؤيد الحركات التحررية فى إفريقيا، وأشار إلى أن الحكومة الجزائرية تؤيد جهود الثوار لإنهاء الحكم الأجنبى فى المستعمرات البرتغالية فى إفريقيا – فى أنجولا وموزمبيق وغينيا البرتغالية. وقد قدرت بعض الدوائر عدد رجال العصابات الذين يتلقون تدريباتهم فى الجزائر للقتال فى أنجولا ضد حكومة البرتغال بحوالى ألفين إلى خمسة آلاف رجل. وأشار الرئيس الجزائرى إلى أن الجزائر تهتم بمشاكل جيرانها بقدر اهتمامها بمشاكلها، وأن الجزائر أصبحت مركزًا رئيسيًا للحركات الإفريقية الثورية.

كما قامت الجزائر فى أواخر عام ١٩٦٣ بتنظيم المؤتمر الأفرو-آسيوى الثانى بهدف تعزيز التضامن والتعاون بين الشعوب التى تناضل من أجل التحرير. وفى هذا الاطار استقبلت على أراضيها الحركات التحررية الإفريقية، وفتحت لها معسكرات التدريب، وقدمت لها الدعم المادى والسياسى لمواجهة الأنظمة الاستعمارية والعنصرية فى القارة، مثل الحزب الأفريقى لاستقلال غينيا الاستوائية والمؤتمر الوطنى الأفريقى بجنوب إفريقيا.

وفى الاحتفال الذى أقيم فى الأول من نوفمبر عام ١٩٦٤ فى ذكرى مرور عشر سنوات على بدء الثورة الجزائرية المجيدة، ألقى بن بيلا خطابًا هامًا قال فيه “إن جيش الجزائر الوطنى الذى تكون من خلال الثورة يقف اليوم على استعداد للقتال مع جيوش العرب كلها ضد اسرائيل، كما أنه على استعداد للقتال مع ثوار الكونغو ضد قوات المرتزقة التى تحارب فى صفوف “خائن إفريقيا” موريس تشومبى، إذا اقتضى الأمر أن نخوض المعارك ضدهما”. وقال أن إسرائيل صنيعة الاستعمار تثير مشكلة سياسية وعنصرية، وليس سرًا أن ٧٥٪ من تجارتها يتم مع جنوب إفريقيا العنصرية، وأن ١٥٠٠ جندى إسرائيلى يحاربون الثوار مع تشومبى.

وعلى الرعم من قصر فترة حكم الرئيس بن بيلا، إلا أنه وضع أسسًا وأهدافًا للسياسة الإفريقية للجزائر ساهمت فى الدفاع عن المبادئ والمصالح الجزائرية فى القارة وتعزيز مكانتها الدولية من خلال دعم الحركات التحررية الإفريقية وتقديم الدعم الاقتصادى والسياسى للدول المستقلة والمشاركة فى تفعيل منظمة الوحدة الإفريقية عبر الدور الجزائرى فى لجنة التحرير وتمثيل منطقة شمال إفريقيا فى الأمانة العامة.

وبعد تولى الرئيس هوارى بومدين رئاسة الجزائر خلفًا لأحمد بن بيلا، أعلن فى بيان مشترك بينه وبين الرئيس اليوغسلافى بروز تيتو عقب المحادثات التى جرت بينهما فى الثانى عشر من أكتوبر عام ١٩٦٦، تأييد حركات التحرير الوطنى فى القارة الإفريقية، ونددا بالاجراءات الاستعمارية التى تهدف إلى تقسيم الدول العربية من أجل الاحتفاظ بالمصالح الاقتصادية والسياسية للاستعمار فى الشرق الأدنى. وأعرب الرئيسان عن عطفهما وتأييدهما لحقوق الشعب الفلسطينى العربى.

وقد جاء الميثاق الوطنى الجزائرى الجديد ليؤكد على استمرار السياسة الجزائرية تجاه إفريقيا وتمسكها بمبادئ ثورتها التحريرية المتعلقة بدعم الحركات التحررية الإفريقية والسعى لبناء الوحدة الإفريقية وضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادى والثقافى التام والالتزام بسياسة عدم الانحياز، معتبرًا تحرير إفريقيا من صميم نضال الشعب الجزائرى وكرامته. وبالتالى استمرت حركات التحرر الإفريقية تتلقى دعمًا دبلوماسيًا وماليًا وعسكريًا ليس فقط على المستوى الجزائرى، بل أيضا من خلال الدور الجزائرى فى المنظمات الدولية كمنظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز من خلال حملات التعبئة العامة الجزائرية والدفاع عن شرعية تلك الحركات أمام هذه المحافل الدولية.

وقد تحدث بومدين فى القاهرة، فى مجلس الأمة المصرى عام ١٩٦٦، عن دعم الجزائر لحركة التحرر الوطنى فى القارة قائلًا “إن الجزائر عاقدة العزم على مواصلة التعاون فى المجال الأفريقى لتوطيد المنظمة الإفريقية وتنسيق الجهود فى إطار استمرار العمل لتحرير الأطراف الإفريقية التى كانت تعانى من الكابوس البرتغالى فى أنجولا وموزمبيق وغينيا المسماة بالبرتغالية، وتحرير كل من جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية من الأقلية البيضاء التى تسوم أهلها جحيم التمييز العنصرى، وتجرعها كل أنواع الإهانة والتنكيل مستخفة بذلك”. ولعل ذلك يبين مدى التقاء وجهة النظر المصرية والجزائرية حول قضايا التحرر العربية والإفريقية.

ولم تكتف الجزائر بدعم الحركات التحررية فقط، بل كانت تستقبل وتستضيف زعماء بعض الحركات المعارضة للأنظمة السياسية فى الدول الفرانكوفونية الموالية لفرنسا كالنيجر والكاميرون وتشاد، مما سبب توترًا بين الجزائر وهذه الدول، وذلك فى إطار الصراع الايديولوجى القائم آنذاك والسعى لحصار النفوذ الفرنسى والامبريالية الغربية التى تهدد مصالح الجزائر فى القارة.

وفى عام ١٩٦٧ قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية تضامنًا مع مصر ضد العدوان الاسرائيلى المدعوم أمريكيًا، كما أقدمت على نفس الخطوة عام ١٩٦٨ عندما أعلنت بريطانيا دعمها للمستوطنين البيض بروديسيا الجنوبية (زيمبابوى حاليًا) وناميبيا على حساب السكان الأصليين، تنفيذًا لقرار منظمة الوحدة الإفريقية فى هذا الشأن.

كما اهتمت الجزائر بجنوب القارة، حيث ساندت شعب ناميبيا والمؤتمر الوطنى لجنوب إفريقيا فى مكافحتهما للتمييز والفصل العنصرى، وقامت بالدفاع عن قضايا القارة داخل المحافل الدولية من خلال قيادتها مؤتمر دول عدم الانحياز عام ١٩٧٣، حيث طالبت بضرورة قيام نظام عالمى جديد وعادل يقوم على التعاون وليس على التبعية، ويضمن حقوق الدول الإفريقية فى تسيير اقتصاداتها بنفسها وإنهاء ما سمته الدبلوماسية الجزائرية باستمرار الاستعمار الاقتصادى لضمان التحقيق الكامل للاستقلال السياسى.

أما عن دور الجزائر التحررى فى العالم العربى، فقد آمنت الجزائر فى علاقاتها الدولية بمبادئ الدفاع عن الشعوب المستعمرة من أجل نيل استقلالها ودعم حركات التحرر فى العالم عامة، وفى إفريقيا والعالم العالم العربى بشكل خاص. ومن المبادئ الراسخة فى السياسة الجزائرية دعم قضايا التحرر فى العالم فكيف بها أن كانت هذه القضية متعلقة بالقارة التى تقع فيها، أو بقضية العرب المركزية، قضية فلسطين.

فقد اهتمت الحركة الوطنية الجزائرية بالقضية الفلسطينية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية فى عام ١٩٣٥، وأسس حزب الشعب الجزائرى، الذى خلف نجم شمال إفريقيا، “لجنة الدفاع عن فلسطين العربية” فى عام ١٩٣٧ لاشراك الجزائريين فى حركة الاحتجاج ضد تقسيم فلسطين، وجمع التبرعات لصالح ضحايا الصهيونية والحكم الانجليزى.

ولم تكتف جمعية العلماء المسلمين الجزائرية برفض مشروع التقسيم، بل ساندت الحرب العربية الإسرائيلية عام ١٩٤٨، وأسست “الهيئة العليا لإعانة فلسطين” بالتنسيق مع الاتحاد الديمقراطى للبيان الجزائرى برئاسة الشيخ البشير الإبراهيمى. وقد تمكنت هذه اللجنة من جمع تبرعات مالية هائلة من الشعب الجزائرى وأرسلتها إلى فلسطين.

وقاتل المتطوعون الجزائريون فى فلسطين فى مختلف جبهات القتال وفى عدة كتائب وأفواج خاصة ضمن الفوج التاسع المغاربى داخل الجيش السورى، كما قاتلوا ضمن الكتائب الثلاث، التى دخلت مع القوات المصرية إلى فلسطين.

وقد أكد الرئيس بن بيلا، فى استقبال أُقيم فى قصر الشعب بالجزائر فى الرابع عشر من أغسطس عام ١٩٦٤ بمناسبة تسلمه جائزة لينين للسلام تقديرًا لخدماته لقضية السلم العالمى والتفاهم بين الشعوب، أن حجر الزاوية فى سياسة الحكومة هو عدم الانحياز وإقامة علاقات أخوية مع جميع الدول.. وتعهد بتأمين جميع الجهود التى تُبذل فى سبيل تحرير الشعوب، التى ترزح تحت نير الاستعمار.. وأشار فى حديثه إلى أن إنشاء إسرائيل جاء خطرًا دائمًا للسلام، وأعلن أن الجزائريين مصممون على العمل من أجل استعادة الحقوق الشرعية لشعب فلسطين.

وقد صدر بيان عن الجمهورية العربية المتحدة والجزائر بعد الاجتماعات التى جرت بينهما فى الفترة ٢٨ نوفمبر إلى ٥ ديسمبر ١٩٦٦، أكد فيه الرئيسان جمال عبد الناصر وهوارى بومدين تأييدهما التام للقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودعم نضال الشعب العربى فى اليمن الجنوبى المحتل ضد الاستعمار والتخلف ودعم ثورة اليمن.

وبعد هزيمة الجيوش العربية فى يونيه ١٩٦٧ أرسلت القيادة السياسية الجزائرية وزير خارجيتها إلى مصر من أجل معرفة احتياجاتها للمعركة، وفى هذا الإطار سلّم الأخضر الإبراهيمى، السفير الجزائرى فى مصر لوزير الاقتصاد المصرى شيكًا بـ ٦ ملايين دولار، دعمًا للقوى المحاربة ضد إسرائيل وللجهود المبذولة من طرف الجمهورية العربية المتحدة فى الحرب.

وقد لعبت الجزائر دورًا دبلوماسيًا وسياسيًا كبيرًا خلال تلك المرحلة. فبعد الهزيمة مباشرة توجه الرئيس هوارى بومدين إلى موسكو من أجل الطلب من السلطات الروسية إعادة تسليح الجيوش العربية، واستطاع بعد مفاوضات طويلة أن يقنع السوفيت بأن من هُزم هو الحلف ككل وليست مصر وحدها، وانتهى الأمر بموافقة السوفيت على إعادة تسليحهم على نفقة الجزائر.

كما تعرض الجزائر لضغط أمريكى كبير بعد نزول الطائرة الإسرائيلية بوينج ٧٠٧ التى كانت قد اختطفتها المقاومة الفلسطينية وحولتها إلى الجزائر، واستصدرت قرار من منظمة الملاحة العالمية للطيران يدين الجزائر ويمنع التعامل معها. وقد استطاع الجهاز الدبلوماسى الجزائرى أن يتفادى هذا التهديد بفضل قوة علاقاته مع دول العالم، مما أدى بأمريكا إلى ارسال قطع من أسطولها السادس قبالة السواحل الجزائرية.. غير أن هذا التهديد لم يثن الجزائر عن التمسك بمواقفها الداعمة لحركات التحرر، بل قامت بطرد السفير الأمريكى من الجزائر.

أما عن الدور العسكرى، فبمجرد وصول خبر الهجوم الجوى الاسرائيلى على الجيوش العربية قرر مجلس الثورة إرسال قوات جزائرية على جناح السرعة إلى ميدان المعركة. ووصلت فى اليوم الثانى للحرب نحو ١١ طائرة جزائرية إلى أحد المطارات المصرية التى لم تكن قد استهدفت بعد، وكانت هذه الطائرات هى كل ما تملك الجزائر من أسطولها الجوى وقادها طيارون جزائريون لم يكونوا قد استكملوا تدريباتهم بعد على القتال الجوى، لكن لم تنقصهم لا الإرادة ولا الحمية للدفاع عن الأرض العربية. وقد كانت مصر فى أمس الحاجة إلى هذه الطائرات بعد أن دُمرت قواتها الجوية وأصبحت سماؤها مكشوفة.. أضف إلى ذلك القوات البرية، التى شاركت ميدانيًا ضد القوات الإسرائيلية، حيث تقرر مشاركة الجزائر باللواء الثامن المدرع الموجود بتلاغمة، وهو اللواء الوحيد الذى كانت تعده الجزائر كنواة أولى لجيش عصرى. وتشير الأرقام إلى ٦١ شهيدًا جزائريًا خلال هذه المرحلة من الحرب العربية الإسرائيلية عام ١٩٦٧.

لقد قدمت الجزائر دعمًا كبيرًا لدول الطوق لمواجهة العدو الإسرائيلى وإعادة بناء ما تحطم فى النكسة، حيث كانت الجزائر ثانى دولة من حيث الدعم لدول المواجهة.. وكانت الجزائر قد دفعت للاتحاد السوفيتى ثمن ٦٠ طائرة مقاتلة، و١٥٠ سيارة مصفحة، و١٠٠ دبابة سوفيتية طبقًا للاتفاق الذى أبرمه بومدين مع القيادة الروسية عام ١٩٦٧. كما قدمت مساعدات مالية أولية مباشرة بلغت ٢٠ مليون فرنك فرنسى لكل من سوريا والأردن.. أيضا أرسلت كل الطائرات، التى كانت تملكها إلى مصر، وأرسلت تجهيزات لكل وحداتها الموجودة بالشرق الأوسط، وتكفلت بكل تكاليف الفرق الجزائرية المرابطة بالجبهة من يوم مغادرتها للجزائر عام ١٩٦٧ إلى تاريخ عودتها عام ١٩٧٠.

وعلى الرغم من الخلاف الذى كان سائدًا فى تلك الفترة بين القيادة الجزائرية والقيادة السياسية المصرية، وسحب الجزائر لقواتها التى كانت تشارك فى حرب الاستنزاف، تعبيرًا عن رفضها لمبادرات وقف إطلاق النار بين الدول العربية وإسرائيل، إلا أن الجزائر لم تعر كل ذلك بالًا حين طُلب منها المساعدة من أجل التحضير لحرب جديدة مع العدو الصهيونى.. فقد وضعت الجزائر كل إمكانياتها تحت تصرف الدول المشاركة فى الحرب.

أما على الصعيد السياسى، ففور الاعلان عن الحرب فى منطقة الشرق الأوسط عقد مجلس الثورة ومجلس الوزراء جلسة طارئة من أجل اتخاذ التدابير اللازمة وسبل دعم سوريا ومصر بأقصى قدر ممكن حتى لا تتكرر هزيمة ١٩٦٧.. وكانت أولى القرارات التى اتخذتها القيادة هى إرسال قوات عسكرية جزائرية إلى الجبهة المصرية بأسرع وقت.

كما لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورًا كبيرًا منذ اللحظة الأولى استعدادًا لخوض المعركة على المنابر الدولية لجمع الدعم والمساندة للدول العربية فى هذه المعركة، والعمل على عزل إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة وكل من يساندهما فى الحرب. فكان للرئيس بومدين اتصالات كثيرة مع رؤساء وملوك الدول الصديقة لحثهم على دعم القضية العربية، كما قام بزيارات عديدة لبعض هذه الدول، خاصة الاتحاد السوفيتى ويوغسلافيا، من أجل حث الاتحاد السوفيتى على تسليم مصر شحنة الأسلحة المتفق عليها. كما بعث الرئيس بومدين عدة برقيات لنظرائه فى العالم شارحًا لهم الوضع على الجبهة، وتلقى عدة برقيات مماثلة من نظرائه معربين عن تضامنهم العميق مع الشعوب العربية. وعلى مستوى الهيئات الدولية، نددت الجزائر بجرائم العدو الصهيونى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما كانت دائمة التواصل مع كل الدول الصديقة من أجل مقاطعة إسرائيل، ومطالبة أخرى باتخاذ موقف من العدوان الاسرائيلى ضد العرب ومطالبتهم بقطع العلاقات مع العدو، خاصة دول عدم الانحياز والدول الإفريقية.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة