الأربعاء 29 مايو 2024

أزمة الحارس الشخصي تهدد مستقبل ماكرون الرئاسي

7-8-2018 | 11:49

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذه الأيام واحدًا من أكثر التحديات خطورة منذ توليه منصب رئيس فرنسا قبل عام والمتمثل في تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها واهتزاز صورته أمام مواطنيه، وذلك في أعقاب أزمة حارسه الخاص "ألكسندر بينالا" الذي يلاحق حاليًا بتهمة ارتكاب أعمال عنف ضد المتظاهرين أثناء حضوره مظاهرة عيد العمال بباريس، حيث كان يقف إلى جانب قوات الأمن من دون أن تكون له صفة أمنية رسمية.

وفتحت النيابة العامة في باريس تحقيقًا تمهيديًا في هذا الحادث، كما تجري الدائرة العامة للشرطة الوطنية واللجان البرلمانية التابعة للمجلس الوطني (مجلس النواب) ومجلس الشيوخ تحقيقات خاصة في الحادث.

وقد وجهت إلى بينالا اتهامات رسمية باستخدام العنف وانتحال وظيفة ضابط شرطة واستخدام بطاقات مخصصة للسلطات العامة، والاستيلاء على صور وتسجيل فيديو من كاميرات مراقبة وانتهاك السرية المهنية.

وتصدرت هذه الأزمة اهتمام مختلف الأوساط الفرنسية خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث حاولت المعارضة من جانبها إلصاق مسئولية هذه الأزمة بشخص الرئيس ماكرون بينما ظلت الحكومة متمسكة بموقفها بأن ما حدث كان "خطئًا فرديًا" وليس "قضية دولة" كما تحاول أطراف المعارضة تصويرها.

واتخذت هذه الأزمة بعدًا خطيرًا بعد أن تقدمت المعارضة الفرنسية، بشقيها اليساري واليميني، الأسبوع الماضي بمذكرتين لحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية، غير أن الغالبية الكبيرة التي يحظى بها حزب ماكرون في البرلمان قد أفشلت هذه المحاولة، حيث حصلت المذكرة الأولى لليمين على تأييد 143 نائبًا، في حين حصلت المذكرة الثانية لليسار على تأييد 74 نائبًا فقط.

وعلى الرغم من فشل محاولات إسقاط الحكومة إلا أن هذا الإجراء الذي اتخذته المعارضة اعتُبر من وجهة نظر الكثيرين إنذارًا قويًا وغير مسبوق للرئيس الفرنسي وحكومته، فللمرة الأولى منذ وصول ماكرون إلى سدة الرئاسة في مايو 2017 نجحت المعارضة اليمينية واليسارية في توحيد صفوفها واتخاذ موقف مشترك ضد السلطة التنفيذية بعد أن كان موقفها هامشيًا طوال الفترة الماضية داخل المشهد السياسي الفرنسي.

ووفقا للمراقبين، تمكنت المعارضة من استغلال أزمة "الكسندر بينالا" لتوجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس ماكرون حيث إن التحقيقات التي أجرتها لجنتا تحقيق في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ قد تم من خلالها استجواب شخصيات ذات نفوذ وقريبة من الرئيس الفرنسي وأثارت الشكوك حول مصداقيتها.

ومن المتوقع أن يتم إجراء تعديل حكومي بعد فترة قصيرة قد يرغم ماكرون على التضحية بشخصيات قريبة منه للحفاظ على صورته واستعادة ثقة الشعب من جديد.

والواقع أن هذه الأزمة قد تسببت من وجهة نظر الكثيرين في اهتزاز صورة الرئيس الفرنسي في الداخل والخارج، فمنذ توليه الرئاسة العام الماضي، حرص ماكرون على الظهور بمظهر المقاطع لسياسات الماضي وقائد لمسار التغيير، وهو ما انعكس في سياساته الإصلاحية التي أخذ ينفذها واحدة تلو الأخرى دون أن يتراجع عنها قيد أنملة، متصديًا بقوة لكافة الانتقادات والاحتجاجات والمظاهرات الشعبية.

إلا أن الأزمة الراهنة قد وجهت ضربة قوية إلى الرئيس الفرنسي واعتبرها الكثيرون بمثابة أول أزمة حقيقية تواجه ماكرون في ولايته، حيث إنها قضت على الصورة المثالية للرئيس أمام الرأي العام الفرنسي وشككت في شفافيته ومصداقيته وقدرته على القيام بالدور المنوط به وهو حماية مؤسسات الدولة وأفقدت ماكرون شريحة كبيرة من مؤيديه.

واتساقا مع السياق السابق، عكست معظم استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها الأسبوعين الماضيين انخفاضًا ملحوظًا في شعبية الرئيس الفرنسي والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال الفترة الحالية.

ومن أشهر تلك الاستطلاعات استطلاع مركز "ايفوب" لمجلة " لوجورنال دو ديمانش" والذي أظهر أن مستوى دعم الرئيس الفرنسي انخفض في الفترة ما بين 18 و27 يوليو الجاري من 41% إلى 37%، وهو ما يعني أن ماكرون ضرب رقمًا قياسيًا سلبيًا جديدًا حيث إن أدنى مستوى لشعبيته كان يبلغ قبل ذلك 40% وتم تسجيله في أغسطس عام 2017.

ومن بين الاستطلاعات أيضا التي عكست انخفاض شعبية ماكرون استطلاع شركة "إبسوس" الفرنسية الذي كشف تراجع أربع نقاط في شعبية الرئيس خلال شهر يوليو الماضي، إذ هناك 60 بالمئة من الفرنسيين لا يؤيدون الرئيس في سياساته، بينما يوافق عليها 32 بالمئة فقط.

وبحسب تقرير "إبسوس" فإن شعبية الرئيس الفرنسي تشهد تراجعًا في أوساط النخبة والسلطة ولدى المديرين التنفيذيين، وهذه الشريحة كانت حتى الآن تدعم سياسات ماكرون وتعتبر من أكثر مؤيديه.

ويرى فريق من المراقبين أن هذه الأزمة قد يظهر أثرها بصورة أوضح على المدى المتوسط والبعيد حيث إن قوة ماكرون تتجسد قبل كل شيء في شخصيته وبالتالي فإن هذه الأزمة تضعف الوعد الذي قطعه من قبل بإقامة قطيعة مع ممارسات الماضي، فهي بمثابة "سمًا بطيئًا" قد يعاني منه طوال مدة ولايته وقد تؤثر سلبًا على فرص ترشحه لولاية جديدة في عام 2022.