الأحد 2 يونيو 2024

"الصعيد فى بوح نسائه".. بنات الجنوب يسردن روايات الأسرار والأوجاع

21-3-2017 | 17:59

يكشف كتاب "الصعيد فى بوح نسائه"، لمؤلفته "سلمى أنور"، الصادر عن دار "بتانة" عن وجه مختلف للصعيد، فرغم الكتابات الكثيرة التى تناولت الصعيد بين التوثيق والتأريخ، إلا أن هذا الكتاب يقدمه من زاويا مختلفة، هى وجهة نظر نسائية، عن طريق 25 حكاية لنساء الجنوب، ذلك المجتمع المشحون بالتعقيد الطبقى والقبلى، وتضافر مكوناته الدينية والثقافية، والزاخر بالموروث المخفى تحت قشرة رقيقة من التحضر والتمدين.

رحلة إلى الجنوب

4 سنوات هى رحلة سلمى أنور لجمع هذه الحكايات من قرى جنوبية مختلفة فى أسوان، وسوهاج، وقنا، شاركت خلالها النساء مجالسهن، وقصصهن، وأوجاعهن، منهن من امتنعت عن الحديث، ومنهن من استعانت بوسيط دون أن تكشف عن نفسها، ومنهن من تحدثت للمؤلفة عبر الهاتف، وقليلات وافقن على الجلوس معها وجها لوجه، مقابل قطع وعود كثيرة بعدم استغلال حكاياتهن بأى صورة تؤذى سمعتهن.

تناقضات نساء الجنوب

ترى المؤلفة فى كتابها أن المرأة الصعيدية لا تقبل أن تهزم، وهى الواعية المعتدة بمعارفها التى تجيد تمريرها لأبنائها، فتبنى رجالا بـ"شوارب كثة" يعرفون كيف يخضعون نسائهم فى المستقبل، فى حين أنها - بالتوازى وسرا- تربى بناتها على ألا يخضعن لرجالهن، حتى فى قضايا الثأر، نجد للنساء أحيانا حضورا بارزا، فقد تكون محركا للثأر ومورثة له، وفى أحيان أخرى تلعب دور نازع الفتيل.

المرأة على حدة وعيها فى الصعيد، تظل حبيسة معايير صارمة، تجعل الخصوبة والإنجاب واحدة من أكبر همومها، لأن الولود ليست كالعاقر فى عيون المجتمع، كما أن الحمل بذكر ليس كالحمل بأنثى، فغالبية بطلات الكتاب حرمن من التعليم غصبا، فلم ينلن سوى الإعدادية ليتزوجن بالإكراه من أبناء عمومتهن حفاظا على الإرث، وعشن معنفات ومقهورات فى بيت الأب، أو بيت الزوج، ولا حيلة لهن إلا الاستسلام للقدر، لم تتمردن إلا فيما ندر، لكنهن رغم ذلك واعيات بحجم التهميش والقهر الواقع عليهن من رجالهن ومجتمعهن.

مظاهر وعادات

المظاهر والعادات المصاحبة للميلاد والزواج والموت، وعادات الختان والثأر، والميراث، والاعتقاد فى الأساطير والأرواح، وأسرار الخصوبة، والعلاج بالأعشاب، وسطوة الرجل، ونفوذ العمدة، الحكايات والقصص، كلها موروثات ثقافية مكونة للشخصية الصعيدية، وهذا ما أوضحته قصص النساء التى كشفت أيضا عن تناقض المجتمع الجنوبى الذى يلتزم بالعادات والتقاليد أكثر من التزامه بالشرع والقانون.

وبينما يخلع أى إطار دينى أو أخلاقى عن ما يسمى "الحجر"، أى تحفظ العمدة على امرأة بعينها أياما أو أسابيع لتؤدى دور المحظية أو الجارية، تحت مبرر نفوذ العمودية وأحكامها الخاصة، نراه من ناحية ثانية يصم تلك المرأة بأنها بنت بائع الخمور، وبنت المال الحرام، أو يصمها بأنها لا تلد ذكورا.

المجتمع الجنوبى فى عمومه يتمسك بثقافته وتراثه، ويرفض الحياة القاهرية الوافدة إليه عبر الأفلام السينمائية، أو الوسائل التكنولوجية الحديثة، حتى أنه الأسر هناك تعتقد أن الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعى قد تفسد أخلاق بناتهن فتحجبه عنهن.