في الخامسة من عمرها، حفظت نجاة الصغيرة أغاني أم كلثوم كاملة، وصحبها شقيقها عز الدين حسني الملحن وعازف الكمان الشهير إلى معهد الموسيقى العربية، وسمعها المرحوم مصطفى رضا، فأيقن أنه أمام موهبة جديدة، وقرر أن يقدمها للجمهور في إحدى حفلات المعهد، وواجهت نجاة الجمهور لأول مرة في ذلك الحفل ونجحت وصفق لها الجمهور طويلاً.. في ذكرى ميلادها نسرد لمحات من قصة حياة الفنانة القديرة نجاة الصغيرة التي كتبتها في الكواكب عام 1958 .

بدأت نجاة تدرس العزف على العود بمعهد الموسيقى بعد نجاحها وذاع صيت الطفلة التي تقلد أم كلثوم حتى التقطتها الإذاعة وقدمتها في إحدى سهراتها لتغني "سلوا قلبي" ، وكان متعهد الحفلات صديق أحمد على صلة وثيقة بوالدها، فاتفق معه أن تقيم العديد من الحفلات في موسم الصيف بالإسكندرية، وهناك سجلت نجاة حلقة جديدة من النجاح، ولم يعد للمصطافين حديث إلا عن الطفلة الموهوبة التي تقلد أم كلثوم في الغناء والأداء حتى وهي تمسك المنديل لتضفي التأثير الكامل بغناء كوكب الشرق.

في إحدى الحفلات الصيفية بالإسكندرية رأى الكاتب الصحفي الكبير فكري باشا أباظة الطفلة الموهوبة نجاة وقد التف حولها الجمهور بعد أن غنت وتكالب عليها مصورو الصحف والمجلات الفنية، ووجدها نجمة الموسم وحديث الإسكندرية وهي تخضع لعدسات المصورين وتجيب عن أسئلة المحررين بأسلوب عفوي بسيط، وأرسل فكري أباظة مقالاً كتبه لمجلة "المصور" من الإسكندرية أبدى فيه إعجابه بالطفلة نجاة الصغيرة، لكنه رغم إعجابه بها فقد أشفق عليها في مقاله الذي نشر بالمصور في الأسبوع التالي ووقع العدد بين يدي نجاة، لتسعد بإعجابه وتغضب من باقي المقال، فقد طالب أباظة الحكومة بتبني تلك الموهبة، وأن ترسلها في بعثة لتدرس أصول الغناء والموسيقى، وأبدى فكري أباظة شفقته على ما تعانيه تلك الصغيرة من جهد وسهر واستغلال والدها لها ابتغاءً للكسب المادي.

تأثر محمد حسني والد نجاة من كلمات فكري أباظة، وقرر ألا تغني نجاة مرة أخرى في حفلات الصيف، خصوصاً بعد أن تناقلت الصحف والمجلات مقال فكري أباظة واندفع الكتاب يعقبون على المقال وينشرون الأبحاث عن الأطفال ذوي المواهب وكيف ترعاهم الدول، واتفقوا جميعاً وطالبوا بأن ترعى الحكومة نجاة الصغيرة لتنشئتها النشأة الفنية السليمة، وألحت نجاة وشقيقها عز الدين ومعهما صديق أحمد على الوالد حتى يعدل عن رأيه.. أما أشقاء نجاة الصغيرة فقد سعدوا بهذا الجدل الصحفي الكبير الذي أثاره فكري أباظة، وتنبأوا بأن تستجيب الحكومة لمطالب الصحفيين وتتبنى نجاة، وقد اقتنع بعض أخواتها بأن ذلك حدث فعلاً فأطلقوا عليها لقب "بنت الحكومة".

ومن الطريف أن أثار مقال فكري أباظة الانتباه أيضاً لدى الملحنين ومحبي الغناء، فكل من قرأ المقال سافر إلى الإسكندرية كي يرى تلك الطفلة الموهوبة، وتكالب عليها الملحنون ليلحنوا لها أغاني خاصة بها، وسعدت نجاة بما حققه مقال أباظة الذي زاد من شعبيتها مما اضطرها أن تمكث بالإسكندرية شهرين آخرين تقيم فيهما الحفلات، وعزمت عند عودتها أن تقابل فكري باشا كي تعاتبه على كلماته تجاه والدها.