الأحد 12 مايو 2024

فى ذكرى ميلاد الموسيقار محمد عبدالوهاب.. اعتـــرافـــات وآراء جريئـــــة

22-3-2017 | 12:20

ترويها: سناء السعيد

إنه الموسيقار محمدعبدالوهاب الصرح الفنى الكبير، والاسم الذى عشقته الجماهير على مدى رحلة طويلة بدأها فى الأربعينيات عندما أصبح مطرب الملوك والأمراء، وفى الخمسينيات وما بعده أصبح مطرب الشعب، وبعد ذلك أصبح موسيقار الجيلين، فليس هناك ملحن عربى لم يتأثر به، ولم يترك هو موسيقيا عالميا دون أن يستفيد منه، وتستدعيه اليوم ذكرى ميلاده.ومع الذكرى أستعيد لقاءاتى معه، وأتوقف هنا عند لقائى به عام ١٩٨٥ وهو اللقاء الذى دار حول المرأة وعلاقته بها. لا سيما مع ما أثير فى هذه المرحلة من أن المرأة ظفرت بإنجازات كثيرة وأن هذا جاء على حساب الرجل الشرقى. ومع فنان فى قامة عبدالوهاب كان يصعب علىّ أن أبدأ الحوار معه عبر معرفة رأيه وتجربته من خلال عالم المرأة. ولكنه ما لبث أن فجر القضية فى إطار جاء مفاجئا وكان جديدا ومختلفا. واستمع إليه وهو يستعرض الذكريات، فمنذ البداية كان للمرأة حضور خاص فى حياته، فلم يكد ينقضى من عمره عامان حتى تعرض لخطر المرض الذى كاد أن يودى بحياته لولا رعاية أمه له، أما بعد ذلك فإن علاقته بالمرأة تمتد عبر تجربة الزواج وتشمل علاقته المتميزة بزوجته السيدة نهلة القدسى وبناته وحفيداته.

وعندما التقيته فى العام ٨٥ كانت علاقته بالمرأة وقتئذ مرتبطة بتجربة الزواج التى تكررت ثلاث مرات فى حياته، الأولى فى العام ١٩٣١ حيث الزوجة تكبره بعشرين عاما وبثروة تتعدى عشرات الآلاف.. ولم يكن هناك حب أو عواطف وكان الطلاق أمرا لا مفر منه، والزواج الثانى الذى قام على الإعجاب والحب والحنان. ثم لم يبقَ منه سوى الغيرة، فانتهى بعد اثنى عشر عاما أصبح خلالها أبا لثلاث بنات: عائشة” إش إش”، وعفت”فت فت”، وعصمت” تم تم” هكذا كان يدللهن، وولدين” محمد ، وأحمد”. وفى العام ١٩٥٧ جاء الزواج الثالث عندما قالت السيدة” نهلة القدسى” نعم ودامت لهما الحياة الزوجية الهانئة، وعن تجربته فى هذه الزيجات فإن الكلمات تخرج من فمه لتقرر فى بساطة :( الحب كان موجودا، ولكن العنوان المناسب لمشاعرى فى الزواج الأول هو الابن، وفى الزواج الثانى كنت الأب، وفى الزواج الثالث فأنا الزوج).

وعندما أسأله عن المرأة وما الذى تعنيه بالنسبة له؟ يقول: (المرأة هى جزء من حياتى، ولكنها ليست كل شيء فيها. هناك العمل والفكر والمبدأ.. والمرأة اليوم أخذت كل ما تريده من الحياة. نادت بحقوقها وحصلت عليها جميعا من الرجل). ويبتسم قائلا:( لقد نجحت المرأة إلى الدرجة التى أعتقد معها أنه قد آن الأوان لكى يشكل الرجل جمعية تطالب بحقوقه من المرأة)، ويحاول أن يشرح أفكاره قائلا:( أنا لست ضد المرأة، ولكنى أكره المغالاة لدى بعض النساء فى طلب المساواة مع الرجل، أكره الحرية النهمة التى تتطلع إليها بعض النساء. الحرية التى أفرغت البيت من محتواه. تركت المرأة مملكتها الطبيعية وانطلقت تسعى من أجل المساواة بغض النظر عن ظروفها. ومرة أخرى أنا لست ضد عمل المرأة، ولكنى أؤمن بترتيب الأولويات. لا مانع عندى فى أن تعمل المرأة التى ليس لها أطفال أو زوج، بل إنى أحبذ أن تعمل، فالوظيفة أجدى لها من الفراغ والثرثرة فى النوادى. أما خلاف هذا، فالمرأة مملكتها المنزل.

ويتوقف الفنان عبدالوهاب عند تعبير” الحرية النهمة” ليفسره قائلا: (إن المرأة تبدو من خلاله أشبه ما تكون بمن خرج من غرفة حالكة الظلام إلى نور نفاذ تحاول استيعابه حتى لو أرهق عينيها) ويردف( حتما سترتدى هذه المرأة نظارة فيما بعد للحد من هذا الضوء الساطع. وآمل أن تقتنع المرأة بأن لها دورا آخر يجب أن تضطلع به).

وعندما أسأله عن خشية الرجل من منافسة المرأة له؟ يقول: (المرأة فى نظرى ميالة إلى السيطرة، تحب الامتلاك بحكم طبيعتها، إنها غريزة حبتها بها الطبيعة للحد من انطلاق الرجل. وهذا لا يعنى أن المرأة تتسلط بخشونة وقوة إنما قد تتسلط بضعفها ورقتها وحاستها الأنثوية المشوبة بذكاء فطرى خارق. وهذا شيء رائع لأنه يضمن بقاء الرجل وبقاء الأسرة التى لا تكتمل إلا به؛ لكن المرأة تميل إلى الاستعراض لكى تثبت دائما أنها على قدم المساواة مع الرجل فى الحجة والحوار. ولأنى أحب المرأة، فأنا أريدها متميزة عن الرجل، فتربية الأطفال وأمور أخرى مثل أعمال السكرتارية والتمريض تناسب طبيعة المرأة التى تميل إلى الصبر والتحمل، والاستعداد الفطرى لملاحظة الأشياء بدقة).

تتبلور أفكار الموسيقار محمد عبدالوهاب فى معرض رده على تساؤلى من أنه يريد للمرأة أن تمارس دور الراعى فى البيت فيقول: (المرأة لها عملها والرجل له عمله، ولا أستطيع القول أيهما أكثر أهمية، لكن الذى لا أستطيعه هو أن أمحو من حياتى بيتا وكيانا وأسرة. ولا ننسى دور الأمهات فى حياة النوابغ، وأتساءل هل يمكن مثلا أن نقيم جيشا محاربا من النساء؟ هذا غير معقول. ولعل أقرب مثال عما أقصده بهذا الكلام هو أمى، فهى التى وضعت قدمى على أول الطريق، عاونتنى وشجعتنى عندما عارضت الأسرة اشتغالى بالفن. إذن حياتى هى أمى وحياتى هى زوجتى السيدة نهلة القدسى التى تقف بجوارى، تمنحنى الكثير من قوتها وروحها. المرأة فى حياة أى رجل يمكن أن تخلق منه إنسانا عظيما، وقد يحدث العكس وتجعله فى خبر كان.

ماذا عن حياتك الزوجية بعد كل هذه السنوات من الارتباط. هل تحدث بينكما المجابهات العادية التى تحدث بين أى زوج وزوجته؟

بابتسامة لا تخلو من الحسم يقول: (لا وجود لأية مجابهات زوجية. أنا شخصيا أبتعد عن مجال المنزل، فهو إمبراطورية المرأة التى لا تغيب عنها الشمس. وأنا لا أفهم شيئا فى أمور هذه الإمبراطورية. ومن ناحية أخرى فإن نهلة لديها حساسية زوجة الفنان، تعرف الأوقات التى أسبح فيها مع الخواطر، ساعتها تبتعد عنى وتتركنى مع ألحانى وخواطرى. تدرك هذا بحس داخلى غريب)، ويردف وهو يهز رأسه ويبتسم: (بالطبع قد تحدث أشياء، لكنها لا تترك بصمات، فهى أمور يومية يمكن أن تحدث فى كل حياة. يمكن أن أنفعل ويمكن أن تنفعل، ولكن فى النهاية لا تكون هناك أية مشكلة لأنها أمور لا تتعلق بأساس الحياة، ولا تتعلق بالحب، وبالود وبالعشرة وبالمصلحة وبالتفاهم وبالإحساس وبالعلاقة الدائمة والأسرة وبالاختيار الأبدى. وطالما أن الأساسيات لا تمس فإن ما عداها يجرى فى إطار هامشى سرعان ما يتبخر).

الحديث مع عبدالوهاب عن حياته الزوجية يغرى بالمزيد من التساؤلات ومن ثم أسأله: ماهى التنازلات التى قدمتها من عاداتك بعد الزواج؟

(أنا أعترف. زوجتى هى التى تنازلت عن بعض الأمور، وعامة فإن ما حدث بيننا لا أسميه تنازلا وإنما هو نوع من “تكييف” كل منا للمسائل والأمور الثانوية التى يمكن أن يتنازل عنها أى شخص بسهولة، فمثلا من عاداتى أن أنام فى ظلام حالك بينما تحب نهلة الضوء الخافت، فلو حدث وتنازلت هى أكون سعيدا، وإلا فإننى أبادر وأتنازل أنا. كذلك من عاداتى أن أستمع إلى الموسيقى قبل النوم، ومثل هذه الأمور هى ما أطلق عليه الأمور الثانوية، أما الأساسيات وهى التى تتعلق بالخلق ومواصفاته فهى لا تحتاج إلى تنازل، وإنما لابد أن يكون هناك توافق بين الطرفين. وبحيث لا تزيد الفجوة على ١٠ ٪ . ولله الحمد لا توجد بينى وبين زوجتى فجوات؛ لأن هناك توافقا بدرجة مائة فى المائة).

هل تغيرت بعد الزواج؟

(أعترف بأنى تغيرت إلى الأحسن بعد الزواج، البعض يتصور أن الفنان “بوهيمى” أشعث الشعر فوضوى إلى أقصى درجة. ولكنى أقول على العكس الفن نظام قاتل، والحب يأتى من العلاقة، والحوار هو ذهن من أتحدث معه وصوت من أتحدث معه، هو الروح والإحساس، فكل هذا يقيم إطارا للحب).
ألم تؤثر كثرة المعجبات بك على حياتك الزوجية؟

يجيب وهو يبتسم (على العكس فأى فنان يلفت النظر، والأمر ليس مقصورا على المعجبات وإنما يتعداه إلى المعجبين. إحساس رائق أن يعجب أى شخص بفنان يمنحه السعادة أو المتعة أو الراحة من خلال لحن أو لوحة أو عمل فنى رائع).
حب عبدالوهاب للمرأة انعكس على علاقاته الحميمة ببناته الثلاث واللاتى يعشن وفق أسلوب تقليدى شرقى، حياة فيها احترام الأب والتفاهم مع الابن بعيدا من الحرية المغلوطة؟

(أنا أحب الحياة العائلية التقليدية. لست بالمسيطر على أبنائى وإنما أميل إلى أن أجعلهم يقتنعون قبل كل شيء، فالسيطرة قد تأتى بالحوار. أنا مؤمن بالحوار، فالكلمة لها أهمية عندى. أنا مؤمن بالعقل والذكاء وأن الإنسان عبارة عن عقل).

ما رأيك فى تدخل الآباء فى زيجات الأبناء؟

(الأب والأم فى معظم الزيجات الآن لا يؤخذ برأيهما، لكنى أرى أنه لكى يكون الزواج متكاملا لابد أن يكون للأب والأم رأى يؤخذ به أو على الأقل أن يكونا شركاء فى الاختيار).

ينفرد عبدالوهاب بنفسه فى صومعته لتقييم خواطره. والفكرة اللحنية لها دائما معه مسار طويل. قد يعثر على الكلمة الحلوة فيضع لها “الترنيمة”. وقد يعثر على الجملة اللحنية الخلابة فيبحث لها عن كلمات. لهذا فإن ما كان يعكف عليه من أعمال جديدة لم يكن ليبوح به عادة. والسر فى ذلك أنه كان يقوم بتعديلات عديدة فى العمل لدرجة تصل إلى اختلاف الصورة النهائية تماما للحن عن صورته الأولى. وأسأله:

ألاحظ أنه رغم عشق الفنان عبدالوهاب للأصوات الجميلة فهو لم يلحن حتى الآن للفنانة سعاد محمد، خاطرة جالت بالذهن أطرحها على موسيقار الجيلين؟

(أنا لست ملحنا محترفا، ولهذا فإن اللحن عندى هو علاقة صداقة.. أو هو ود. لذلك فأنا لا أعطى لحنا لأى إنسان. لابد أن يجتذب إعجابى قبل كل شيء. ثم يتحول الإعجاب إلى صداقة. كل الأصوات التى لحنت لها كانت صديقة. عبدالحليم، أم كلثوم، ليلى مراد، نجاة، فايزة أحمد، عبد المطلب. أما سعاد محمد فهى فنانة عظيمة رائعة أعجب بفنها، لكن علاقتى بها محدودة).

فى ختام حوارى معه كان عبدالوهاب يتحدث عن صوت الإنسان، ويقول لى: (صوت الإنسان يكشف حقيقته أكثر من وجهه، فالإنسان قد يخدع الآخرين بوجهه عندما يلونه، ولكنه لا يستطيع ذلك بصوته لأنه صادر من أعماقه.. ولهذا أرجو أن يحمل صوتى دلالة أعماقى).

ولكن هل انتهى الحوار؟ لا ليس بعد، فلقد أثار الفنان الكبير قضية فى منتهى الأهمية ربما مر عليها، وربما بزغت من بين خواطره لكنها تحتاج إلى مزيد من الحوار. إنها قضية الدعوة التى تطالب بقيام “ جمعية تحرير الرجل” أو حماية حقوقه من المرأة.

    Dr.Radwa
    Egypt Air