الخميس 27 يونيو 2024

وعاظ السلطان أردوغان

22-3-2017 | 12:33

بقلم –  أحمد بان

لعالم الاجتماع العراقى د. على الوردى كتاب عظيم اسمه «وعاظ السلاطين” صدره بمقدمة إضافية يقول فيها «إن مشكلة الوعاظ عندنا أنهم يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكوم، فتجدهم يعترفون بنقائص الطبيعة البشرية حين يستعرضون أعمال الحكام، فإذا ظلم الحاكم رعيته أو ألقى بهم فى مهاوى السوء قالوا: إنه اجتهد فأخطأ وكل إنسان يخطئ والعصمة لله وحده، أما حين يستعرضون أعمال المحكومين فتراهم يرعدون ويزمجرون وينذرونهم بعقاب الله الذى لا مرد له، وينسبون إليهم سبب كل بلاء نزل بهم، إنى أريد بكتابى هذا أن ألفت الأنظار إلى خطر هذا الطراز الخبيث من التفكير، فهو تفكير نما فى أحضان الطغاة وترعرع على فضلات موائدهم».

 

تذكرت هذا المعنى الذى أشار إليه العالم الجليل عندما طالعتنا وكالات الأنباء فى معرض متابعتها لحماقات رئيس تركيا رجب طيب أردوغان الذى لم تغادره بعض أحلام استعادة الخلافة العثمانية، وقد تلبسته حمى تلك الأحلام فوزع التهديدات على بلاد القارة الأوربية التى كان يتوسل فى السابق من أجل أن تقبل انضمام تركيا إليها؛ حيث لفتنى أن السلطان أردوغان كما نعته شيخ وعاظه يوسف القرضاوى فى محفل فى إسطنبول وبعد أن تراجعت أحلام جماعة الإخوان فى أن تكون مصر منطلقا لخلافتهم وتعاظم طموحهم أن تكون إسطنبول هى قاعدة خلافة جديدة على رأسها السلطان أردوغان؛ حيث يبدو أن ما يسمى «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، تلك الهيئة التى جمع فيها التنظيم الدولى للإخوان عددا من الدعاة والعلماء وخريجى الكليات الشرعية من أعضاء الجماعة، لكى تختطف مرجعية الأزهر حول العالم، وتنهض بلعب دور المرجعية الشرعية له حول العالم، وتبصم على قرارات التنظيم ومن يسانده باعتبارها موافقة على الشريعة الإسلامية على طريقة وضع ختم حلال على الذبائح فى الدول الغربية؛ حيث أفتى الاتحاد فى محاولة مكشوفة جدا للتوظيف السياسى لنصوص الشريعة فى خدمة نظام يكاد يجمع العالم على استبداده بأن ما يزمع النظام التركى فعله عبر تعديل مواد الدستور لاستبدال طبيعة النظام السياسى التركى البرلمانى بنظام رئاسى يركز السلطات بيد الرئيس؛ حيث زعم الاتحاد العالمى فى فتواه أن النظام الذى يطرحه أردوغان هو النظام، الذى يتوافق مع أحكام الشريعة والتعاليم الإسلامية التى تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم واحد فى السلطة.

الآن تنكشف بشكل كامل حقيقة مشروع الجماعة السياسى، الذى لم تتمكن من إنفاذه فى مصر، فتحاول أن تحققه فى تركيا عبر الخليفة العثمانى الجديد أردوغان ومجلس علمائه الملاكى، نفس المجلس الذى أطلقته جماعة الإخوان فى العام ٢٠٠٤ فى إطار طموحاتها وتفاهماتها مع الولايات المتحدة الأمريكية للقفز على حكم البلاد المهمة فى العالم العربى من أجل تحقيق المشروع الأمريكى فى المنطقة فى إطار التوظيف المتبادل بين الطرفين ومحاول كل طرف منهم خداع الآخر لتحقيق أهدافه.

رأس الاتحاد يوسف القرضاوى فقيه الجماعة الذى أفتى سابقا بمشروعية انضمام المسلمين إلى جيش أمريكا، الذى قتل الشعب العراقى وأن لا ضير من أن يكون المجند فى الجيش الأمريكى مسلما ويحارب شعبا مسلما ويقتل أبناءه كما جرى فى العراق.

المجلس الذى ادعى فى بيان تأسيسه استقلاليته عن الدول أو الأحزاب أو الجماعات سبق أن تحول إلى محلل شرعى لتصرفات وسلوك جماعة الإخوان فى مصر فى أكثر من موقف قبل أن يتحول الى مجلس ملاكى أو محلل شرعى أو أداة من أدوات السياسة التركية الجديدة أو ظهير سياسى وشرعى لنظام أردوغان؛ حيث كشف تصريح نائبه على قرة داغى فى ٢٧/٧/٢٠١٦ فى أعقاب محاولة الانقلاب على أردوغان عن دعم الاتحاد بقوله «إن السياسة الغربية قائمة على الميكافيلية والإزدواجية فى المعايير خاصة تجاه ما يحدث فى تركيا واعتبر الخروج على الحكومة التركية فعلا محرما شرعا أو أحد الكبائر وكان الاتحاد سبق أن أصدر بيانا فى تأييد تركيا عندما أسقطت تركيا طائرة روسية، وعلى إثر ذلك هدد الكرملين بمقاطعتها اقتصاديا وسياحيا فصدرت فتوى الاتحاد بوجوب دعم المنتجات والاقتصاد التركى والوقوف مع تركيا فى هذه القضايا العادلة من وجهة نظرهم، معتبرا أن هذا الواجب يستدعيه الولاء للمسلمين والوقوف صفا واحدا شافعا فتواه كالعادة بالآيات والأحاديث.

قبلها كان الاتحاد حث الناخبين الأتراك على المشاركة بكثافة فى الانتخابات التركية فى نفس الوقت الذى حث فيه المصريين على عدم المشاركة فى الانتخابات البرلمانية فى مصر فى أعقاب ٣٠ يونيه دون أن يرى تناقضا فى مواقفه أو تخريجاته، التى بقيت خاضعة لسلطة وإرادة التنظيم الدولى الممول الرئيسى والوحيد لمؤتمراته وأعماله ومواقفه.

تحول الاتحاد فى سابقة لم يعرفها العالم إلى قسم من أقسام الخارجية التركية وذلك بإصداره بيانا يستنكر موقف هولندا من وزير خارجية تركيا، التى رفضت هبوط طائرته فى مطار روتردام للمشاركة فى مؤتمر انتخابى لحث الجالية التركية على التصويت بنعم لتعديلات أردوغان الدستورية التى زكاها الاتحاد واعتبرها موافقة للشريعة الإسلامية، بالرغم من أنه من حق كل دولة أن تمارس فى مواجهة أى جالية أجنبية ما تراه محققا أمنها وسلامها الداخلى، لكن أحلام الإمبراطورية التى تلبست أردوغان ومجلسه الملاكى جعلته يتصور نفسه هارون الرشيد مخاطبا نقفور كلب الروم فى حقبة الصراع بين الإمبراطوريات، خرج بيان الاتحاد معتبرا هذا الموقف لونا من ألوان التصرفات غير المقبولة، التى تأتى من وجهة نظره لتعزز موجات العداء والعنصرية المتصاعدة فى الغرب، مؤكدا حق أردوغان فى مخاطبة الجاليات التركية فى اى مكان وهو ما يتماهى مع خطاب أردوغان العدائى المتغرطس الذى يوزع فيه التهم على ألمانيا مرة وعلى هولندا أو السويد أو غيرها من حواضر أوربا، التى كان يتوسل فى السابق بمعاييرها للحاق بقطار الوحدة الأوربية فلما كشف عن ميوله الاستبدادية وتغير موقف أوربا منه لجأ لخطاباته الشعبوية مستدعيا روح العداء والصراع بين الحضارات، تلك الروح التى تدعمها جماعة الإخوان واتحاد علمائها الذى أصبح يرى فى السلطان أردوغان حصانا رابحا يستطيع أن يمتطيه لتحقيق مشروع الخلافة المزعوم.

لم يفكر الاتحاد فى خطورة ما يفعله من تشويه لحقائق الشريعة الإسلامية، حين يتهم النظام البرلمانى الذى يكاد يجمع العالم على أنه الأقرب لمعايير العدالة وتمثيل الإرادة الشعبية وتحقيق الديمقراطية بأن النظام الرئاسى أفضل منه وأوفق مع الشريعة هذا النظام، الذى يجعل أردوغان دكتاتورا بنصوص الدستور، معطيا له مزيدا من الصلاحيات التى تبرر وتدعم شطحاته ومغامراته التى بدأت ولن تنتهى سوى بتدمير تركيا وإشعال الحرب فى المنطقة.

إن الرجل الذى أبعد كل العقلاء من دائرة الحكم والتأثير كما فعل بعبدالله جول وأوغلو وانقلب على معلمه فتح الله كولين وجماعة الخدمة التى اتهمها بالإرهاب ولاحق عناصرها بالسجن والتعذيب والتشريد من أعمالهم لن يرضى سوى بسلطة مطلقة هى المفسدة المطلقة كما يقول فقهاء التشريع، فكيف تتحول السلطة المطلقة التى حاربها الإسلام إلى مقصد شرعى وسلوك متوافق مع الشريعة، هذا ما ذهب له وعاظ السلطان الذين يفرشون طريقه نحو الهاوية بالفتاوى، كما برروا تصرفات الجماعة فى مصر فأودعوها قبور التاريخ الذى لن يرحم أردوغان ولا مجلس علمائه.