الأربعاء 3 يوليو 2024

«كوانج» في ضيافة مصر بتجربة النمر الأسيوي الجديد الناجحة في التقدم والتنمية

تحقيقات26-8-2018 | 08:30

"التحول إلي التنمية والتقدم".. تجربة ناجحة للنمر الآسيوي الجديد، جعلت من الزيارة الرسمية التي بدأها رئيس جمهورية فيتنام الاشتراكية تران داي كوانج لمصر أمس السبت، ذات أهمية خاصة ترسخ سعي البلدين لجعل التعاون والتنسيق بين القاهرة وهانوي نموذجا يحتذي به في التعاون بين الجنوب والجنوب، من خلال تعظيم البحث الدائم عن شركاء في التنمية، بالإضافة إلى ما تضيفه من زخم للتنوع المصري في علاقاتها الخارجية وتحركها علي مسارات دولية وإقليمية مختلفة، وما تعكسه من رغبة فيتنام في مواصلة تعزيز هذا الزخم لصالح نمو العلاقات الثنائية وزيادة قوتها وفاعلياتها.

الرئيس تران داي كوانج سياسي درس في أكاديمية الشرطة، ثم مدرسة في اللغات الأجنبية التابعة لوزارة الشئون الثقافية في السبعينيات، وعمل بعد ذلك في عدة مناصب في وزارة الداخلية ، ودرس في جامعة القانون بهانوي من عام 1991 إلي عام 1994، ثم الإدارة العامة بالأكاديمية الوطنية للعلوم السياسية بمدينة هو تشي مينه من عام 1994 إلي عام 1997، وهو عضو في الحزب الشيوعي، تم تعيينه في عام 2003 نائبا لمدير الأمن العام في وزارة الأمن العام، مع رتبة لواء ، وفي عام 2007، تمت ترقيته إلي رتبة فريق ونائب وزير السلامة العامة، وفي عام 2009، حاز علي درجة الدكتوراه، وأضحي أستاذا جامعيا ، وفي العام نفسه أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وفي عام 2016، تم انتخابه من قبل البرلمان (460 صوتا من أصل 465) رئيسا للدولة.

زيارة كوانج التي ستستغرق أربعة أيام تجعل من الاحتفال بالذكري الـ55 علي إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وفيتنام والتي تتزامن مع الزيارة مذاقا خاصا، كونها الزيارة الأولي التي يقوم بها رئيس فيتنامي لمصر ، وتأتي تلبية للدعوة التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي له خلال الزيارة التي قام بها في سبتمبر الماضي لهانوي، والتي كانت هي أيضا أول زيارة لرئيس مصري لهانوي منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الأمر الذي ساهم ويساهم في ازدهار أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين في جميع المجالات.

وتشير الزيارة التي جاءت في ختام جولة إفريقية بدأها الرئيس الفيتنامي الأسبوع الماضي من إثيوبيا إلى مكانة مصر الأفريقية الرائدة باعتبارها واحدة من أكبر ثلاثة اقتصادات في القارة، ودورها وثقلها الإقليمي والعالمي، حيث يفتح التواصل المستمر بين البلدين الطريق أمام مصر للوصول إلي سوق الآسيان بمساعدة فيتنام، فيما تكون مصر بوابة دخول فيتنام إلي الشرق الأوسط، وتعد مصر حاليا خامس أكبر شريك تجاري لفيتنام في أفريقيا.

وتعكس الملفات المطروحة علي جدول أعمال القمة المصرية الفيتنامية المقررة غدا (الإثنين ) أهمية العلاقات التاريخية والمتميزة التي تجمع بينهما ، والتطور الإيجابي الذي يشهده التعاون بين القاهرة وهانوي، حيث ستتناول مباحثات السيسي ونظيره الفيتنامي سبل تعظيم الاستفادة من إمكانات البلدين، ومساعدة كل منهما الآخر في التنمية المشتركة، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية علي كافة الأصعدة، وتبادل الخبرات وتطوير التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، وبحث إمكانيات وفرص التعاون المشترك بين البلدين في مجالات الزراعة والثقافة والسياحة.

ومن المتوقع أن تسفر مباحثات القمة عن تحقيق المزيد من التقارب في الرؤى والأفكار السياسية بين الجانبين المصري والفيتنامي ، وتسهم في توسيع العلاقات لتشمل مجالات اكثر عمقا ، وتعزز العلاقات الجديرة بالاستثمار لصالح شعبي البلدين حيث تم إعداد مجموعة واسعة من الاتفاقيات لتوقيعها خلال الزيارة من قبل الوزارات والوكالات المعنية تعزيزا للإطار القانوني للتعاون الاقتصادي ، تتويجا لما تكنه فيتنام قيادة وشعبا من تقدير واعتزاز لمصر للدعم الذي قدمته لها من أجل الاستقلال الوطني والتنمية والتقدم ، وما تكنه مصر قيادة وشعبا من احترام للتجربة الفيتنامية في التنمية والتقدم والتي أدت إلي تسجيل معدلات التنمية ارتفاعا ملفت للنظر حولها من دولة فقيرة لدولة متوسطة الدخل.

وفـيتـنام هذا البلد الواقع في منطـقة جنوب شرق آسيا ممتدة إلي الجنوب من الصين في شكل منحني ضيق وطويل مماثل حرف ( إس ) اللاتيني، تربطها ومصر علاقات سياسية واقتصاية وثقافية وثيقة منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر والزعيم هوشي منه الأب الروحي لفيتنام ، وعملت الدولتان علي تعزيز هذه العلاقات الثنائية والحفاظ علي ديناميكيتها من خلال جولات المشاورات السياسية والمباحثات بين ممثلي البلدين ، إلي أن ساهمت زيارة الرئيس السيسي في تعميق التعاون في كافة المجالات ، والاتفاق علي زيادة حجم التبادل التجاري الثنائي الذي يتزايد باضطراد عاما بعد عام، مسجلا في النصف الأول فقط من عام 2018 زيادة بلغت نسبتها 44 في المائة علي أساس سنوي ، مستهدفا الوصول بحجم التبادل التجاري الثنائي إلي مليار دولار أمريكي.

وتتمثل صادرات مصر لفيتنام في الكيماويات، الصلب، الأدوية، المنتجات البترولية، النسيج الخام ومنتجات الألبان ، والبترول ،الفوسفات، الغاز والأدوية، فيما تشمل أهم الصادرات الفيتنامية للسوق المصري (المنسوجات والملابس الجاهزة، والأسماك والمأكولات البحرية، والمعدات، الهواتف المحمولة)، وفي إطار توسيع مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين علي ضوء المشروعات التنموية العملاقة التي تنفذها مصر ، تم تنظيم حملة ترويجية للاقتصاد المصري، وقامت الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس ورئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بزيارة هانوي، وأسفرت الزيارة عن توقيع سبع مذكرات تفاهم والاتفاق علي برنامجين تنفيذيين تتعاون فيهما البلدين في عدة مجالات .

وترتبط البلدان بعلاقات ثقافية وفنية متميزة نابعة من تقارب التجربتين الفيتنامية والمصرية من حيث ظروفها، وعدد السكان ،والمشكلات الاجتماعية، والبيئة الإقليمية، والثورة ضد الاحتلال مع معطيات أكثر صعوبة اجتازها الفيتناميون إلي أن عبروا ببلادهم مسار النمو والحداثة والتقدم، وصنف شعبها ضمن أكثر شعوب العالم سعادة، وذلك طبقا لتقرير مؤشر السعادة في العالم الذي ضم نحو 155 دولة بمعايير كل من متوسط العمر المتوقع، ومستوي الرفاهية، والمساواة، والعوامل البيئية.

وتتوقع المؤسسات المالية الدولية أن تصبح فيتنام أحد النمور الاقتصادية القوية في منطقة جنوب شرق آسيا لو استمر اقتصادها في تحقيق نسبة النمو الحالية لعشر سنوات قادمة .

فيتنام البالغ تعداد سكانها نحو ٩٠ مليون نسمة لم تبدأ الإصلاح والعمل علي بناء دولة مستقرة ناهضة إلا بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز زراعة وتصنيعا وتصديرا، ولم يكن طريق الإصلاح سهلا، ولم تبدأ ثماره في الظهور إلا مع بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما تحقق الاكتفاء الذاتي في الأرز وصدرت فيتنام أول مليون طن من الفائض، وبعده انطلق النمو وتحققت معجزة اقتصادية في ربع قرن، ويصف الفيتناميون بلادهم بأنها تشبه سلتي أرز معلقتين علي طرفي عمود. فدلتا نهر الميكونج في الجنوب هي إحدى هاتين السلتين، بينما تشكل دلتا النهر الأحمر في الشمال السلة الثانية.. أما الشريط الأرضي الضيق الواصل بين الاثنتين فهو بمثابة العمود الذي يحمل السلتين.

وتشير أرقام التنمية في فيتنام إلي أن متوسط النمو السنوي بلغ نحو 7 في المائة من عام 1990 حتي عام 2016 ، وتراجعت نسبة المواطنين تحت خط الفقر من 60 في المائة في عام ١٩٩٣ إلي 11 في المائة في عام 2014، وانتقل الاقتصاد من أفقر دول العالم بمتوسط دخل الفرد 100 دولار في نهاية السبعينيات إلي إحدي دول الدخل المتوسط بنحو 2000 دولار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغ 200 مليار دولار مقسوما علي عدد السكان الذي يقرب من 100 مليون نسمة.

وتضاعفت الصادرات بزيادة نحو 20 في المائة سنويا حتي وصلت إلي 165 مليار دولار في عام 2014 (سبعة أضعاف صادرات مصر) والواردات 150 مليار دولار بفائض 15 مليار دولار في الميزان التجاري، وبلغ التضخم أقل من 1% عام 2015 بعدما تجاوز 76 في المائة في ١٩٩٠ ، بينما وصل عجز الميزانية إلي حدود 1.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والدين العام الخارجي أقل من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتستقبل فيتنام ملايين السياح الذين يدرون عليها مليارات الدولارات ، بالإضافة إلي الامتيازات والتسهيلات التي ساهمت في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومضاعفتها بسرعة نتيجة رخص تكلفة العمالة المتعلمة والمدربة بعدما تحول شباب فيتنام إلي ثروة وطنية نتيجة سياسة تعليمية ناجحة ينفق عليها أكثر من 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.