الأربعاء 15 مايو 2024

التاريخ وحده الذى يحكم على عبدالناصر

24-3-2017 | 11:37

النظام السياسى أى نظام هو نتاج لواقع ومعبر عن مرحلة ومتواكب مع ظرف تاريخى متأثراً بالظروف المحلية والإقليمية والدولية محكوماً بعلاقة جماهيرية معه إن سلباً أو إيجاباً. كما أنه لايوجد نظام سياسى يحوز على اتفاق وتوافق عليه بالإجماع وبلا استثناء. ولكن الحكم هنا على أى نظام سياسى هو قدرته على أن يكون نظاماً معبراً عن الأغلبية الغالبة من الجماهير مدركاً لمشاكلها دارساً لقاضاياها معبراً عن طموحاتها محققاً لآمالها. وهنا وبالطبع ستكون هناك أقلية هى التى لا تتوافق ولا تتفق على هذا النظام لأنه بالقطع ستكون أهداف النظام وتواجهاته غير أهداف وتوجهات تلك الأقلية التى يمكن أن تكون قد أصابها ضرر جراء سياسة هذا النظام. كما أنه من غير المنطق العلمى والرؤية السياسية السليمة والتقييم الموضعى أن يتم تقييم نظام سياسى بعيداً عن مرحلته إسقاطاً لتوجهاته إغفالاً لنتائجه.

 

وهنا لا يكون الحديث عن نظام عبدالناصر الآن وبمعايير اللحظة التى لا علاقة لها بما كان فى ١٩٥٢ لا ظروفاً ولا واقعاً ولا زماناً. فالتقييم الموضوعى والحكم السليم هو تقييم نظام عبدالناصر حسب واقع ومعطيات تلك المرحلة ومتطلباتها ومشاكلها وماذا كانت نتائجها. أما أن تكون هناك تلك الأحكام وهذه الآراء بعيداً عن هذا المنهج العلمى فهذه تمحكات سياسية وتصفية حسابات شخصية وحالة من حالات التوهم بأن نقد نظام عبدالناصر وبهذه الصورة سيجعل هذه النكرات ذات قيمة سياسية أو تخيلاً بالانتماء لطبقات تضررت من نظام عبدالناصر بالتأميم أو المصادرة لصالح جموع الشعب وكأن هؤلاء كانوا سلالة البكوات والباشوات التى تم تأميم مصانعهم أو مصادرة إقطاعياتهم. فلو كان هؤلاء هم أبناء تلك الطبقات لهان الأمر وقبل الوضع ولكن وياللغرابة أن أغلب هؤلاء هم من استفادوا هم وآباؤهم من نظام عبدالناصر سواء من تملك الخمسة فدادين وأصبح مالكاً للأرض بدلاً ما كان أجيراً ومن استفادوا من تعليم ناصر المجانى فكان هذا التعليم أداة لنقلة اجتماعية نوعية. أو من استفاد بعلاج ناصر المجانى ذلك العلاج الذى حمى صحتهم من المرض والفقر الذى كان لا يمكنهم من هذا العلاج. أو من تعلم وحصل على عمل فى كل المجالات بلا استثناء الشىء الذى خلق طبقة اجتماعية متوسطة أصبحت هى رمانة الميزان الاجتماعى ، السياسي. فلماذا يتم توجيه هذا النقد غير الموضوعى لعبدالناصر ولنظامه بالرغم من وفاة عبدالناصر لما يقرب من نصف قرن؟ فهل نظام عبدالناصر مازال قائماً حتى الآن بتوجهاته وسياساته؟ من المعروف أن هناك أمراضاً نفسية تصيب الكثيرين وهو ما يسمى بالانسلاخ الطبقي. وهذا قد عبر عنه نجيب محفوظ فى قصة وفيلم القاهرة ٣٠ فى شخصية محجوب عبدالدايم ذلك الشخص الذى عانى والده أقسى وأشد المعاناة حتى يتم تعليمه ولكن محجوب كان لديه تطلعات لا تتسق ولا تتفق مع واقعه الطبقى فكان يريد أن يرقى إلى مستوى طبقى أعلى فكان هذا الطموح المرضى قد جعله يضحى بشرفه. فمن يستنكر لطبقته فهذا مرض. ولكن على الجانب الآخر هناك من هو فى طبقة أعلى وأرقى ولكن لديه رؤية سياسية وثقافية موضوعية نجده ينتمى إلى تبنى قضايا ومشاكل من هم أدنى منه طبقياً وهذا يعنى امتلاك حالة نضوج فكرى ووعى مرتفع. أما نظام عبدالناصر فقد كان نظاماً وطنياً لأنه كان ينحاز إلى أغلبية الشعب من الطبقات الفقيرة والتى كانت تعانى من ثلاثية (الفقر والمرض والجهل) وكانت هذه الطبقة بكل تنويعاتها تمثل ٩٩٪ من الشعب المصرى. وكان وطنياً لأنه رفض أن يكون الشعب مستعمرة برياطنية تابعة يحكمها المندوب السامى البريطانى الذى كان يأمر الملك فيطيع. وعندما رفض الملك فاروق تنصيب النحاس رئيساً للوزراء كأمر المندوب السامى كان الرد هو محاصرة القصر الملكى وإرغام الملك على التوقيع وذلك فى ٤ فبراير ١٩٤٢. ولذا كان من الطبيعى أن يتم الجلاء عام ١٩٥٤. كان وطنياً لأنه رفض الانضمام لحلف بغداد وحتى لا تكون أمريكا بديلاً لبريطانيا وإيماناً وتحقيقاً لاستقلال القرار الوطني. كان وطنياً لأنه قد رفض شروط البنك الدولى لتمويل بناء السد العالى وكان الرد هو تأميم شركة قناة السويس حتى كان الرد العدوان الثلاثى (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا) عام ١٩٥٦. كان وطنياً حيث حاول التفاهم مع الرأسمال المصرى فى أن يمولوا محصول القطن حيث كانت البنوك مملوكة للأجانب فرفضوا التعامل والتعاون. فكان التأميم الذى سبقه فى ٩ سبتمبر ١٩٥٢ قرار الإصلاح الزراعى الذى هدم أسس النظام الطبقى الجائر وفتح الباب للصعود الاجتماعى لأبناء الشعب. كان وطنياً لأنه اهتم بفقراء الشعب وغير القادرين فكان التعليم المجانى والعلاج المجانى حيث قد تم إنشاء الوحدات الصحية بالقرى لعلاج الفقراء وغير القادرين. وكانت المستشفيات المركزية ورعاية الطفولة والأمومة فى المراكز كانت مصانع الأدوية التى توفر الأدوية بأسعار رمزية. كان التعليم العام وبالإمكانات المتواضعة قد خرج العلماء الذين وصلوا للعالمية وحازوا لجائزة نوبل. كان التعليم وطنياً مصرياً لا بريطانياً ولا ألمانياً ولا فرنسياً ولكنه كان تعليماً مصرياً حيث إن التعليم هو قاطرة التقدم وهو البوتقة التى تنصهر فيها الشخصية المصرية الوطنية المنتمية لمصر بعيداً عن ذلك التعدد التعليمى الذى عدد الانتماءات وحاصر الهوية المصرية التى هى أداة التميز الحقيقى لمصر ولشعبها. نعم كل هذا قد حدث. وكل هذا بالطبع لا يتوافق مع من أضيروا لحظتها من نظام ناصر وهم بالطبع حسب المصلحة والانتماءهم مع سياسات وتوجهات تناقض نظام عبدالناصر، ولكن هذا كان منذ خمسة وستين عاماً. وقد توفى عبدالناصر ١٩٧٠. والأهم أن نظام عبدالناصر وبعد وفاته ولظروف سياسية ولظروف شخصية تخص السادات كان المقابل هو أن يسير السادات على طريق عبدالناصر ولكن بأستيكة كما قال الجميع. وكانت البداية التى اكتملت هى ما يسمى بثورة ١٥ مايو ١٩٧١. ثم بعد انتصار ١٩٧٣م لم يعد هناك أى وجود فعلى على أرض الواقع لنظام ناصر ولتوجهاته تماماً. خاصة بعد سياسة الانفتاح السداح مداح وبعد تسليم كل الأوراق طواعية للأمريكان خاصة بعد زيارة الرئيسى الأمريكى نيكسون للقاهرة عام ١٩٧٥. والأهم والأخطر هو تلك الزيارة الساداتية لإسرائيل عام ١٩٧٧ والتى تمت فى إطار درامى تمثيلى حيث كان هاوياً ومتمنياً أن يكون ممثلاً تلك الزيارة التى أنهت كل التوجهات والسياسات الناصرية سواء فى مواجهة العدو الصهيونى أو فى إطار التوحد العربى الذى نتيجة لهذه الزيارة وآثارها قد أصبح التفكك والتفتت العربى بكل معنى الكلمة. إذن إذا كان الأمر كذلك فلا يوجد عبدالناصر ولا توجد أى آثار لسياساته ولا وجود لتوجهاته فلماذا تلك الحملات التى لا تنتهى والتى لا تنضب وتأخذ أشكالاً وألواناً طوال الوقت؟ هنا وبكل و ضوح فالسبب فى ذلك يرجع لعدة أسباب:

١- فبالرغم من غياب ناصر وسياساته العملية على أرض الواقع. ولكن لا زال تأثير عبدالناصر كشخصية كارزمية تاريخية متواجداً على الدوام ولذا دائماً ترى صور عبدالناصر حتى الآن متواجدة فى كثير من البيوت المصرية والعربية بل الإفريقية. بل هناك من الرؤساء فى أنحاء العالم من لازالوا متأثرين بشخصية وسياسات عبدالناصر. والدليل الأهم هو رفع صور وشعارات وأغانى المرحلة الناصرية عند أى مناسبة وطنية مصرية وهذا كما رأينا فى انتفاضتى يناير ويونيو. فهل هذا يسعد من يؤمن بعكس سياسة ناصر؟.

٢- أن الزعماء التاريخيين الذين أثروا فى بلادهم وغير بلادهم فغيابهم لا يعنى غياب سياساتهم وتوجهاتهم خاصة إذا كانت هذه السياسات وتلك التوجهات لازالت صالحة وتصلح لمواجهة تحديات قائمة وحالة وبالطبع حب الواقع الحالى والمتغيرات المحلية والدولية. وهنا نقول فكثير من سياسات ناصر لازالت صالحة ومطلوبة سواء فى الإطار المحلى مثل عودة وتأكيد المجانية التعليمية والعلاجية قولا وفعلا على أرض الواعق حيث إن التعليم والعلاج هما العاملان الأساسيان والهامان لتواجد مواطن قادر على المشاركة الفعلية والحقيقية ليحقق التنمية المستدامة التى تحقق وطناً متقدما .

ناهيك عن تحقيق العدالة الاجتماعية بالمعنى الكامل مادياً ومعنوياً حيث إن تلك العدالة التى طبقها عبدالناصر لازالت مطلوبة بالرغم من سياسات ما يسمى بالنيو ليبرالية . أما سياساته على المستوى العربى . فما أحوجنا الآن كعرب لعودة التوحد بل نقول التوافق العربى فى ظل هذا التفتت العربى غير المسبوق وفى ظل تلك التحديات الفظيعة والتى تستهدف الوطن العربى وتريد تفكيكه وتفتيته وتقسيمه على أسس طائفية لا تغيب عن أحد حيث تنفذ الآن «سايكس - بيكو» جديدة . أما قضية التحرير والاستقلال الوطنى فهى قضية الساعة وكل ساعة فالمؤمرات قائمة طالما هناك إسرائيل وطالما هناك أطماع فى امكانات المنطقة فما يحدث فى سوريا والعراق واليمن وليبيا من تدخل دولى فاضح وتناقض عربى معيب يجعل ناصر وسياساته متواجدة حلما وعقلا وضميرا. ولذا وعلى ذلك فهل تلك السياسات وذلك التواجد وهذا القبول الجماهيرى لناصر يرضى ويسعد المختلفين مع تلك السياسات ولا أقول هنا من أضيروا من عبدالناصر بشكل مباشر فهؤلاء لاتواجد لضررهم فقد أصبح أولادهم وأحفادهم هم الورثة لنفس الطبقة وإن كان بأسلوب آخر خاصة بعد سياسات الانفتاح وبيع القطاع العام وفتح الباب للغنى والاسترزاق وانتشار الفساد الذى أغنى تلك الطبقات بل كثيراً من الطبقات التى لا علاقة لها بمن أضير من عبدالناصر ؟ فهل من يختلف مع مبدأ القومية العربية سواء من هم ينتمون لتيارات الإسلام السياسى الذين يرفعون شعار عودة الخلافة الإسلامية يقبلون سياسة ناصر وقوميته وعروبته ؟ هل من تأثروا بسياسة الاختراق الصهيونى للمسيحية تلك التى تدعى زوراً وكذباً بعودة المسيح ليحكم العالم ألف عام ليكون العالم للمسيح حيث لا تتم هذه العودة بغير وجود شعب الله المختار وهم اليهود فى أرض الميعاد وهى فلسطين ولا تكون بغير بناء الهيكل مرة ثانية وبالطبع بناء الهيكل المزعوم يعنى هدم المسجد الأقصي. فهل هؤلاء الذين وبناء هذه الخرافة يؤمنون بالشعب المختار وبأرض الميعاد ويساعدون فى إعادة بناء الهيكل حتى يعود المسيح ليحكم حتى يكونوا مسيحيين حقيقيين حسب هذه الخرافة فهل هؤلاء سيقبلون بسياسة ناصر حتى ولو لم يكن موجودا ولاسياساته؟ فهؤلاء كما نرى جهارا نهارا ضد الناصرية وضد القومية وضد العروبة وضد الإسلامية وبالتالى والطبيعى هم مع إسرائيل ومع أمريكا حيث إن سياسة ناصر ضد هؤلاء . وما نراه من يسمون بأقباط المهجر المتأمركين والمسوقين للأجندة الأمريكية والصهيونية ومايمارسوه ضد ناصر حتى الآن وكأنه حتى وضد سياساته وكأنها مطبقة ولكنه الخوف من ناصر المثل ومن سياساته التى لازالت تخيفهم وترعبهم حيث إن تلك السياسات لازالت صالحة لمواجهة ذلك الواقع المتردى عربياً والمحاصر إسرائيلياً والمطموح فيه أمريكيا. هذا هو ناصر التاريخ وهذه هى سياساته العابرة للزمن. ولذا طبيعياً كل من يخالف هذه السياسات أن يكون ضد ناصر. ناهيك عن هؤلاء الذين يدارون فشلهم ويوارون خيبتهم وراء ناصر وسياساته غير فاهمين ولامدركين لا لسياسة ولا لثقافة ولا لتاريخ ولا لواقع . سيظل ناصر وسياساته موضع تقدير الجميع طالما هناك واقع يستوعبها وهناك مشاكل تستدعيها. ناصر بشر غير معصوم وسياساته أصبحت على المستوى النظرى ماىصلح منها يتواجد والحكم على عبدالناصر لا ولن يكون بالهوى والمصالح وتصفية الحسابات فهذا لا وجود له مع التأريخ الصحيح . فالله وحده الذى يحاسب . والتاريخ وحده الذى يحكم ويقيم . حفظ الله مصر وشعبها العظيم .

    Dr.Radwa
    Egypt Air