خمسة وستون عاماً احتوت الدنيا في
جنباتها معجزة التلاوة والإنشاد الديني الشيخ علي محمود، المولود بدرب الحجازي
بقسم الجمالية بالقاهرة، فهو من أشجى قلوب السميعة بروائع تلاوته وتخرج على يديه
كبار دولة التلاوة وشيوخ ونجوم الطرب، فقد كان يذهل رواد مسجد الحسين يومياً بجمال
صوته، فقد تعمد الشيخ أن يؤذن الفجر كل يوم بمقام موسيقي مختلف، علاوة على جماهير
المقارئ التي كانت تستمتع بجمال تلاوته للقرآن كل جمعة بالمسجد الزينبي.
ولد الشيخ علي محمود عام 1878 في أسرة
ثرية وفقد بصره في مرحلة طفولته، وهنا انصرف الصبي إلى حفظ القرآن على يد الشيخ
أبي هاشم الشبراوي بمسجد أم الغلام وجود تلاوته على يد الشيخ مبروك حسنين في
الأزهر الشريف، وفي ذلك العصر كانت النهضة الموسيقية، وقد شغف على محمود بفن عبده
الحامولي ، وقرر أن يتلقى علم النغمات ومعرفة المقامات، فلجأ إلى الشيخ على
المغربي من علماء الأزهر، وتفرغ بعدها لحفظ مئات الموشحات على يد الشيخ عبد الرحيم
المسلوب وهو من رواد التلحين قبل عبده الحامولي .
أصبح الشيخ علي محمود نابهة عصره
وقارئ ومنشد العهد الملكي، فما من مناسبة دينية أو ملكية إلا وشدى بروائع التلاوة
والإنشاد في عهدي الملك فؤاد ثم الملك فاروق، وفي دار الأوبرا الملكية افتتح الشيخ حفل ذكرى
عقد قران فاروق وفريدة بتلاوة مدتها ربع الساعة، وفي عقد قران شقيقة الملك فاروق
على ولي عهد إيران أنشد الشيخ روائع التواشيح، وقد اقترنت ذكرى المولد النبوي
الشريف بصوته، فهو القارئ والمنشد الأول لتلك الذكرى العطرة على مدى سنوات طويلة،
وكان أيضاً من روائح شهر رمضان المبارك ..
ولم يكن الشيخ علي فقط إمام المنشدين وعمدتهم، فهو أعظم من
رفع آذان الفجر في عدة عصور متتالية، فقد كانت ساحة المسجد الحسيني تزدحم وما
حولها يومياً لسماع تسابيحه وابتهالاته التي ينشدها قبل أن يرفع الآذان .. وعن
جمال صوته الذي يبث الخشوع في أبدان مستمعيه قال عنه عبد العزيز البشري : إن صوت
الشيخ علي محمود من أسباب تعطيل المرور في الفضاء، لأن الطير السابح في سماء الله
لا يستطيع أن يتحرك إذا استمع إلى صوت الشيخ.
اعتمد الشيخ علي محمود كقارئ بالإذاعة
المصرية في 3 يوليو 1939 بعد أن تلى فاتحة الكتاب وما تيسر من سورة البقرة لمدة
أربعين دقيقة، وخصصت له فترة في التلاوة يوم الإثنين من كل أسبوع بالإذاعة .. ونظراً
لأنه مؤسس فن الإنشاد الديني في مصر والوطن العربي، فقد تتلمذ على يديه كبار شيوخ دولة
التلاوة والإنشاد ومنهم الشيخ محمد الفيومي وعبد السميع بيومي وطه الفشني ومحمد
الصيفي وآخرهم سيد النقشبندي، واكتشف أيضاً موهبة الشيخ محمد رفعت ، أما نجوم
الطرب فقد كان الشيخ زكريا أحمد من تلاميذه، وأيضاً محمد عبد الوهاب وأم كلثوم
ورياض السنباطي وعباس البليدي .