الإثنين 10 يونيو 2024

رؤية مختلفة لحماية أراضى مصر

29-3-2017 | 11:48

بقلم –  أحمد أيوب

٣٢ ألف  فدان هى مساحة الجزر النيلية فى مصر من أسوان وحتى فرعى رشيد ودمياط، لم تكن فى الحسبان الحكومى، كانت مهملة واستولى على أغلبها عدد كبير من المنتفعين، مثلما سيطروا على مساحات ضخمة من أراضى طرح النهر على جانبى النيل بمساحات تصل إلى ٣٤ ألف فدان استغلوها فى الزراعة، وما يقرب من ٤ ملايين و٥٠٠ ألف متر مربع استغلوها فى البناء، ورغم أن الحصيلة، التى تقدرها هيئة التعمير والتنمية الزراعية من كل هذه الأراضى مقابل حق الانتفاع بها قد تصل إلى ما يزيد على خمسة مليارات وربما تصل إلى ٨ مليارات سنويا، لكن للأسف لم تتعد الحصيلة الفعلية منها فى العام الأخير سوى١٧٠ مليون جنيه فقط وتعددت الأسباب فى هذه الحصيلة الهزيلة ما بين الإهمال والفساد من عينة إغماض العين والبلطجة على حق الحكومة، بل والأخطر أن بعض المحافظات قررت أن تكون سباقة فى تحصيل مقابل هذه الأراضى ليس من أجل تسليمها للخزينة العامة للدولة، كما يقول القانون، وإنما لتضعها فى الصناديق الخاصة لها لتصرف منها المكافآت والمجاملات وغيرها من الأمور والبنود الأخرى..

 

سواء كانت الجزر أو أراضى طرح النهر على مدار العقود الماضية وكأنها مال بلا صاحب، كل من يملك يتصرف كما يشاء، الكل يحصل المقابل على المزاج والكل يتصرف بما يريد، وفى النهاية هى أموال ضائعة على الدولة ومحروم منها الشعب المصرى لصالح حفنة من المنتفعين، وبسبب هذا الإهمال المتعمد لم يكن غريبا أن كازينو على كورنيش نيل القاهرة تراكمت عليه مديونيات تزيد عن ٢٢ مليون جنيه قيمة حق انتفاع لمدة تمتد من عام ١٩٩٥ ولم يتم تحصيلها ولم تتخذ إجراءات جدية ضد الكازينو من أجل إجباره على تحصيل حق الدولة، بل وتجد فى الجيزة وتحديدا فى الوراق نادٍ نهرى على مساحة تقترب من ٢٥ ألف متر تؤجره الوحدة المحلية وتحصل مقابل هذا الإيجار على ٤ ملايين جنيه سنويا ولا يعرف أحد أين تذهب هذه الملايين، ولماذا لا تدخل خزانة الدولة أو تورد فى حساب هيئة التعمير صاحبة الولاية الكاملة على أراضى طرح النهر.

وطالما نتكلم عن الإهمال المتعمد فى إهدار حقوق الدولة فلا أدل على ذلك من محافظة القليوبية، التى لم تحصل مليما واحدا من مقابل حق الانتفاع بأراضى طرح النهر الواقعة فى نطاقها منذ ٢٠١٢، بل ولا تملك أصلا حصرًا بهذه الأراضى..

ومن طرح النهر إلى الجزر النيلية يا قلبى لا تحزن، فالفيلات والقصور تتزايد والدولة على مدى العقود الماضية كانت وكأنها لا تملك حلا ولا تستطيع أن تواجه هذه التعديات، لكن جاءت لجنة الأراضى بجرأتها المعهودة وإصرارها على ألا تتجاوز عن أى تعد على أراضى الدولة فقررت أن تقتحم هذا الملف وأن تعيد حق الدولة دون تردد، لن تظلم أى صاحب حق لكنها فى الوقت نفسه لن تصمت على تجاوز ولن تقبل بفرض أمر واقع.

كل ما سبق قليل من كثير جدا كشفته أوراق أراضى طرح النهر والجزر النيلية لتنتفض لجنة استرداد أراضى الدولة ورئيسها المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، لتفتح هذا الملف كاملا من أجل استرداد كل مستحقات الدولة عن هذه الأراضى ليس فقط عن العام الحالى، وإنما عن كل السنوات السابقة، ورغم علم اللجنة بصعوبة الملف إلا أنها قررت ألا تسلم بهذه الحقيقة، وأن تتحرك بكل السبل من أجل استرداد مئات الملايين الضائعة من حق الانتفاع بهذه المساحات، فالجهاز المركزى للمحاسبات سارع بطلب من اللجنة بتشكيل مجموعات عمل لحصر كل المتأخرات المستحقة عن هذه الأراضى وتحديد أسباب عدم تحصيلها، وهيئة الإصلاح الزراعى المفوضة بقرار وزير الزراعة بتحصيل المستحقات عن هذه الأراضى تم تكليفها من اللجنة بسرعة اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لتحصيل أموال الدولة ولو تطلب الأمر الحجز الإدارى، وقوات إنفاذ القانون جاهزة ومستعدة للتحرك فورا لإزالة أى تعديات أو إشغالات مخالفة أو يرفض أصحابها الالتزام بسداد حق الدولة.

والأجهزة الرقابية ومباحث الأموال العامة تفتح كل الملفات لتحرى أى حالات فساد أو تواطؤ تسبب فى إهدار حقوق البلد..

ولم تكتف لجنة الأراضى بهذه التحركات، بل شكلت لجنة فرعية برئاسة المستشار عادل السعيد، رئيس جهاز الكسب غير المشروع، لدراسة الأسلوب الأمثل للتعامل مع أراضى طرح النهر والجزر النيلية بما يضمن حق الدولة وتحقيق أعلى عائد يدخل الخزانة العامة..

اللجنة وكما يؤكد كل أعضائها لا تتعمد أحدا ولا تستهدف هدم أوضاع قائمة ومستقرة، ولكنها فى الوقت نفسه لن تفرط فى حق الدولة، بل ستطبق القانون بحسم على من يسعى للتهرب من سداد هذا الحق..

وكل هذا هو جزء من عمل لجنة استرداد أراضى الدولة، التى تعمل دون توقف، ولا يعرف أعضاؤها الإجازات، بل ورئيس اللجنة نفسه المهندس إبراهيم محلب، الذي يتواصل عمله لما يقرب من سبعة عشر ساعة يوميا ما بين لجنة الأراضى ولجان أخرى مثل أراضى الأوقاف وتنمية سيناء والثروة المعدنية والقاهرة التراثية، يخصص جزءا كبيرا من وقته وجهده ومعه اللواء أحمد جمال الدين مستشار الرئيس للشئون الأمنية واللواء عبد الله عبد الغنى، رئيس الأمانة الفنية وباقى أعضاء اللجنة فى سبيل تحقيق أكبر قدر من النجاح فى هذا الملف واستعادة حقوق الدولة المهدرة والضائعة منذ عقود، سواء على طريق مصر إسكندرية الصحراوى أو طريق أسيوط  الغربى أو فى المحافظات، التى لم تكن تعلم من الأساس مساحات أراضيها المتعدى عليها حتى جاءت لجنة الأراضى وبدأت عملها، وقررت أن تستخدم كل الإمكانيات والأدوات الحديثة لحصر تلك الأراضى، بما فى ذلك أجهزة الاستشعار عن بعد، وكانت البداية التجريبية لهذا الأسلوب العلمى الذى يستخدم لأول مرة فى حصر أراضى مصر فى محافظة المنيا حيث تم رصد نحو ١٨٥ ألف فدان متعدى عليها..

المؤكد أن ما يجرى الآن من خلال لجنة الأراضى، برئاسة المهندس إبراهيم محلب، ليس فقط استرداد أراض متعدى عليها، وليس تحصيل أموال للخزانة العامة، كما يدعى البعض، وإنما ما تفعله هذه اللجنة وبدعم من الرئيس عبد الفتاح السيسى مباشرة هو إعادة صياغة التعامل مع أراضى مصر، من خلال رؤية مختلفة تفهم قيمة الأرض وتعرف كيف يمكن استغلالها،  وبدلا من أن تظل كما كانت طوال عقود مضت نهبا لمن يملكون، ومن يحترفون الفساد، فسوف تصبح أرض مصر ثروة حقيقية تمنح لمن يستثمرها بحق ويجعلها مصدر خير وقيمة مضافة لمصر، لن تكون أرض مصر مستباحة ولن تترك لمافيا السطو والسرقة، بل ستصبح حقا لمن يقدر قيمتها ويحفظ للوطن حقه.