الإثنين 17 يونيو 2024

مارى أنطونيت وبسكويت المدارس

29-3-2017 | 13:13

بقلم – إيمان رسلان

 

لست وزيرًا للثانوية العامة والتغذية المدرسية، هكذا نقلت لنا الآخبار عن وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى ردًا على سؤال حول موقفه من الوجبة المدرسية وظهور حالات اشتباه فى تسمم التلاميذ فى عدد من المحافظات على مستوى الجمهورية، وسواء قال ذلك الوزير ام لم يقله إلا ان الحقيقة الوحيدة فى هذا الملف ان.

فخامة السيد الدكتور المعظم، وزير التربية والتعليم، لم ينتظر تقارير اللجان التى شكلت لبحث ما حدث وإنما أصدر قراًرا «فرمان عثمانلي» بوقف الوجبة المدرسية لأجل غير مسمى.

لست مندهشة فى الحقيقة من قرار فخامة ومعالى وزير التربية والتعليم لأنها متسقة تمامًا مع الإطار العام لكل تصريحاته السابقة سواء منذ تولى مقعد الوزارة أو قبلها فهو دائم الكلام والحديث حتى إنه مؤخرًا حينما اشتدت أزمة ارتفاع مصروفات المدارس الخاصة وغياب دورحاسم لوزارة التربية والتعليم فى ذلك الملف المهم.

فكان رد فخامته ومعاليه من لا يريد التعليم الخاص لا يذهب إليه ومن ليس معه لا يذهب إليهم، وأضاف قائلًا إن ذلك الأمر شبيه بمن يريد شراء سيارة مرسيدس، ولكنه لا يملك ثمنها والحمد لله انه لم يضف قائلا ولايملك الا ثمن «التوك توك”وطبعًا لأن فخامة ومعالى الوزير يحب التصريحات والإيضاح قال أيضًا فى رده عن الوجبة المدرسية: إنه يمكن دراسة تحويل مبالغ الوجبة إلى دعم مادى نقدى وهذه كارثة أخرى يمكن أن تضر بمستقبل الشباب والأمن القومى وحسنا فعل رئيس الوزراء بأن نفى تماما هذه الفكرة وللحقيقة تصريحات فخامة ومعالى وزير التربية والتعليم تذكرنا بما نقل عن الإمبراطورة مارى أنطونيت، حينما اشتكى الشعب من عدم وجود الخبز فردت قائلة ولماذا لا يأكلون الجاتوه.

وبالتأكيد طعم الجاتوه أفضل من الوجبة المدرسية وركوب المرسيدس أفضل من التوك توك، ولكن السؤال هنا لماذا بدلًا من المعايرة والأمثلة المستفزة لا يساهم المسئولون فى دعم خطط التنمية ودفع عجلتها إلى الأمام مع الأثرياء ورجال الأعمال بدلًا من إلقاء اللوم دائمًا على المواطنين، الذين طبقًا لتصريحات المسئولين فى وزارة المالية هم أكبر الجهات فى الدولة «أى المواطنين»، الذين يمولون حصيلة الضرائب فى الدولة، التى منها يمول الوجبة المدرسية على سبيل المثال، بل وامتحانات الثانوية العامة ومرسيدس الوزراء.

وعلى العكس من تصريحات فخامة ومعالى وزير التربية والتعليم فإن مجلس الوزراء فى اجتماعه الأسبوع الماضى قرر المهندس شريف إسماعيل تشكيل لجنة برئاسته وعضوية جميع الوزارات، والجهات ذات الصلة بالوجبة المدرسية، وذلك لإجراء تقييم شامل لجميع جوانب التغذية المدرسية، وكنت أتمنى على معالى فخامة وزير التربية والتعليم، وهو أستاذ جامعى فاضل فى الهندسة والتكنولوجيا أن يحلل لنا بأسلوب علمى مبنى على جمع المعلومات حقيقة ما حدث فى الأزمات الأخيرة فى قضية الوجبة المدرسية وانتشار حالات الإعياء فى عدد من المحافظات بدلًا من إصداره قرارًا وفرمانًا عثمانليًا بوقف الوجبة نهائيًا وإلى أجل غير مسمى ولم يصرح سيادته الأجل المسمى ده هيكون متى تحديدًا لأن الوصول إلى حقيقة الأزمة ليست مسألة عويصة تستدعى تشكيل لجان ولجان منبثقة، وهكذا لأن هؤلاء التلاميذ، الذين أصيبوا ذهبوا إلى المستشفيات الحكومية، وتم إجراء التحاليل لهم وأخذ العينات، وهذه الأمور ونتائجها تظهر سريعًا، ويمكن من خلالها معرفة الحقائق، التى بالتأكيد ستكون أمام اللجنة الوزارية، التى شكلت لتبحث الأمر ولكن ينبغى فقط أن نعرف المعلومات الصحيحة حول هذا الملف الهام بدلًا من إصدار فرمان عثمانلى بحرمان ما يقرب من ١٠ ملايين تلميذ من هذه الوجبة، فالوزير عمل بنظرية العملية نجحت أى تم توقف صرف الوجبة والدوشة منها ولكن المريض مات.

لأن طبقا للمعلومات، التى وردت إلينا من وزارة الصحة فإن كثيرًا من الحالات، التى وردت إلى المستشفيات لم يكن بها حالات تسمم خطيرة وإنما خرجت فورًا بعد تلقى العلاج المناسب.

والأكثر من ذلك هو تصريح د. عمرو قنديل مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائى كما نقلته عنه الصحف، حيث قال إن إجمالى حوادث التسمم بلغ ١٦ حادثة فقط فى ١٦ محافظة منذ سبتمبر الماضى «أى قبل هذه الواقعة» وإن عدد من أصيبوا باشتباه تسمم وتم علاجهم بلغ ما يقرب من ٥ آلاف حالة، بل آضاف ان جميع عينات الوجبات المدرسية التى تم فحصها وجدت أنها سلبيه من جميع الميكروبات المسببة للتسمم.

ولماذا نتعامل هكذا مع الفقراء وطلابنا فى المدارس الحكومية والغالبية منهم بالفعل من الفقراء «لأن أعراض التسمم أو الوجبة لا تصرف للمدارس الخاصة» ولماذا لم نشاهد المسئولين وهم مثلًا يتناولون الوجبة المدرسية «باكو بسكويت» لكى نعرف هل بالفعل الوجبة فاسدة أم لا؟

- وقصة الوجبة المدرسية طويلة وبصرف النظر أنها تعود إلى عصر محمد على حينما تقرر أن تكون الدراسة تحتوى على الوجبة المدرسية ولكن سنتحدث عن الواقع الآن وهى أن موازنة التغذية تصل إلى أكثر من ١.٢ مليار جنيه منها ما يقرب من ٨٠٠ مليون جنيه من موازنة وزارة التربية والتعليم أى من الدولة و٦٠ مليون يورو ومنح خارجية.

ويستفيد من الوجبة ١٠ ملايين تلاميذ تقريبًا تصرف لعدد محدد من الأيام فى السنة الدراسية.

وكانت خطة الحكومة فى السابق «وتحديدًا حكومة د. الببلاوى حيث أعلن د. زياد بهاء الدين عن خطة رفع موازنة الوجبة المدرسية إلى ٨ مليارات جنيه لكى يتم تقديمها طوال أيام العام الدراسى ١٥٠ يومًا.

وكشفت التقارير أن التغذية المدرسية وأيام توزيعها فى المدارس ترتفع نسب حضور التلاميذ ليكون الغياب فى حدود نسبة ٣٪ فقط فى حين أنه فى الأيام التى لا توزع فيها الوجبة المدرسية ترتفع نسبة الغياب إلى ١٨٪ على سبيل المثال وأحيانًا ترتفع النسبة عن ذلك أى أن توزيع الوجبة المدرسية يساعد على الحضور، وبالتالى التقليل من نسبة الأمية والتسرب من التعليم، أى أن توزيع الوجبة ليس رفاهية أو يدخل تحت بند «زكاة المال مثلًا».

وإذا أضفنا إلى أسباب أهمية الوجبة، الحضور المدرسى، فإن هناك أسبابا أخرى لا تقل أهمية وهى أن هذه الوجبة على بساطتها فهى تحارب بعض الأمراض، التى تنتشر نتيجة سوء التغذية مثل «التقزم»، الذى تشير كل الأرقام فى السنوات الأخيرة خاصة فى متوسط طول المقبولين فى الكليات العسكرية وغيرها إلى قصر قامة الطلاب الجدد مقارنًا بعقود سابقة وهو ما يؤدى إلى رفض قبول عدد من الطلاب أو النزول عن شروط التقدم ومن الأسباب الرئيسية للتقزم هو سوء التغذية ونقصها وبالتالى فإن وجود الوجبة حتى لو كانت «بسكويت» فهى تساعد على تحسن هذه المؤشرات والنسب.

يضاف إلى ذلك سبب هام آخر هو أن التغذية الجيدة ترفع من معدلات الذكاء ومن ثم الإنتاج وتقلل من الأمراض أى أنها وقاية تامة للأطفال ولذلك فى أغلب دول العالم وبالتحديد الرأسمالى يتم إعداد الوجبة المدرسية وهى إجبارية داخل المدرسة نظرًا لأهميتها القصوى فى تحسين نمو واستيعاب الطلاب.

ولذلك أستعجب جدًا من مقولة وزير التربية والتعليم وغيره للحقيقة من الوزراء والأغنياء تحديدًا من قولهم بضرورة ربط المجانية فى التعليم بالتفوق، لأنه علميًا معروف العلاقة بين التغذية الجيدة والتفوق، وبالتالى فإن سوء التغذية له علاقة أيضًا بالفشل الدراسى والتعثر الدراسى إذن كيف سنطبق المجانية على المتفوقين من أبناء الفقراء؟

لأن التفوق ليس «عامل ربانى فقط» ولكن له أسس علمية وعلى رأسها التغذية وليس الأنيميا الحادة التى أصبحت ملحوظة بالعين المجردة على طلابنا فى مختلف المناطق.

يزيد من الأمر سوءًا أن قرار تعميم وقف الوجبات المدرسية يأتى فى وقت ترتفع فيه أسعار كل السلع بدون تمييز من الخضار إلى الفاكهة إلى الجبن و البيض إلى اللبن مما يمثل عبئا إضافيًا على الأسر المصرية فى توفير الغذاء أو حتى الوجبة للأطفال الصغار.

ولم نعرف حتى الآن عن أثرياء مصر ورجال أعمالها، الذين كسبوا ملايينهم وملياراتهم من هذا الوطن أن تبرع أحدهم مثلًا لإنشاء مصنع للأغذية المدرسية وعلى الأقل كان سوف «يشغل عمالة» ويساهم فى تحسين صحة المصريين أو تجد مثلًا أحدًا من المسئولين تبرع بمرتبه لمشروع التغذية المدرسية بل على عكس آثرياء مصر الذين تبرعوا لبناء المدارس مثل المنشاوى باشا وانشاء المدارس العروه الوثقى: كانت تصر على أن تكون الوجبة الساخنة أحد مكونات العملية التعليمية.

وآخيرا كيف سينعم التلميذ بمتعة التعلم واللعب والأنشطة المدرسية وهو «جعان» بالتعبير العامى ففاقد الشىء لا يعطيه يا سيادة معالى وفخامة الوزير فالتنمية مشروع يجب أن يساهم فيه أثرياء الوطن وقبلهم الوزراء والمسئولون ولكن ليس على طريقة مارى أنطونيت يأكلوا جاتوه!