الجمعة 3 مايو 2024

د. سلوى العنترى الطبقة المتوسطة والفقراء هم الذين يتحملون أعباء الأزمة الاقتصادية

29-3-2017 | 13:17

الحكومة لديها قناعة تكاد تصل إلى حد الإيمان بأنه يتعين عليها تدليل الطبقات القادرة وكبار رجال الأعمال، وبأن هؤلاء هم أصحاب اليد العليا، والذين تنعقد عليهم الآمال ليس فقط فى تحقيق التنمية الاقتصادية، ولكن أيضا فى استمرار “البيوت المفتوحة” لملايين العمال. أغنياء البلد وكبار رجال الأعمال لا يتأخرون من ناحيتهم بالتلويح الدائم بأنه لو تجرأت الدولة، لا سمح الله، على إغضابهم فإنهم لن يتورعوا عن الانتقال بأموالهم واستثماراتهم إلى الخارج، وتشريد العمال وإغلاق مشروعاتهم فى مصر بالضبة والمفتاح.

المذهل أن الواقع يؤكد أن هذا البلد تقوم فى حقيقة الأمر على أكتاف الطبقة المتوسطة، وأن هذه الطبقة والفئات محدودة الدخل هى التى تحملت دوما عبء محاولات الخروج من أزمة البلاد الاقتصادية.

متابعة تفاصيل الضرائب العامة على الدخول والأرباح فى الموازنة العامة للسنة المالية الحالية تكشف أن ما يدفعه الموظفون والعاملون بأجر من ضرائب يكاد يماثل ما تدفعه شركات القطاع الخاص، وأكثر من ضعف ما يدفعه أصحاب المهن التجارية والصناعية وأكثر من ٢٣ ضعف ما يدفعه أصحاب المهن الحرة غير التجارية.

البيانات الرسمية تؤكد أن كاسبى الأجور يحصلون على نصيب متواضع من الناتج المحلى الإجمالى لا يتجاوز ٢٥٪ وأن ٧٥٪ من ذلك الناتج يؤول لأصحاب الممتلكات، ومع ذلك فإن حصيلة الضريبة على الدخول من التوظف تبلغ ٣٦.٤ مليار جنيه، فى حين أن الضريبة على ممتلكات الأراضى والمبانى لا تتجاوز ٢.٦ مليار جنيه، لا توجد فى مصر ضريبة على الأرباح الرأسمالية من تسقيع وبيع الأراضى، كما باءت محاولة تفعيل الضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة بالفشل الذريع، باختصار أغنياء هذا البلد لا يتحملون عبئا ضريبيا يتناسب مع ثرواتهم ولا نصيبهم فى الناتج المحلى الإجمالى.

أغنياء هذا البلد وفئاته القادرة ترفض كل محاولة لتحمل نصيب عادل فى توفير الموارد اللازمة للموازنة العامة للدولة، يكفى أن نتذكر المعركة المستمرة ضد أى محاولة لفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة. يكفى أنه فور الإفراج عن وثائق اتفاقية قرض صندوق النقد الدولى، ثارت الاحتجاجات وتعالت الصرخات بأن تعهدات مصر فى اتفاقية القرض تتضمن إعادة تفعيل العمل بتلك الضريبة، ومازالت الاحتجاجات تتوالى على محاولة فرض ضريبة الدمغة على معاملات البورصة، طبعا لم نرَ هؤلاء يثيرون أى احتجاجات على أن وثائق القرض تتضمن التعهد باستمرار رفع أسعار المنتجات البترولية وفواتير الكهرباء ورسوم وتكاليف جميع الخدمات الحكومية، أو التعهد بخفض الأجور الحقيقية للعاملين فى الجهاز الحكومى، رغم ما يعنيه كل ذلك من تهديد لمستوى معيشة كافة أصحاب الدخل الثابت!

كلنا يتعجب من ضآلة ما يدفعه أصحاب المهن الحرة غير التجارية من ضرائب. لن نتحدث هنا عن دخول كبار الفنانين وما يشاع عن تسجيلهم أجورا منخفضة فى العقود للتهرب من الضريبة. سنتحدث عن كبار الأطباء والمحامين والمحاسبين. فكر معى، هل حدث مرة، عند لجوئك لخدمات أى من هؤلاء فى عيادته أو مكتبه الخاص أن حصلت على إيصال أو فاتورة بقيمة ما دفعته من أتعاب؟ لقد تابعنا جميعا الحرب التى أعلنها العديد من النقابات المهنية على إخضاع أعضائها لضريبة القيمة المضافة، رغم أنهم سيحملونها فى النهاية على تكلفة الخدمة المقدمة للمواطنين. القضية الحقيقية بالطبع هى أن الخضوع لهذه الضريبة سيعنى منح إيصالات للعملاء وحصر الدخول الحقيقية وغلق باب التهرب.. لذلك قامت الدنيا ولم تقعد وتم إعلان الحرب المقدسة ضد امتثال أعضاء تلك النقابات المهنية لضريبة القيمة المضافة.

الغريب أن نفس الدولة التى تغض البصر، بل وتبادر بإعفاء الفئات القادرة من تحمل نصيبها العادل من الأعباء الضريبية، هى نفسها التى لا تكف عن دعوة هذه الفئات للتبرع الطوعى، لتوفير موارد يمكن استخدامها لتمويل العديد من الخدمات العامة التى لا تكفى موارد الموازنة لتغطيتها. هل تذكرون صندوق تحيا مصر؟، هل تذكرون كيف أنه قام على تصور أنه يمكن جمع تبرعات من كبار رجال الأعمال وأغنياء هذا البلد تصل إلى ١٠٠ مليار جنيه؟ أحدث أرقام عن حصيلة ما تم جمعه من تبرعات على مدى ٣ سنوات توضح أنها لم تتجاوز٧ مليارات جنيه.

الخطاب الموجه من الحكومة للمواطن المصرى، فى الوقت الحالى، هو أن هناك إجراءات صعبة علينا جميعا أن نتحملها حتى يتعافى الاقتصاد ونتجاوز الأزمة. لكن واقع الحال يقول إن الفئات القادرة لن تشارك فى تحمل العبء، بل ويتوقع أن تزداد ثراءً! فقد تمثلت الدفعة الأولى من السياسات المتعلقة ببرنامج قرض صندوق النقد الدولى حتى الآن فى محاباة أصحاب عوائد الملكية (رأسمال، أراضٍ وعقارات، مشروعات) على حساب أصحاب الأجور، فمن ناحية تم إيقاف العمل بالضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة، كما تم رفع أسعار الفائدة على الودائع والأوعية الادخارية، وأسفرت التطورات عن ارتفاع أسعار الذهب، وارتفاع أسعار الأراضى العقارات وإيجاراتها. أما فيما يتعلق بالأجور فقد تكفل قانون الخدمة المدنية بتخفيض معدلات نموها وتعهدت الدولة بالاستمرار فى تخفيض قيمتها الحقيقية.

وهكذا يمكن القول بكل ثقة إن عبء الخروج من الأزمة يقع بالكامل على الطبقة المتوسطة والفئات محدودة الدخل. البيانات الرسمية التى تعلنها الحكومة توضح أن برنامجها التدريجى للحماية الاجتماعية، خلال مدة القرض لا يكفى بكل تأكيد لحماية كل من هم تحت خط الفقر. الأمر الأكثر خطورة هو غياب أى حماية للطبقة المتوسطة المهددة بانخفاض مستويات معيشتها. الطبقة المتوسطة تختنق بفعل ارتفاع تكاليف المعيشة. معدلات التضخم الحالية صارت تقترب من ٣٢٪. الطبقة المتوسطة تتحمل فاتورة القصور فى الخدمات العامة. تئن تحت وطأة ارتفاع تكاليف التعليم فى المدارس غير الحكومية وارتفاع تكاليف العلاج فى المستشفيات غير الحكومية. الطبقة المتوسطة تتحمل الزيادة فى فاتورة استهلاك الكهرباء لوحدتها السكنية، والزيادة فى فاتورة استهلاك الكهرباء عن مواتير المياه للمبنى ككل، بعد أن صار استخدامها حتميا حتى تصل المياه إلى أى أدوار تعلو الدور الأرضى. الطبقة المتوسطة لا تملك، مثل ساكنى الفيلات والقصور، عدادات مياه مستقلة لوحداتها السكنية. فواتير استهلاكها للمياه تحسب وفقا لاستهلاك المبنى ككل أى طبقا لأعلى شريحة فى الأسعار، مضافا إليها تكاليف صرف صحى بنسبة ٥١٪ من تلك الفاتورة!

الطبقة المتوسطة تتحمل تكلفة السياسات الاقتصادية الحالية وتسقط شرائحها الدنيا تحت خط الفقر، أما أغنياء هذا البلد فيبخلون عليها بثرواتهم التى لا يترددون فى إنفاقها بسخاء على حفلات تصل تكلفة التذكرة الواحدة فيها إلى بضعة آلاف من الجنيهات، وأفراح أسطورية تتكلف ملايين الدولارات.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa