الجمعة 31 يناير 2025

مهرجان المربد الشعري في البصرة .. حضور عربي ودولي .. رغم إهمال الحكومة للثقافة

  • 29-3-2017 | 13:19

طباعة

رسالة البصرة: صفاء ذياب - شاعر عراقي

   شكّل مهرجان المربد الشعري في العراق منذ عام 1971 حلقة مهمة من حلقات الشعر العربي، فهذا المهرجان الذي انطلقت أنشطته الأولى في مدينة البصرة؛ 565 كيلومترا جنوبي بغداد، كان مكانا لتقديم أهم التجارب الشعرية، الكلاسيكية منها أو الجديدة، فقدّم محمد مهدي الجواهري وأدونيس ومحمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد عفيفي مطر وغيرهم الكثير من رواد الشعر العربي؛ قديمه وحديثه، تجاربهم على المنصة التي وسعت شعراء العرب جميعا.

    إلا أن الحرب التي انطلقت عام 1980 مع إيران دفعت الحكومة العراقية لنقل المربد إلى بغداد؛ بسبب القصف المستمر على مدينة البصرة، ليستمر انعقاده في بغداد حتى ديسمبر 2002، وهو آخر مربد يقيمه النظام العراقي السابق، فتحوّل المربد خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين لمنصة تعبوية تدفع لمن يكتب عن أمجاد الحروب والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وهذا ينطبق على أهم الشعراء العرب والعراقيين.

   كان عام 2004 منطلقا جديدا للمربد، إذ أعلن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة عن عودته مرّة أخرى إلى حاضنته الأولى، غير أنهم رأوا أن المربد يجب أن يقطع رحمه، بعد أن أصبح مهرجانا مؤدلجا جُلَّ همّه مدح ديكتاتور قضى على بلده أولا واعتدى على الكثير من البلدان العربية ثانيا.. فانطلقت الدورة الأولى من جديد عام 2004 ليستمر حتى وصلت دورته الأخيرة إلى الرقم 13، وهو الذي سُمّي بدورة الشاعر البصري الراحل مهدي محمد علي.

    الدورات الثلاث عشرة للمربد رغم ما فيها من إيجابيات كثيرة، مثل إبراز وجوه شعرية جديدة، وتقديم نماذج مغايرة في الشعرية العراقية، فضلا عن اللقاء الطويل للأدباء والمثقفين العراقيين والذي غالبا ما يتمخّض عنه مشاريع ثقافية وأدبية جديدة.. غير أن مثل هذه الإيجابيات تضيع جميعا أمام سوء التنظيم الذي يرافق المهرجان، ومن أهم سلبيات هذا التنظيم غير المنضبط الدعوات الكثيرة التي ترسل للأدباء، ففي بعض الدورات تجاوز عدد المدعوين 450 أديبا، وهذا ما جعل الكثير من الشعراء يتدافعون لاعتلاء منصة القراءات، فتجاوزت بعض الجلسات ثلاثين شاعرا، ما يجعل الجمهور يخرج من القاعة بعد ملل طويل سببته هذه القراءات الطويلة.

   لكن الدورة الثالثة عشرة (1 ـ 4 فبراير 2017)، ربما غيّرت في تفاصيل هذا المهرجان بعض السلبيات، إلا أنها لم تتمكن من القضاء عليها جميعا؛ وربما هذا من الصعب مع أي مهرجان..

   بداية أقيم مربد هذا العام في فندق الشيراتون على كورنيش شط العرب وشارك فيه أكثر من 300 أديب عراقي، فضلا عن أدباء من الهند وبريطانيا وإيران وعرب من مصر ولبنان وتونس والجزائر والمغرب وسلطنة عمان والبحرين وسوريا. كما كان ضيف شرف المهرجان لهذا العام دولة الكويت ممثلة بوفد شعري، وبحضور الروائي الكويتي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل.

   انطلقت جلسة الافتتاح مساء يوم الأربعاء أول فبراير بكلمات لمسؤولين عراقيين أولهم محافظ البصرة؛ الدكتور ماجد النصراوي، والدكتور طاهر الحمود؛ وكيل وزارة الثقافة العراقية، والدكتور سلمان كاصد رئيس اتحاد الأدباء في البصرة ورئيس اللجنة العليا المشرفة على المهرجان، إضافة لرسالة بعث بها رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم.

    وفي حديث خاص، أكد الدكتور سلمان كاصد؛ رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة أن الصعوبات التي كانت تواجه كل مهرجان واجهت المربد هذا العام، ومن أول وأكبر هذه الصعوبات تحكّم وزارة الثقافة العراقية بمقدراته، فهي الممول الأول له، والمعضلة الأخرى، أن وزير الثقافة فرياد راوندوزي؛ يفكر بأن يكون كل شيء لقوميته هو ككردي وليس كعراقي، فقد حاول أكثر منذ العام الماضي نقل مهرجان المربد مثلما حاول مع مهرجان المتنبي الذي يقام في مدينة الكوت إلى مدينته في كردستان.. أما الأمر الثاني فأنه كلّف موظفا في الوزارة بأن يتحكم بكل شيء، بدءا من موازنة المهرجان التي خصم الكثير منها، ومن ثمَّ يتحكم بأوضاع الأدباء في الأنشطة والضيافة في الفنادق.

   شهد المهرجان سبع جلسات شعرية وأربع جلسات نقدية، بدءا من الجلسة الافتتاحية التي قرأ فيها أحد عشر شاعرا، ومن ثمَّ الجلسات الست الأخرى خلال أيام المهرجان، بواقع جلستين في اليوم، صباحية ومسائية، قرأ فيها بحدود عشر إلى اثني عشر شاعرا.. وبيّن كاصد أن اتحاد الأدباء عمل على تنوع المشاركين بين الشعراء الكبار والشباب، فضلا عن وجود الأنواع الشعرية جميعا، إن كانت شعرا عموديا أو تفعيله أو قصيدة النثر.

نقد واحتفاء

    أما الجلسات النقدية فقد جاءت بحسب شعار المهرجان (الشعر.. حاضر البصرة وماضيها)، والشخصيتان المحتفى بهما، بواقع أربع جلسات، الأولى: المناهج النقدية العربية في نقد الشعر، الثانية: ملامح وتجربة الشاعر مهدي محمد علي، الثالثة: شجاع العاني ومساهماته النقدية، والرابعة: الشعر العراقي.. تطلعاته وآفاقه. شارك في هذه الجلسات بحدود ستة عشر ناقدا من مختلف المدارس والتوجهات، وقدم الجلسات نقاد من البصرة، منهم الدكتور لؤي حمزة عباس والدكتور سلمان كاصد.

    احتفى مربد هذا العام بشخصيتين مهمتين في الأدب العراقي والعربي، الأولى شاعر بصري، وهو مهدي محمد علي، والثاني ناقد وأستاذ أكاديمي قضى أكثر من ربع قرن من حياته في كلية الآداب بجامعة البصرة، وهو الدكتور شجاع العاني.

    أما عن سبب اختيار مربد هذا العام لهما، فمهدي محمد علي شاعر من البصرة ومهم لجيل الستينيات والسبعينيات، ومن ثمَّ فهو مناضل ووقف ضد الطاغية، وإضافة لكونه شاعرا، فهو ناثر مهم من خلال كتابه (البصرة جنة البستان).. أما شجاع العاني فهو ناقد كبير وعاش في مدينة البصرة أكثر من 25 عاما، كما أنه أسهم في ترسيخ ثقافة المدينة، ولديه طلبة ومريدون، ومساهم في الحركة النقدية البصرية والعراقية، وبهذا، أراد القائمون على المهرجان الاحتفاء به لأن الجهات التي عاش بينها وولد فيها لم تحتفل به سابقا. وحتى بعد مغادرته من البصرة أهدى المدينة مكتبته الشخصية.

    على الرغم من اتساع القاعة التي أقيم فيها المهرجان بفندق الشيراتون، غير أن الحضور غير المتوقع جعل منها مزدحمة، حتى أن الكثير من الأدباء العرب والضيوف ظلوا واقفين ولم يتمكنوا من الحصول على مقاعد للجلوس عليها.. وهو ما سبب بعض الإرباك، غير أن الندوات كانت منظمة أكثر من السنوات السابقة، خصوصا أن القراءات التي كانت تتجاوز الثلاثين شاعرا، لم تتجاوز هذا العام خمسة عشر شاعرا، إضافة إلى الفقرات الموسيقية والغنائية التي تخللت أغلب الجلسات، غير أن حجم القاعة والزحام أجبر المنظمين على إلغاء الجلسة النقدية الأولى التي كان من المفترض أن تعقد صباح يوم الخميس، لتبدأ بعد ذلك الجلسة الثانية مساء اليوم نفسه وهو عن تجربة الدكتور شجاع العاني، شارك فيها: الدكتورة نادية هناوي، الدكتور خالد علي ياس، الدكتور باقر الكرباسي، وقدم خلالها الدكتور محسن عريبي كتابين أحدهما عن تجربة العاني والآخر مجموعة من مقالاته، طبعهما في داره (الفراهيدي) ووزعهما هدية لضيوف المهرجان، وكانت الجلسة من تقديم الدكتور لؤي حمزة عباس.

    اليوم الثاني كان حافلا أيضا، بين القراءات الشعرية التي أقيمت في سينما الوطني بمول تايم سكوير، وربما كانت هذه الجلسة أكثر تنظيما بسبب القاعة وترتيب كراسيها وهندسة الصوت، وفي سينما الكرنك، القاعة المجاورة، عقدت الجلسة النقدية الثانية (المناهج النقدية الشعرية.. آفاقها وتطورها) شارك فيها: عبد الزهرة ذكي، الدكتور جاسم الخالدي والدكتور محمد أبو خضير، وقدمها الأستاذ الدكتور سامي علي جبار.. في حين كانت الجلسة المسائية منقسمة أيضا إلى جلسة شعرية، ونقدية خصصت للحديث عن تجربة الشاعر الذي سميت هذه الدروة باسمه (مهدي محمد علي) وشارك فيها النقاد: ياسين النصير وجميل الشبيبي ومقداد مسعود، وقد كانت بتقدير الأستاذ جاسم العايف.. وفي مساء اليوم ذاته، عرض في سينما التايم سكوير فيلم (صمت الراعي) من إخراج رعد مشتت.

    اليوم الثالث كان مميزا بسبب إقامة الجلسة الشعرية ما قبل الأخيرة في بيت السياب وبالقرب من شبّاك وفيقة الشهير، البيت الذي امتلأ حوشه وسطحه بالحاضرين شهد التفافا كبيرا حول الشعر وحول نهر بويب الذي أصر الأدباء العرب على زيارته، لتأتي مساء اليوم ذاته الجلسة النقدية الأخيرة (الاحتفاء بالشعر العراقي.. أطروحات ومفاهيم) شارك فيها الدكتور أحمد الزبيدي، بشير حاجم، الدكتور حسن غانم والدكتور سعيد عبد الهادي، وقدّمها الدكتور عبد العظيم السلطاني.

    كما كانت هناك أنشطة فنية موازية، منها معرض تشكيلي لعشرات الفنانين البصريين، ومعرض فوتوغرافي أقامته جمعية المصورين العراقيين في البصرة. إضافة لجلسات خاصة أقيمت على مركب وسط نهر شط العرب، ورحلة للمدينة الرياضية وغيرها من الأماكن.

    مربد هذا العام، على الرغم من هنات واضحة، وكان من الممكن تجاوزها، إلا أنه شكّل انتقالة مهمة في إقامة المهرجانات عراقيا، وهو ما سعت إليه الهيئة الإدارية الجديدة لاتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، وما أعلن عنه الدكتور سلمان كاصد رئيس الاتحاد في برنامجه الانتخابي.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة