السبت 1 يونيو 2024

هل يتصالح الخطابان الدينى والثقافى لإنقاذ المجتمعات؟!

30-3-2017 | 17:56

تشهد المجتمعات صراعًا دائمًا بين الدين والثقافة لا يتوقف.. وقد ظهر ذلك منذ مشكلة ابن رشد في العصر الأندلسي.. ففي حين أن الثقافة تحتاج إلى قدر من الحرية والتحرر، نجد أن الدين أصبح ثابتًا بعد أن صار في أيدي أشخاص ملتزمون بالمعنى النصي في تفسيره، فخرجت مجتمعات وشعوب لديها تفكير مشوه، نتيجة لهذا الصراع، الذي تكون الغلبة فيه لأنصار المغالاة بل والتطرف أحيانًا، لأنه لا يمكننا إغفال أن الدين عندما كان مرنًا؛ أنتج لنا على سبيل المثال «رسالة الغفران» التي كتبها أبي العلاء المعري.

وفي الفترة الراهنة، نرى ونسمع دعوات عديدة ومحاولات، لتجديد الخطابين الديني، والثقافي أيضًا، ولكن هل يمكن لهذين الخطابين أن يتصالحا، ويتوحدا ويعملا معًا من أجل خلق مجتمعات سوية.

صعوبة المصالحة

وصف الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، الخطاب الديني بالكارثي، وقال: إن سبب ما يعانيه المجتمع الآن من تراجع هو أن الخطاب ينظر إلى الأمام وعينه في قفاه، موضحًا، أن هناك بعض ممن ينتسبون للإسلام يشوهون صورته، ولذلك فلن يتصالح الخطابين الثقافي والديني طالما أن هؤلاء يفهمون الدين خطأ.

وقال «عصفور»، إن القيم الإنسانية والأخلاقية تسبق وجود الأديان، وأن الفضائل طبيعية مع الإنسان، وليست قاصرة على وجود الدين فقط، مشيرًا إلى أن هذه الفكرة موجودة في الحضارة الإسلامية منذ القرن الخامس للهجرة، كما أكد عليها الفيلسوف الإسلامي أبو جابر التوحيدي.

وتابع «وزير الثقافة الأسبق»، أتحدث عن مجموعة القيم التي نشأنا عليها كالصدق، والحق، والعدل، وعدم الزيف، والانتماء للوطن، وغيرها من القيم التي تربطنا بغيرنا من الذين يتصلون معنا من العائلة البشرية، فيما يسمى في الفلسفة الإسلامية بـ«المعمورة الفاضلة»، لأنه لا فارق بين القيم الإنسانية، والقيم المصرية، فالإنسانية لا تتعارض مع دين، أو جنس، أو نوع.

اختلاف وليس صدام

ويرى الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، أنه لا يوجد صدام بالمعني بين الخطابين، بل يرى أنه هناك قدرًا من الاختلاف والخلاف، بسبب أن هناك مسافة بين الخطابين الثقافي والديني، موضحًا أن الخطاب الديني هو جزء من الثقافي، ويؤثر بشكل كبير فيه، إذ يعتبر محركًا أساسيًا لوعي الجماهير الآن، مؤكدًا أن الخلاف بين الخطابين يزول بتجديدهما، على أن يكون تجديدًا عصريًا.

مساحة من الحرية

وقال الناقد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، إنه يمكن أن يحدث هذا التوافق بين الخطابين الثقافي والديني، إذا كانت هناك مساحة كافية من الحرية، تسمح بتجديد الخطابين معًا، وخصوصًا الخطاب الديني.

وأضاف «حمودة»، نحن بحاجة إلى إعادة نظر بشكل جذري في كل مورثنا الثقافي والديني معًا، وبحاجة إلى ربط هذين المورثين بالحياة العصرية التي نعيشها، وهذا يتطلب بجانب الحرية، فتح باب الاجتهاد، وحل المشكلات التي تتعلق بنظرتنا إلى هويتنا، وعلاقتنا بالحضارة الغربية وبمفاهيم التقدم والعلم، وقبل كل ذلك نحن بحاجة إلى تغييرات جذرية فيما يخص التعليم، والفقر، وغياب الديمقراطية، فهذا كله يؤثر في تصوراتنا حول الحياة الثقافية التي نعيشها، وخطابنا الثقافي بوجه عام.

وتابع «أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة»، الخطاب يؤثر في ما يحيط بحياتنا الدينية، من مفاهيم يروج لها بعض الدعاة، وقضايا يناقشونها، وأغلبها لم يتم التحقق من نسبته إلى جوهر الدين، ولا إلى مفاهيمه الأساسية.

التجديد أولاً

وللشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، رأيٌ آخر، حيث قال: إن هذا التوافق الذي ندعو له بين الخطابين يمكن أن يحدث، بشرط أن يتجددا، أما إذا بقيا على وضعهما كما هو بدون تجديد، فسيكون من الصعب التصالح بينهما، مضيفًا، أن هذا يجب أن يحدث مع مراعاة أن الخطاب الديني جزء من الثقافي، وليس العكس.

ضرورة التوافق

«الخطاب الثقافي يسعى لوضع القيم والمعايير، وتطويع الفكر لمواجهة التحديات، ولذلك فهو أكثر مرونة من الخطاب الديني»، هذا ما قاله الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ومدير المركز القومي للترجمة بالقاهرة، متابعًا، لكن الخطاب الديني من الممكن يتواءم مع الثقافي بل ينبغي أن يتواءم معه.

وأضاف «مغيث»، في البداية يجب أن نفرق في الخطاب الديني بين القانون والأخلاق، فالخطاب الديني القانون، هو الفتاوى الحلال والحرام، لكن الخطاب الديني الأخلاق، فهو القيم، كالأخلاق، والعدل، والتسامح.

وأضاف «أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة»، أنه إذا كان الخطاب الديني ينص على قيم تخالف الخطاب الثقافي، فهنا ندرك أن هناك مشكلة كبيرة، لأنه لابد من أن يتواءم في الخطابين في الاتفاق على نفس القيم التي ينبغي أن ندعو لها، وفي الوقت ذاته علينا إدراك أن الخطاب الثقافي يدعو لهذه القيم من باب المصلحة، ومواكبة العصر، وللحرية، أما الديني فمن باب أقرب لله، ودخول الجنة.

وعلّق عن «ما إذا كان من الممكن أن يتوحد رجال الدين والمثقفين»، قائلًا: نتمنى حدوث ذلك، لكن تاريخ العالم يقول أن ذلك صعب، وما يحدث هو أننا نجد في كل معسكر انحيازات، بمعنى أن هناك عدد من المثقفين محافظين، وبالتالي فهم منحازون للخطاب الديني المتشدد، وهناك عدد من رجال الدين مستنيرين، ومنحازون للخطاب الثقافي المتحرر الذي يدعو للحرية في السلوك والاختيار، والمساواة بين الرجل والمرأة.