الجمعة 29 نوفمبر 2024

تحقيقات

«الري» تُرمم الذكريات التي آلت إلى النسيان

  • 14-2-2019 | 11:46

طباعة

على بعد نحو 20 كيلو مترا من القاهرة، يوجد موقع حمل الخير لشمال مصر وجنوبها، وساهم في خصوبة أراضيها وإطعام أهلها.. إنها القناطر الخيرية، التي يتجلى في موقعها ميزة جغرافية، جمعت بين عبقرية المكان وعظمة التاريخ، فهنا القناطر والتي أنشأها محمد علي باشا، عند رأس الدلتا، التي حملت خيرات النيل لأرض مصر، فكان لزاما أن تسمى بـ"القناطر الخيرية"، التي تفرعت شريانيها - دمياط ورشيد- إلى أربعة "رياحات" فرعية (التوفيقي - الناصري - البحيري - المنوفي)، تغزو أراضي الدلتا بمياه النيل، تزهر أراضيها وتكتسي الأراضي الطينية بغطاء أخضر يسلب الألباب.


وتعيد وزارة الموارد المائية والري بتوجيهات من الوزير الدكتور محمد عبد العاطي ترميم الذكريات، التي اقتربت من النسيان، فبعد ترميم سيارة وزير السد العالي الأثرية، ووضعها في المعرض المكشوف لمتحف النيل في أسوان، بدأت تنظر مرة أخرى إلى أعظم منشأة هندسية مائية لتلفت الانتباه إلى القناطر الخيرية من جديد، معتمدة على خطة طموحة لتطوير المنطقة الأثرية في القناطر الخيرية، لعودة السياحة الداخلية إليها، ومن ثم الأجنبية أيضا. 


الدكتور محمد عبدالعاطي قال لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن التطوير الذي تكفلت الوزارة بتنفيذه في حديقة عفلة بالقناطر، يعد أولى مراحل عملية تطوير شاملة لمنطقة القناطر الخيرية، مؤكدا تتابع عملية التطوير بنفس المستوى التصميمي، الذي يراعي المظهر الجمالي، بما يتناسب مع القيمة الأثرية والطرز المعمارية للمنشآت الأثرية في المنطقة، لافتا إلى أن ذلك يتم بجهود ذاتية. 


وكالة أنباء الشرق الأوسط ذهبت في جولة خاصة إلى داخل حديقة عفلة، اصطحبنا خلالها المهندس محمد الصادق، مدير عام ري القناطر، الذي أكد خلال الجولة أن إجمالي المساحات الخضراء في القناطر يبلغ 180 فدانا، مشيرا إلى أنه عندما أنشئت القناطر الخيرية (قناطر محمد علي) روعي الاهتمام فيها بأن تكون المسطحات الخضراء تحيط بالقناطر التي تم إنشاؤها.


وأضاف مدير ري القناطر أن محمد علي باشا استقطب الأشجار النادرة من الخارج، لزراعتها في مدينة القناطر الخيرية، والتي يبدو أنها وجدت في مناخ المحروسة الجو الملائم لأزهارها ونموها.


وأشار الصادق إلى أن بعض الأشجار يبلغ عمرها أكثر من 200 عام، وحدائق القناطر بها أشجار تعتبر الأندر في العالم كله، ويأتي خبراء من وزارة الزراعة وأجانب لمشاهدة تلك الأشجار النادرة لقلة وجودها في العالم"، هذا ما أكده "الصادق" في حديثه، لافتا إلى أن تطوير حديقة عفلة كانت بداية أعمال التطوير التي تتم في القناطر الخيرية.


وتابع أن 13 فدانا من مساحة حدائق القناطر، تم تخصيصها لـ"عفلة"، وحباها موقعها بين قناطر محمد علي القديمة، والتي تم البدء الفعلي في إنشائها عام 1843 -تعتبر أثرا حاليا- وقناطر الدلتا الجديدة التي تم إنشاؤها عام 1939، لتضفي عليها أعمال الـ"لاند سكيب"، مزيدا من الراحة البصرية والنفسية، بعد دعم وزير الري للقائمين على عملية التطوير، بخبير متخصص في أعمال التنسيق الحضاري والـ"لاند سكيب".


وبمجهود ذاتي لوزارة الموارد المائية تتم عملية التطوير، وبأيدي عمالة ماهرة تابعين لإدارة ري القناطر، تظهر فنون صناعة المقاعد والبرجولات الخشبية والأعمال الحديدية والحصائر الزلطية، للحديقة التاريخية. 


شلال صناعي، يلقي مياهه على بحيرة صناعية مكونة من حوضين، أحد معالم تطوير الحديقة البارزة، واختارت له الوزارة موقعا في وسط الحديقة تقريبا، ووضعت عليه سلما خشبيا بنيت دعائمه من جزوع الشجر، لينقلك عبر درجات سلمه الأربع بين ضفتي الشلال الصناعي، إلى مسطح أسمنتي وضع عليه "تندات" صنعت من قش الأرز ذات دعائم خشبية، صديقة للبيئة.


واستمرت الجولة في الحديقة التاريخية، لتلحظ مبنى جديدا بني على الطراز المعماري للقناطر، وعند السؤال عن ماهيته، أجاب مدير عام ري القناطر، بأنه كافيتريا، روعي عند تصميمها التجانس مع البيئة المحيطة، وتم إلحاق 3 حمامات بالكافيتريا، لخدمة الزوار. 


كما تم إنشاء ممرات لذوي الاحتياجات الخاصة، والكراسي المتحركة، أحد العلامات التي تضمنها التطوير التصميمي للحديقة، لتساعد على انتقالهم من منطقة المسطحات الخضراء، إلى منطقة الممشى، الذي تم تصميمه على نفس طراز "ممشى أهل مصر" على كورنيش القاهرة، والمكون من 4 مدرجات رخامية، تم إضاءتها بإضاءات "ليد" زرقاء، وينقلك بين مدرجاتها سلم مكون من 9 درجات، تنقلك من ممشى "الانترلوك" إلى مياه النيل الجارية، والتي لا يفصلك عنها سوى سور حديدي،أضيء بأعمدة إنارة ذات لمبات "ليد" بيضاء. 


ولم تنته عوامل الجذب بعد في حديقة عفلة، فما أن تطأ قدماك ممشى الحديقة المطل على النيل، حتى تبهرك إضاءة عيون القناطر الأثرية، بثلاث ألوان (أبيض وأزرق وأخضر)، فيما أضيئت فتحات القناطر الجديدة باللون الأصفر، في مشهد بانورامي يتوسط أصالة المنشأ القديم وحداثة القناطر الجديدة. 


الدكتور أيمن إبراهيم، رئيس قطاع التليمتري، بوزارة الموارد المائية والري، أكد أن عيون القناطر الأثرية التي يتم إضاءتها بالألوان (الأصفر والأزرق والأخضر) يتم باستخدام الطاقة الشمسية.


وقال رئيس قطاع التليمتري التابع لوزارة الزراعة لوكالة أنباء الشرق الأوسط إنه ستتم إضاءة جانب القناطر باستخدام خلايا شمسية، تعمل على شحن بطارية ذات قدرة 100 أمبير / ساعة، تختزن بها طاقة الشمس طوال اليوم، لتفريغها في الإضاءة أثناء فترات الليل، بصورة طبيعية صديقة للبيئة، على العكس الطرق التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفوري.


وقبيل انتهاء الجولة داخل الحديقة الأثرية، تم ملاحظة وجود تمثال كبير، لشخص يرتدي زي رسمي "بدلة ورابطة عنق" يجلس على كرسي، وضع يده اليسرى على أحد مساند الكرسي، فيما وضع يده الأخرى على قدمه اليمنى، التي وضعها أعلى قدمه اليسرى. 


وبالسؤال عنه، علمنا أنه "حيدر علييف"، رئيس أذربيجان الثالث (10 مايو 1923 - 12 ديسمبر 2003)، الذي تولى قيادة بلاده على مدى ثلاثة عقود (1993 -2003)، وقد وضع تمثاله في هذا الموضع أمام مكتبة الحديقة، التي يشرف عليها هيئة الهلال الأحمر، في إطار تبادل ثقافي بين مصر وأذربيجان.


يذكر أن، منطقة القناطر تضم ثماني حدائق تشكل في مجموع مسطحها 180 فدانا، هي حدائق (التوفيقي، عفلة، أ، ب، المتاحف، أبو قردان، النخيل، النيل)، ومن المقرر أن تفتح الحديقة أبوابها للزائرين في القريب العاجل، عقب انتهاء عملية التطوير، وذلك حتى الحادية عشرة مساء، بحسب مدير عام ري القناطر- نظير تذكرة قيمتها نحو 20 جنيها.