ثلاثة مواقف حرجة تعرض لها الملك
فاروق في حياته، كان لابد في اثنين منها أن يحكم عقله، والثالث كاد يروح ضحيته،
فالموقف الأول يعد من الحوادث التي تعرض لها ملك مصر والسودان، وهو حادث 4 فبراير
1942 والذي حاصرته فيه القوات البريطانية بقصر عابدين، لكي يرغمه المفوض
البريطاني في القاهرة السير مايلز لامبسون على التوقيع على قرار استدعاء النحاس
باشا لتشكيل الحكومة بمفرده، أو يتنازل عن العرش، ولولا أن همس رئيس الديون أحمد
حسنين باشا في أذن فاروق لكان وقع على وثيقة التنازل، وطلب الفاروق حضور النحاس
ليسأله أن كان يريد أن يكلفه بتشكيل الوزارة، وكان النحاس قد رفض من قبل الإنذار
البريطاني، فأثار رد فاروق جنون لامبسون وأطاح بمخططه.
أما الموقف الثاني، والذي كان فارقاً
في حياة الفاروق وحكمه، فهو تعرضه لنفس الموقف في 26 يوليو 1952، وهو وصول إنذار
إليه على يد اللواء محمد نجيب لكي يتنازل عن الحكم، وكان الإنذار بدون حصار أو
عنف، ولم يفكر الفاروق طويلاً ووقع على التنازل كي يجنب البلاد أي صراع وتظل ثورة
يوليو الثورة البيضاء التي لم ترق فيها قطرة دم، ورحل الفاروق إلى البلد الذي اختاره
مع أسرته، ولم يصدق نجيب نفسه، واستقل قارباً ولحق بالفاروق في عرض البحر لكي
يودعه .
ويعد الموقف الثالث في حياة فاروق هو
الأكثر غرابة، وقد أكدت كل الشكوك أن ذلك الموقف يعتبر حادث اغتيال مدبر من قبل
السير لامبسون، الذي بقيت في نفسه رواسب من حادث 4 فبراير 1942، فقد اعتاد الملك
فاروق في رحلاته وتحركاته غير الرسمية أن يقود سيارته بنفسه دون حراسة، سواء في
الرحلات الطويلة خارج القاهرة أو داخل القاهرة، وقد سافر الفاروق إلى رحلة صيد في
الإسماعيلية، وكان يهوى صيد البط، وأثناء عودته عصر يوم 15 نوفمبر 1943 وهو يقود
السيارة التي أهداها له هتلر بسرعة كبيرة فوجي بمقطورة عسكرية انجليزية قادمة من
بني غازي، قد انحرفت يساراً فجأة لكي تسد عليه الطريق، وقام الملك بالإنحراف بسرعة
لكي يتفادى السقوط في ترعة الإسماعيلية عند القصاصين، فاصطدمت مقدمة المقطورة
بسيارته ، وطارت عجلاتها الأمامية وتحطمت مقدمة السيارة وبابيها ووقع الفاروق وسط
الطريق.
سقط الملك على الأرض وكانت الحادثة
أمام معسكر المنشآت الهندسية رقم 140 ، وقام بعض الجنود بنقله داخل المعسكر
لإسعافه، وبعد أن فحصه طبيب انجليزي وخرج أشاح فاروق بوجهه وقال: لا أريد شيئاً من
هؤلاء، وفهم المرافقون مغزي كلامه وقاموا بنقله إلى مستشفى عسكري قريب في القصاصين،
وبعد أن كشفت عليه طبيبة إنجليزية أشار الفاروق إلى موضع الألم وقال: عندي كسر في
عظمة الحوض أسفل البطن، وعرض أحد الجراحين الإنجليز إجراء العملية بشكل عاجل، وقد
أشاح الملك بوجهه ونظر من النافذة ليجد الجنود والضباط من القوات المصرية
المرابطة يلتفون حول المستشفى من تلقاء نفسهم لحراسته .. وهنا امتلأ قلبه بالفرحة
والسعادة ورفض أن يجري له الطبيب الإنجليزي العملية، وطلب إبلاغ القصر بالحادث
وأمر بإحضار طبيب مصري كي يجري له الجراحة، وبعد وقت قصير كانت طائرة تحمل الطبيب
المصري على إبراهيم باشا من القاهرة ليقوم بإجراء العملية للفاروق الذي يحب ويثق
في المصريين.
كان الخبر قد انتشر، وأصيب الجميع
بالخوف على مليكهم وتعالت الدعوات له بالشفاء، ومع تداول خيوط الحادث سرت الشائعات
التي تؤكد أن ذلك الحادث كان مدبراً من السفير البريطاني للتخلص من الملك فاروق
بعد أن زادت شعبيته وتفاقم حب الشعب له بعد فشل السير لامبسون في إقصائه عن الحكم
بعد حصار 4 فبراير 1942.