الخميس 23 مايو 2024

السفير مخلص قطب: مؤسسة بطرس غالي كانت ضرورة لاستثمار أفكاره ونقلها إلى الأجيال القادمة

أخبار29-3-2019 | 09:01

قال السفير مخلص قطب الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان، إنه تم إنشاء مؤسسة "كميت-بطرس غالي" للعمل في تناغم مع الجهات والهيئات المعنية للمساهمة في نشر ثقافة ترسيخ السلام ركيزة الاستقرار وأساس كل تقدم معرفي ومستقبلي، و هو ما دعا له دوما د. بطرس غالى.


وأضاف السفير مخلص قطب، في حديث صحفي اليوم الجمعة، بمناسبة إطلاق فعاليات مؤسسة " كميت - بطرس غالي للسلام والمعرفة"، أن فكرة إنشاء مؤسسة تحمل اسم الدكتور بطرس غالي تخطت مقترح إنشاء جائزة سنوية باسمة لأفضل عمل بحثي ... وكان التوافق حول فكرة أن يكون هناك كيان للعمل اليومي للدفع وتعظيم أفكار "الدبلوماسية الوقائية" التي كان يدعو إليها د.غالي، فهو أحد رواد السياسة الوقائية التي تهدف إلى منع وقوع الصدامات والنزاعات، حيث كان يشدد دائما على أنه لا استقرار ولا تنمية دون سلام.


وأوضح أن فكرة تأسيس "مؤسسة كميت" نبعت من زملاء وأصدقاء وتلاميذ الدكتور بطرس غالي الذين رأوْا ضرورة تعظيم واستثمار أفكار ورؤى هذا الرجل ونقلها إلى الأجيال القادمة، مضيفا أن هذه المؤسسة كانت مجرد حلم في البداية، إلا أنها أصبحت حقيقة بعد أن تم دراستها ووضع أسسها وفلسفتها في إطار استراتيجية وبرامج عمل، وقدم التمويل اللازم الأستاذ ممدوح عباس وهو عضو في مجلس الأمناء وهو أيضا أحد تلاميذ الدكتور بطرس غالي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم حصلت المؤسسة على الصفة القانونية بتسجيلها في وزارة الشئون الاجتماعية.


وأشار أمين عام مجلس حقوق الإنسان إلى أنه قد تم اختيار اسم "كميت"، وهو اسم فرعوني يعني أرض مصر الخصبة السوداء، ليشير في نفس الوقت إلى القارة الأفريقية التي نجد فيها نهر النيل وحوله الطمي، فقد كان بطرس غالي يرى أن مستقبل مصر هو أفريقيا بأكملها وليس نهر النيل فقط وأن مستقبل الغذاء في العالم سيكون في القارة السمراء المليئة بالموارد غير المستغلة، فهي سلة غذاء العالم وهو ما يحدث بالفعل اليوم حيث تتجه دول العالم الكبرى إلى هذه القارة لتأمين مستقبلها الغذائي.


وذكر السفير مخلص قطب أن بطرس غالي هو من أطلق فكرة "التعاون الثلاثي مع أفريقيا"، وتم تطبيقها باعتبار أن الدول الأفريقية، التي لعبت مصر دور هاما في عمليات تحريرها من الاستعمار في عهد جمال عبد الناصر، هي في حاجة إلى مشاريع تنموية، وقد كانت مصر تقوم بدراسة احتياج هذه الدول وتتعاون مع الدول ذات القدرة الاقتصادية العالية لتقوم بدعم وتمويل مشروع تحتاجه هذه الدولة وتتولى مصر بكوادرها عملية التنفيذ لتشغيله؛ وهناك العديد من النماذج المبهرة تم تنفيذها في أفريقيا بدءا من تطوير البنية التحتية إلى تقديم الخدمات الصحية و الاجتماعية ..، وهو ما عرف "بالتعاون الثلاثي" بين مصر والدولة المانحة وأفريقيا مما ساهم في نمو دول أفريقية.


وتحدث مخلص قطب عن بطرس غالي، الذي كان أستاذه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، حيث كان يعرف بالانضباط والنظام ويحترم المواعيد بدقة ، كما انه كان عادلا و يشجع تلاميذه على السعي المعرفي والعلمي، وقد ترك بصمة كبيرة في نفس كل من تعلم منه.


أما عن بطرس غالي، الذي شغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجية في الفترة من 1977 وحتى أوائل عام 1991، فيقول السفير مخلص قطب إن غالي شخصيه مركبة وفي غاية الثراء فهو الأكاديمي الباحث والسياسي المنشغل بمستقبل مصر دوما وهو الأخ الأكبر والصديق الذي يدفع بتلاميذه و زملائه للتزود بالمعارف، وكان يشجع الدبلوماسيين على استكمال الدراسات العليا لنه كان يعتبر أن المعرفة هي التي تفتح الآفاق للنمو والديمقراطية؛ كما كانت له رؤية مستقبلية ثاقبة: ففي لقاء له مع وزير خارجية بريطانيا عام 1983 بالقاهرة ، سأله الوزير البريطاني في نهاية اللقاء عما يقلقه على مستقبل مصر، وفِي الوقت الذي كان يتوقع المسئول البريطاني والحاضرين أن يكون رده الصراع العربي الإسرائيلي على سبيل المثال، اجاب بطرس غالي بأن أكثر ما يخشاه على مستقبل مصر هو الانفجار السكاني، ولم تكن هذه الفكرة تثير أي قلق في هذا الوقت.


وذكر السفير مخلص قطب أن بطرس غالي قد شغل كذلك منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية عام 1991، وعمل كذلك رئيسا لفريق الخبراء الدوليين المعني بالديمقراطية الذي شكلته منظمة اليونسكو.


وقال مخلص قطب إن ما يُعرف عن د.غالي هو أنه أكمل دراسته في الخارج وتبوء العديد من المناصب الدولية والتنفيذية، ولكنه لم يكن بعيدا عن الشارع المصري وكان ابن بلد ومن عائلة ثريه تعيش في قلب منطقة الظاهر بالقاهرة، كما أنه سبق وترشح لانتخابات مجلس الشعب عن الدائرة الخامسة والتي تعرف بأنها تضم أهم الأحياء الشعبية في العاصمة، مضيفا "وقد عملت معه في حملته الانتخابية وقد استغل هذه الفرصة ليذهب إلى كل هذه المناطق في القاهرة من بولاق لباب الشعرية وسيدى الطشطوشى وهى مناطق لم يدخلها أي مسئول من قبله ونجح في كسب ثقتهم، "فقد كان حقا مهندس الدبلوماسية الشعبية كما كان يتم الهتاف له في هذه الجولات". 


وبالنسبة لبطرس غالي الذي تولى منصب أمين عام الأمم المتحدة عام منذ 1992 وحتى 1996 (فترة ولاية خمس سنوات)، فتحدث السفير مخلص قطب عن شخصية د.غالي العادلة والتي لم تقبل بالمساومة، مذكرا بانه قبل انتهاء فترة رئاسته حدث تراشق بين حزب الله وإسرائيل، وكانت الأمم المتحدة تأوي المدنيين في مركز قيادة الكتيبة فيجي التابعة لقوة الأمم المتحدة "يونيفيل" في قرية قانا بجنوب لبنان والتي يرفرف عليها علم الأمم المتحدة، وقد رصد المراقبون الأمميون المتواجدون على الأرض اتصالا بين طائرة هيلوكوبتر إسرائيليه وسلاح المدفعية الإسرائيلي - الذي كان يقوم بقصف لبنان- لتعديل موجة الإحداثيات واستهداف "مجمع قانا" الذي تحمي فيه الأمم المتحدة نحو ألف مدني، وقد سقط في هذه المذبحة عام 1996 العشرات من المدنيين. 


وقدم المراقبون الدوليون تقريرهم حول مذبحة قانا إلى الأمين العام بطرس غالي الذي تلقى عدة اتصالات من مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية التي حاولت إقناعه بعدم نشر هذا التقرير أو بتأجيله، ومع إصراره على نشر التقرير، ذكرته مادلين أولبرايت أنه في نهاية ولايته الأولى كأمين عام ونصحته بالامتثال لمطلب الولايات المتحدة بحجب التقرير، ومع إصراره على موقفه والتزامه الدولي والأخلاقي بضرورة نشر التقرير أنذرته الوزيرة الأمريكية أنه لن يتم تجديد ولايته لفترة ثانية بالأمم المتحدة، إلا أنه أصر على موقفه ونشر التقرير الذي يدين الإسرائيلين كمجرمين حرب لاستهدافهم المدنيين العزل بشكل متعمد، وبالرغم من تصويت جميع أعضاء مجلس الأمن (الـ١٤) على استمرار بطرس غالي كأمين عام للأمم المتحدة لولاية ثانية إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق الفيتو وأنهت ولايته دون تجديد وهي السابقة الأولى في الأمم المتحدة أن لا يمكث الأمين العام لمدتين. 


وتابع مخلص قطب: "ومن وقتها تعلمت واشنطن الدرس بعدم تولى شخصيات قوية سياسيا وذات مصداقية للمناصب الدولية الهامة واللجوء إلى استخراج شخصيه مهنية من العاملين أصلا في المنظمات الدولية لتبوأ هذه المناصب وهو ما شهدناه بالنسبة لكوفي عنان في الأمم المتحدة ود.البرادعي في الوكالة الدولية للطاقه الذرية".


واعتبر السفير مخلص قطب أنه مع اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة إسرائيل على أرض الجولان السورية مؤخرا وكذلك اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك ما صرح به مؤخرا وزير الخارجية الأمريكي أن المبادرة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي سترتكز على الواقع الموجود على الأرض حاليا وهو ما يعنى أن يتم التقسيم في المنطقة على هذه الأسس بهدف تحصين إسرائيل وجعلها القوة الرئيسيّة في المنطقة واستثمار موارد المنطقة لتنفيذ وتعظيم إنجاح هذا المشروع .. وهو ما يؤكد أن نظرة بطرس غالي كانت صائبة عندما رأى أن النظام الدولي الذي تم بناؤه عقب الحرب العالمية الثانية قد انهار وسقط، وأصبح يحكم عالمنا اليوم سياسة القطب الواحد والتي رسمت به الشرق الأوسط الجديد.


وقال السفير مخلص قطب، في ختام حديثه لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن "مؤسسة كميت" تطمح في نشر فكر بطرس غالي وأن يكون لها دور في نشر ثقافة السلام والمعرفة والعمل على تجنب النزاعات قبل الوصول إلى مرحلة الصدام والصراع والحرب والتي عادة ما يليها مفاوضات وصلح ولكن بعد أن تكون الحرب قد قتلت ودمرت، مضيفا أنه سيتم تنظيم مؤتمر دولي كبير يتزامن مع ميلاد الدكتور بطرس غالي ليبحث كيفية نشر فكر "الدبلوماسية الوقائية" ودورها في استقرار السلام ومنع النزعات قبل نشوبها.


يشار إلى أن السفير مخلص قطب مساعد وزير الخارجية الأسبق، كان أحد تلاميذ الدكتور بطرس غالي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعمل في البعثة الدبلوماسية بفرنسا عندما كان بطرس غالي أمين عام المنظمة الدولية الفرانكوفونية عام 1997 ومقرها باريس، واستمر في العمل معه عن قرب ، كما كان يدير حملته الانتخابية في انتخابات مجلس الشعب قبل أن يعمل معه في المجلس القومي لحقوق الإنسان حيث كان بطرس غالي رئيسا للمجلس.