السبت 18 مايو 2024

الوعد المشؤوم..

5-4-2017 | 11:47

بقلم –  سناء السعيد

وعد “بلفور” هو الحدث غير المسبوق الذى استمرت آثاره المؤلمة على الفلسطينيين دون انقطاع طوال العقود العشرة الماضية، ورغم أنه يجسد جريمة مكتملة العناصر وقعت على رءوس الأشهاد دون مواربة وبشكل مباشر وفج، وهى الجريمة التى أقدمت عليها بريطانيا ــ الوجه الاستعمارى الدنيء الذى لا يخشى العقاب ــ عندما منحت إسرائيل هذا الوعد المشؤوم عام ١٩١٧ ليستغله الكيان الصهيونى لتحقيق حلمه بإعلان قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط من الدول الكبرى.

 

مائة عام مرت على هذا الوعد الفاجر الغادر الآثم الذى أعطى فيه من لا يملك من لا يستحق، وهو الوعد الذى ما زال الشعب الفلسطينى يعانى الكثير من جرائه، فلقد زرع إسرائيل كنبتة خبيثة فى قلب العالم العربى، وبالتالى منع قيام الدولة الفلسطينية وتسبب فى هجرة الفلسطينيين من أرضهم وديارهم.

الغريب والمستهجن أن تقدم بريطانيا اليوم على الاحتفال بالذكرى المئوية لصدور هذا الوعد، وكان من الصفاقة والتحدى للمشاعر الفلسطينية والعربية أن توجه حكومة بريطانيا ممثلة فى رئيسة وزرائها “تيريزا ماى” الدعوة لرئيس وزراء إسرائيل لحضور هذه الاحتفالات، فبدلا من أن تشعر بريطانيا بالأسف على الجرم البشع الذى قامت به عندما أصدرت هذا الوعد، تمادت فى غيها عندما أعلنت حرصها على إحياء الذكرى المئوية للوعد الذى حول الفلسطينيين إلى لاجئين، وسلب منهم حق الحياة على أرضهم، وأكدت” ماى” بذلك عدم أسفها على ما اقترفته بريطانيا من آثام، وأكدت بذلك ضمنا عدم اعترافها بحل الدولتين الذى تدعو السلطة الفلسطينية اليوم إلى ترسيخه كحق ثابت للفلسطينيين على أرضهم المسلوبة.

لقد استبقت “تريزا ماى” رئيسة وزراء بريطانيا موعد الذكرى المئوية لوعد بلفور وبادرت فأعلنت تعهد بريطانيا بإقامة حفل لإحياء ذكرى مرور مائة عام على وعد بلفور قائلة: (سنحتفل بهذا الوعد بكل فخر كونه كان أكثر الرسائل أهمية فى التاريخ)!!. ثم وجهت الدعوة لرئيس وزراء إسرائيل نيتنياهو كى يشارك فى الاحتفال، وهكذا أعادت “ماى” بقولها هذا الوجه القبيح لبريطانيا وسياستها الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل، ولهذا سارع نيتنياهو فعلق على الدعوة قائلا: ( إن الدعوة تعبر بوضوح عن عمق العلاقات بين إسرائيل وبريطانيا)، وكان الرئيس الإسرائيلى “رؤوبين ريفلين” قد سلم بدوره وزير خارجية بريطانيا خلال زيارته لإسرائيل فى شهر مارس الماضى رسالة للعائلة الملكية تحمل دعوتها لزيارة الكيان الصهيونى بمناسبة مرور مائة عام على وعد بلفور.

شعور بالأسى والألم غمر الفلسطينيين والعرب على ما آل إليه الأمر، ولهذا بادر الرئيس عباس الأربعاء الماضى وتطرق فى كلمته أمام القمة العربية التى عقدت بالبحر الميت إلى الوعد المشؤوم حيث طالب الدول العربية بدعم ومساندة الموقف الفلسطينى بضرورة وقف أى احتفالات بريطانية بذكرى صدور وعد بلفور، داعيا بريطانيا إلى أن تقدم الاعتذار للشعب الفلسطينى عما ارتكبته فى حقه، وأن تعترف بدولة فلسطينية بدلا من الاحتفال بمئوية وعد بلفور، وهو الوعد الذى جاء ليشطب بجرة قلم حقا مقدسا للفلسطينيين فى أرضهم، والذى أريد به تغيير عوامل الزمن وطمس معالم حق الفلسطينى على أرضه، والذى كان بمثابة بوابة الظلم والإجرام والتنكيل بالشعب الفلسطينى ومقدساته وحقوقه.

الغريب أنه بدلا من أن تشعر بريطانيا بتأنيب الضمير على ما فعلته من آثام، وما ارتكبته من فظائع بحق الشعب الفلسطينى، وبدلا من قيامها بمراجعة سياسية أو فكرية على المستوى الرسمى على مدى عقود منذ صدور هذا الوعد، بدلا من ذلك تخرج اليوم مجددا لتعلن عن عزمها الاحتفال بمرور مائة عام على إصدار هذا الوعد، والمنطق يقول إن استدعاء هذا الوعد كان كفيلا بأن تشعر حكومة تريزا ماى بالخزى لا بالفخر الذى لا مسوغ له هنا، ولاشك أن بريطانيا فى مسعاها ذاك تبدو وكأنها تعاند الحقائق الدامغة وتمعن فى الخطأ أكثر وأكثر وتصر عليه دون مراعاة لمشاعر الضحايا الفلسطينيين، فهل غاب عنها أنها بذلك تمارس ظلما مزدوجا ضد الفلسطينيين؟

وعد بلفور الذى منحته بريطانيا العظمى لإسرائيل يعد سابقة لم يحدث مثيل لها فى تاريخ الاستعمار الأوربى على الإطلاق، وعد بلفور هو الجريمة المكتملة العناصر وكان يتعين على المجتمع الدولى فيما لو كان منصفا أن يدين بريطانيا على فعلتها النكراء فى حق الشعب الفلسطينى، فالحدث مؤلم ويكفى أن آثاره مستمرة دون انقطاع طوال العقود العشرة الماضية، إنها الجريمة التى وقعت على رءوس الأشهاد دون مواربة وبشكل مباشر وفج وأقدم عليها من لا يخشى العقاب....

    الاكثر قراءة