تقرير: صلاح البيلى
بحيرة المنزلة تعانى وفى طريقها للاختفاء!، هذه حقيقة من دون مبالغة، فالبحيرة مريضة بالتلوث وتقلصت مساحتها لأقل من الربع من ٧٥٠ ألف فدان لأقل من ٩٠ ألف فدان ومصرف بحر البقر وحده يصب فيها صرف عدة محافظات وتكفل أصحاب النفوذ بالباقى من ردم البحيرة وتجفيف مساحات شاسعة منها وفرض (حوش ومراحات) داخلها ممنوع الاقتراب منها، علاوة على حجز مساحات كمزارع سمكية لمن يملك المال والسلاح ومنع صغار الصيادين من الاقتراب منها، وإلا فضرب النار مصير كل من يقترب للصيد فى مناطق النفوذ.
وفى ظل هذا الوضع اختفت أنواع فخمة من السمك وبقى الشبار والطوبار والقراميط وبنسب تلوث عالية علاوة على انتشار الأمراض الفتاكة بين الصيادين من الفشل الكلوى والكبد الوبائي، الصورة قاتمة، وهذا التحقيق صرخة لعل بحيرة المنزلة تنجو من الإعدام وموت محقق.
أكبر مشكلة تواجه الصيادين هى مصرف بحر البقر، هكذا بدأ الصياد الشاب إبراهيم الحمس كلامه - فالمصرف يصب مياها فى عدة محافظات من القاهرة للشرقية والدقهلية فى البحيرة، علاوة على عدم تطهير بوغاز الجميل ما أدى لعدم تجديد مياه البحيرة واختفاء أنواع فخمة من الأسماك مثل (ثعبان البحر والجمبرى والكابوريا والسردين) واقتصرت أنواع السمك على الشبار والطوبار والقراميط، ومع ذلك فالبحيرة أصبحت فقيرة فى السمك فقد أظل اليوم كله من الفجر للعصر دون أن أصطاد ما أستطيع بيعه والإنفاق منه على عيالى . لذلك تحولت من صياد أصيل لبائع خضار متجول داخل البحيرة أبيع للصيادين ولسكان الأحواش والجزر وأنا فى مركبي!
ويؤكد الصياد الشاب محمد حسين أن غياب الماء المالح عن البحيرة حولها لماء راكد، والسبب عدم فتح وتطهير بوغاز الجميل عند مدخلها فى بورسعيد وكانت النتيجة أن انتشر ورد النيل أو ( البشنين ) وهو يعوق عملية الصيد وينشر التلوث !
ويشير الصياد محمد شوقى سليم إلى مشكلة استيلاء أصحاب المزارع داخل البحيرة على أجزاء كبيرة منها ومنعهم صغار الصيادين من الاقتراب ويقول: انتشار البلطجية جعلنا لا نستطيع الاقتراب من مناطق النفوذ وإلا مصير من يقترب رصاصة!
ويثير الصياد السيد الشناوى (٥١ سنة) إلى مشكلة أخرى وهى ردم البحيرة ويقول: قام سكان المطرية وبورسعيد ودمياط بردم أجزاء واسعة من البحيرة إما لبناء عمارات سكنية أو استخدامها فى الزراعة ما أفقدنا ثلاثة أرباع البحيرة !
ويقول صلاح العاصى (صياد عمره) ٣٩ سنة: لقد أدت الأحوال المزرية بأن طفش صيادو البحيرة للصيد فى البحر الأحمر ويتعرضون دوما للخطف أو القبض عليهم عند سواحل السودان؛ لأن البحيرة لم يعد فيها الخير كأيام زمان فلا نوعيات جيدة من السمك ولا كميات مربحة وأصحاب النفوذ حجزوا مساحات شاسعة لأنفسهم وسوروها بالسدة والقش وحولوها لأحواش خاصة فى غياب الرقابة والأجهزة الحكومية، ماذا نفعل لم يعد أمامنا إلا الصيد فى البحر عند سواحل السودان واليمن وإريتريا وجيبوتى فى البحر الأحمر أو عند ليبيا فى البحر المتوسط؛ لأننا لا نعرف لنا مهنة أخرى غير الصيد، لقد تحولت أجزاء كبيرة من البحيرة لملكية خاصة وعن نفسى حصلت على دبلوم ترسانة بحرية وكلما نزلت للصيد لا أقدر على الوفاء بحاجة أسرتى من
إيجار شهرى للشقة ومصاريف يومية فكيف أعيش ؟!
ويقول ياسر محمد متولى إبراهيم صبح (صاحب كشك شوى سمك على شاطئ البحيرة): لقد تحولت البحيرة لماء راكد وبركة عفنة من التلوث، علاوة على أن لنش الصيد الواحد وسعره من ٢٠ إلى ٥٠ ألف جنيه عرضة للسرقة غصبا من البلطجية فلجأ كثير من الصيادين لهجرة البحيرة للصيد فى البحر الأحمر فقل الوارد من البحيرة وبالتالى قل عملى جدا ومع ارتفاع أسعار السمك صرت أقدر على تدبير معاش أسرتى المكونة من خمسة أفراد بالكاد.
وينعى الحاج فؤاد زكى (٦٦عاما) زمان ولى قائلا: الله يرحم أيام زمان عندما كنا نأكل من البحيرة الجمبرى واللوت والقاروص والكابوريا والبورى الممتاز، كانت المياه المالحة تأتيها من البحر المتوسط عبر بوغاز الجميل والمياه خالية من التلوث وكانت البحيرة للصيادين الغلابة، أما اليوم فصارت لأصحاب النفوذ ولصوص الزريعة ولم تعد تنتج غير الشبار والطوبار والقراميط وبجودة أقل لأنها مريضة وسقطت من حسابات المسئولين.
ختاما ينعى المحامى حسن الملهاط المنسق العام للجنة الدفاع عن صيادى البحيرة الوضع الراهن قائلا: تقلصت مساحة البحيرة لأقل من الربع واختفت حدودها مع الشرقية والإسماعيلية ومصرف (بحر البقر) الذى يصب بجوار (جزيرة ابن سلام) داخل البحيرة حولها لأكبر كارثة بيئية والحل النهائى له هو نقله لسيناء لزراعة الأراضى الصحراوية عليه، أما الحل الجزئى فهو خضوعه لمعالجات كيميائية لتنقية المياه من مخلفات المصانع التى تلقيها فيه وهو يمر بعدة محافظات، أيضا لابد وعلى وجه السرعة من تطهير (بوغاز الجميل) لدخول الماء المالح للبحيرة وتجديد شبابها والقضاء على التلوث.