تقرير: مروة سنبل
شكًل سقوط جماعة الإخوان فى مصر ضربة قوية للتنظيم وفروعه على مستوى العالم؛ ليصبح إخوان مصر عبئًا على التنظيم وبدأت فروع الجماعة فى العديد من البلدان تتخذ خطوات لفك ارتباطها بالتنظيم ولو ظاهريا؛ لتتحل من عبء الانتماء الذى يعيق تحركاتها وعلاقتها مع بعض الأطراف العربية والدولية.
فبعد مرور ما يقرب من ٣٠ عاما على تأسيسها، تستعد حركة حماس خلال الأيام المقبلة لطرح وثيقة سياسية جديدة تعد هى الأولى من نوعها منذ تأسيس الحركة عام ١٩٨٧. وتفيد المعلومات من مصادر مطلعة لـ»المصور» بأن النقاشات حول صياغة الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس فى مراحلها الأخيرة.
الوثيقة السياسية الجديدة لـ»حماس» والمنتظر الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، تم البدء فى إعدادها منذ عامين تقريبا وسط حالة من الجدل فى بعض بنودها – حسبما تؤكد المصادر – مشيرة إلى أن الحركة انتهت من صياغة المسودة النهائية للوثيقة السياسية وتم توزيعها على قيادات المكتب السياسى للحركة وأعضاء مجلس الشورى العام، كما تم وضع اللمسات النهائية على الوثيقة الجديدة التى تشكل برنامجا سياسيا جديدا للحركة، وذلك لإعادة تعريف الحركة لنفسها؛ فى محاولة منها للخروج من أى عزلة عربية ودولية.
أما أبرز ملامح الوثيقة السياسية الجديدة لـ»حماس» نجد أن الوثيقة - التى لم تعلن رسميا بعد – لا تشير إلى وجود أى رابط تنظيمى بين حماس وجماعة الإخوان، وهى نقطة أساسية ومهمة تسعى من خلالها لفك ارتباطها بالإخوان؛ حيث تفيد المصادر أن حماس ستتجنب فى الوثيقة الجديدة ذكر جماعة الإخوان كجهة تنظيمية تنتمى إليها، وهو ما اعتبرته المصادر محاولة منها للتخلص من أعباء كونها أحد أجنحة الإخوان، الأمر الذى يتعارض مع نص المادة الثانية من الباب الأول من ميثاق حماس الأساسى الذى أقرته عام ١٩٨٨ والذى ينص صراحة حسب ميثاق تأسيسها على «أن حماس جناح من أجنحة الإخوان بفلسطين».
وقد جاءت إشارات على لسان موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى لحماس فى تصريحات تليفزيونية منذ شهور أكد خلالها أن الحركة تسعى لإعلان وثيقة جديدة تثبت انفصالها تنظيميا وإداريا عن الإخوان حيث قال «الحركة فى طريقها لإصدار وثيقة جديدة تتناسب مع عملها ومنطلقاتها وسياساتها الجديدة خلال الفترة المقبلة»، مؤكد أن قسم الولاء والطاعة داخل حماس لقيادة الحركة وليس لتنظيم جماعة الإخوان». ما يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة هذا الانفصال، وهل ستكتفى الحركة بالتأكيد على أن ارتباطها بجماعة الإخوان إنما هو ارتباط فكرى وليس تنظيميا، ذلك فى الوقت الذى تؤكد فيه المصادر على أن الوثيقة السياسية الجديدة ليست بديلا عن الميثاق التأسيسى لحماس، وإنما هى وثيقة جديدة لبرنامج سياسى يتعامل مع الواقع الحالى، من منطلق أن الظروف الإقليمية لا تساعد حركة حماس فى البقاء ضمن دائرة الإخوان، الأمر الذى يعيق علاقاتها مع بعض الأطراف العربية على رأسها مصر التى تضع الجماعة على قوائم الإرهاب.
وتتضمن الوثيقة أيضا الحديث عن نبذ الإرهاب والابتعاد عن الغلو والتشدد كونه ليس من سمات الدين الإسلامي. كما ستؤكد الوثيقة على عدم تدخل الحركة فى الشئون الداخلية لأى دولة عربية، بل إن هدفها مقاومة الاحتلال للأراضى الفلسطينية، وأن مقاومتها فقط داخل حدود فلسطين.
و تشمل أيضا الوثيقة الجديدة تعديلات فى مواقف الحركة وفقا للمتغيرات السياسية بالمنطقة، وأبرزها هو القبول بدولة فلسطينية على حدود يونيو ١٩٦٧ ، دون الاعتراف بإسرائيل والتأكيد على حق الفلسطينيين فى أرضهم كاملة وحقهم فى المقاومة بكافة أشكالها، وتفيد المعلومات بأن حماس ستقوم فى وثيقتها السياسية الجديدة باستبدال كلمة «اليهود» فى خطاباتها بكلمة «احتلال» والتأكيد على أنها لا تستهدف اليهود كفئة دينية بل إن هدفها مقاومة الاحتلال.
وكان القيادى فى حركة حماس أحمد يوسف، نشر مقالا له الشهر الماضى قال فيه «أخرجت حركة حماس فى وثيقتها السياسية الجديدة اليهود الذين هم خارج دائرة الاحتلال ومعادلة العدوان من حسابات العداء، وقد أوضحت الوثيقة الجديدة أن صراعنا مع الاحتلال هو على أرض فلسطين ولا نستهدف فى مقاومتنا أحدا من هؤلاء اليهود الذين يقيمون خارج أرضنا المحتلة».
ومن البنود التى كانت محل جدل أيضا بين قيادات الحركة بخلاف البنود السابقة نجد ما تنص عليه الوثيقة حول موقف حماس من المذهب الشيعى وعلاقاتها بإيران وحزب الله، وتم حسم الجدل فى مجلس الشورى بالاستناد لفتوى ليوسف القرضاوى، اعتبر فيها أن الشيعة مبتدعون ولكنه لا يكفرهم. وتشير المصادر إلى أن الوثيقة السياسية التى تعتزم حماس إصدارها ستكتب باللغتين العربية والإنجليزية، ولن تكون بديلة عن الميثاق الأساسى للحركة، ولكنها أشبه بتعديلات فى ظل المتغيرات السياسية التى تشهدها المنطقة فى السنوات الأخيرة، فى محاولة لإعادة تسويق الحركة لنفسها من جديد لدى الرأى العام، والمجتمع العربى والدولي، مما سيساعدها على الاتصال بالمجتمع الدولى وبالدول العربية.
وحول الغرض من الوثيقة الجديدة لحماس وهل تعد وثيقة تكتيكية أم تغييرا فى الأيديولوجيات يفرضه الواقع.. يقول المحلل السياسى الفلسطينى طلال عوكل فى تصريحات خاصة لـ”المصور” : إن الحديث يطول عن تغييرات فى وثيقة سياسية تختلف عن المثياق الأساسى للحركة، فالميثاق التأسيسى لحماس سيبقى كما هو، ولكن الوثيقة الجديدة تعتبر برنامجا سياسيا يتعامل مع الواقع الجديد.
وحول إمكانية فك الارتباط فعليا بين حماس والإخوان خاصة أن الميثاق التأسيسى للحركة ينص صراحة على أنها أحد أفرع جماعة الإخوان فى فلسطين يقول عوكل: الوثيقة الجديدة التى تعتزم حماس إصدارها هى وثيقة “تكتيكية” مشيرا إلى أن الأمر له علاقة بالمتغيرات التى أدت بحزب النهضة فى تونس إلى إجراء تغييرات على بعض مواقفه، ويمكن أن تؤدى بحركة حماس إلى إصدار مثل هذه الوثيقة وإجراء مثل هذه التغييرات، لكن ما أن تنتهى الظروف نعود إلى الميثاق وهو الأصل. ويضيف: هو مجرد تكتيك سياسى يتعامل مع المتغيرات ليس أكثر؛ لأن الأصل الأيديولوجى سيظل قائما كأساس فى إنتاج فكر حماس أو الحركات الإسلامية الأخرى.
ويتوقع المحلل السياسى الفلسطينى طلال عوكل أن حماس لن تقطع علاقتها بالإخوان وأضاف: ما نتمناه أن توطن حركة حماس نفسها وأن تأخذ بالخطوط التى تساعدها فى أن تندمج فى الحركة الوطنية الفلسطينية أولا؛ ثم أن تقيم علاقاتها مع المحيط العربى والدولى بشكل صحيح كما ينبغى لأى قوى وطنية. لافتا إلى أن حركة حماس لم يعد لديها خيارات، فطموحات الإخوان فى المنطقة ضربت بقوة ابتداءً من مصر. لذلك لا تستطيع حركة حماس أن تعلق نفسها ومصيرها بمستقبل غامض أو ببرنامج لم يعد بالإمكان أن يحقق نجاحا فى المنطقة إذاً هناك دوافع عديدة تدعو الحركة إلى أن تتجه نحو الأخذ بهذه المتغيرات.
واستبعد عوكل أن ينتج عن التناقض بين الوثيقة المنتظرة والميثاق التأسيسى للحركة حدوث انشقاقات بداخلها، مشيرا إلى أن هناك شعورا عاما فى حركة حماس بالحاجة للتماسك، ولفت عوكل إلى أن الوثيقة الجديدة خضعت لنقاشات طويلة واستشارات خارجية ونصائح عديدة من قبل تركيا وحزب النهضة التونسى برئاسة راشد الغنوشى على سبيل المثال.
وعن الخلاف فى الوثيقة الجديدة حول موقف حماس من المذهب الشيعى وإيران يقول عوكل: الحركة قبل فترة اتخذت إجراءات صعبة بحق بعض المتشيعين فى قطاع غزة وعددهم ليس كبيرا، لكن ما يمكن قوله الآن أن حماس تحرص على أن تستعيد علاقاتها بإيران ولذلك تتراجع هذه الحالة من التشديد على موضوع التشيع، وهى من خلال هذه الوثيقة تريد أن تقيم علاقات مع السعودية ومع إيران فى نفس الوقت، لذلك فتبنى خط المقاومة سيمهد لها أن تستعيد علاقاتها بإيران بدون أن تصطدم بالتشيع، لأنه طالما عرفت نفسها باعتبارها حركة وطنية فلسطينية إذا لن يكون هناك اهتمام كبير بمسألة سنى أو شيعى بالنسبة لها، وبالتالى يطغى الجانب السياسى على هذا الجانب المذهبى أو الأيديولوجي.
من جانبه يقول هشام النجار الباحث فى الحركات الإسلامية فى تصريحات لـ»المصور»: أن الوثيقة الجديدة التى تعدها الحركة والتى من المزمع إصدارها، ستحرص على عدم التطرق للارتباطات الأيدلوجية والفكرية للحركة نفيًا للحرج عن حماس، ولعدم تثبيت وصفها بالحركة المخادعة التى سرعان ما تتخلى عن شركائها وحلفائها فى أوقات أزماتهم خاصة أن حماس قد تخلت عن أهم وأكبر داعميها وهى دولة سوريا عندما وقعت سوريا فى المحنة والحرب، وانتقلت حماس من خندق الممانعة والمقاومة الذى يضم حزب الله وإيران إلى خندق تركيا وقطر ونقلت إقامة قياداتها من دمشق إلى الدوحة، لذلك من المنتظر ألا تتعرض الوثيقة لارتباطات أيديولوجية بإعلان انفصال كامل عن الإخوان بشكل مباشر وواضح، ونتوقع أن تركز على الطرح السياسى وستعكس طبيعة الحركة البراجماتية لتجد لنفسها دورا ومكانا فى الساحة الفلسطينية والإقليمية مع المتغيرات والمستجدات التى طرأت على المنطقة.
ويضيف النجار: حماس اعتادت وصف نفسها كونها حركة تحرر وطنى فلسطيني، وفى باب ميثاقها الأول تعريف واضح بنفسها أنها أحد أجنحة حركة الإخوان فى فلسطين لكن المجال هنا لا يستدعيها بشكل كامل لتغيير هويتها أو التطرق لهذا الأمر لان هذه الخطوة لا تقدم ولا تؤخر مع حركة تخضع مساراتها ومواقفها وتحالفاتها للمصالح وهو ما يجعلها تتحول من هذا المحور لذاك حسب مصالحها ووضعها السياسى، وحماس أعلنت قبل ذلك كثيرا أنها لا تربطها أى صلات مع جماعة الإخوان، وهذا تفسره كل مرة بشكل مختلف حسب طبيعة المرحلة فإذا كانت جماعة الإخوان فى موقف قوة وحضور ونفوذ فسرته بالارتباط الكامل بما فيه الإدارى والتنظيمى أما فى حال ضعف الجماعة ووقوعها فى أزمة فحماس تفسر هذا الارتباط بالمشاركة فقط فى الفكر واعتناق بعض المبادئ والمنطلقات الإسلامية العامة دون ارتباط إدارى وتنظيمى كامل.
ويرى النجار أن الوثيقة الجديدة لحماس المنتظر إصدارها رسميا هى خطوة تكتيكية تسعى حماس من خلالها إلى إنهاء عزلتها وإقامة علاقات عربية ودولية ومن المتوقع أن تحرص على عدم ذكر موقفها من الإخوان، مكتفية بتعريف نفسها كحركة تحرر وطنى فلسطين، ومن المنتظر أن تستبدل بعض المصطلحات ك “محاربة اليهود” واستبداله بـ”محاربة الاحتلال”.