الثلاثاء 28 مايو 2024

«الهلال اليوم» تخترق وكر «إيجار» الفتيات للأثرياء العرب.. العذراء 15 ألف

5-4-2017 | 15:38

عرب الجهينة- عرب الصوالحة– مركز شبين القناطر – بمحافظ القليوبية، قريتان مصريتان تحولتا إلى قبلتين جديدتين يقصدهما الخليجيون الراغبون في الزواج السياحي من الفتيات القاصرات التي تتراوح أعمارهن بين 14 إلي 17، مقابل حفنة من الجنيهات، تحت مسميات عديدة منها "الزواج العرفي، وزواج المتعة". لتصبح القليوبية ثاني محافظات القاهرة الكبري بعد الجيزة التي تنتشر فيها هذه الظاهرة.

وأرجع خبراء علم الاجتماع الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة إلى الفقر والجهل والعوز، محذرين من خطورتها على المجتمع، وأكدوا أنها كارثة اجتماعية وأخلاقية، فيما اعتبر المتخصصون في العقيدة والفلسفة الإسلامية أن هذه الظاهرة تعد نوعا من النخاسة البعيدة كل البعد عن الزواج.

ووسط التعتيم الشديد والحيطة الكبيرة التي يتخذها أهالي القريتين خوفا من افتضاح الأمر خاصة أمام وسائل الإعلام استطاعت بوابة "الهلال اليوم" أن تخترق حوائط التعتيم والتكتم لتكشف أمام الرأي العام سر هذه الصفقات وطريقتها وأسعارها، والأماكن التي تتم بها، إضافة إلى الدور الذي يلعبه كل مشارك في سبيل نجاح وإتمام مثل هذه الصفقات.

السمسار

 يلعب السمسار الدور الأكبر في اتمام هذه الصفقة باعتباره المنسق العام لها، حيث يلجأ إليه الثري العربي لمساعدته في الحصول على الفتاة التي تحمل المواصفات الجسدية التي يرغب بها، ومن ثم يقوم السمسار بالتواصل مع “الخاطبة”، ثاني عنصر من عناصر اتمام الصفقة، والتي بدورها تختار الفتاة الأقرب للمواصفات المطلوبة، لأنها تعرف مواصفات كل الفتيات الموجودات بالقريتين، ثم  يختار السمسار، إحدي المقاهي الشعبية، التي تنتشر بكثرة هناك، لتكون المكان الذي يجمع بين الثري، ووالد الفتاة الضلع الثالث في هذه المعادلة، ليتفقوا سويا على بنود الصفقة ومدتها، وإبرام العقد الذي غالبا ما يتم تحريره حماية للزوج من الوقوع في المساءلة القانونية، إذا ما تم استيقافه بصحبة الفتاة.

تتضمن الصفقة عدة بنود أهمها، أن يقوم الثري بدفع ما قيمته 15 الف جنيه لوالد الفتاة إذا كانت بكرا "عذراء"، و10 آلاف إذا سبق لها الزواج، يتم خصم 4 آلاف جنيه من القيمة الإجمالية للمبلغ تحت بند العمولة التي تقسم مناصفة بين السمسار، والخطبة، وبموجب عقد زواج عرفي محدد المدة بين 7 إلي 10 أيام، يقوم بتحريره بعض مكاتب المحامين المتخصصين في هذا الشأن، من نسختين، إحداهما مع الزوج، والثانية يحتفظ بها والد الفتاة، ثم يصطحب الثري العربي الفتاة لتقيم معه المدة المحددة كما جاء في نص العقد.

الفتاة

ثم يأتي بعد ذلك دور الفتاة، محور الصفقة، والتي يجب عليها أن تقدم كل فروض الطاعة والولاء والمتعة والإمتاع لزوجها، مع أخذ كل التدابير اللازمة للحيلولة دون حدوث الحمل، حيث يشترط الثري أنه في حال حدوث الحمل لن يتحمل أي مسئولية تجاه ذلك، وعليه فإن الفتاة يجب أن تحتاط  لذلك، وبعد الانتهاء من المدة المحددة يلتقي الجميع مرة أخري ليقوم كل طرف أمام الطرف الآخر بتمزيق عقد الزواج العرفي الذي بحوزته، ويكون الخليجي أشد حرصا علي تنفيذ ذلك حتي يتلافي ما قد يحدث له بعد ذلك إذا لم يتأكد من تمزيق العقدين بنفسه.

 اقتربت "الهلال اليوم" أكثر فأكثر من بعض الضحايا للتعرف على الظروف التي أوقعت بهن في هذا الموقف الصعب، وبعد محاولات عديدة اقتنعت أخيرا "آمال .ش 22 عاما"، إحدي الفتيات اللاتي وقعن فريسة لأموال الأثرياء بسبب الفقر، والعوز، أن تحكي لنا قصتها والظروف والملابسات التي أودت بها لهذا الحال، شريطة ألا يتم التسجيل الصوتي، أو التقاط أي صور فوتوغرافية لها.

فتش عن الفقر

تحكي عن نفسها قائلة أنها تنتمي لإحدي العائلات الفقيرة بقرية عرب جهينة، ومنذ نشأتها وجدت والدها رجلا فقيرا جدا يعمل كسمسار للزواج، وبالكاد يوفر لها ولأخواتها الصغيرات وجبة طعام واحدة خلال اليوم، كما أنهم كانوا يقطنون بمنزل عشوائي بالإيجار، مبني بالطوب اللبن، سقفه من الحطب ومن ثم تتساقط عليهم الأمطار خلال فصل الشتاء، ناهيك عن البرد القارس الذي كانوا يتعرضون له من جراء ذلك، وعندما بلغت الـ 16 عاما قام والدها ببيعها لثري خليجي تجاوز عمره الـ 60 عاما مقابل 15 ألف جنيه لمدة أسبوع أفقدها خلالها عذريتها.

 كما أكدت أنها بعد ذلك تزوجت بنفس الطريقة 3 مرات أخري، ولكن هذه المرة بمقابل مادي أقل بلغ 10 الآف جنيه، لأنها قد سبق لها الزواج، وأضافت أن لها ثلاث أخوات أخريات، هن ص 20 عاما، وه 19 عاما، وأصغرهن وتدعي ن 17 عاما، تزوجن بنفس الطريقة أكثر من مرة مقابل الجنيهات.

 واختتمت كلامها مؤكدة إن مستوي معيشتها هي وأسرتها قد تحسن للأفضل بسبب هذه الزيجات التي تدر عليهم أموالا كثيرة مكنتهم من شراء مسكن خاص بهم بعدما كانوا يسكنون في منزل بالإيجار .

الخليجيون يحترموننا

 كما التقت "الهلال اليوم"، بثلاث فتيات أخريات هن "أحلام وسهام وشيماء" ، يعملن بإحدي الصيدليات، تتراوح أعمارهن بين 17 إلى 20 عاما تزوجو أكثر من 4 مرات من أثرياء عرب بنفس الطريقة لمدد لم تتجاوز الـ 10 أيام، كما قالوا أن الزواج بهذه الطريقة أصبحت مهنتهم التي تدر عليهن الأموال الطائلة، وبسؤالهن عن سبب تواجدهن بتلك الصيدلية إذا ما كان زواج المتعة مهنتهم ، قالوا أنهن يضطرن للعمل خلال فصل الشتاء في مهن أخري كعاملات بهذه الصيدلية لما يواجهنه من ركود الطلب عليهم في هذا الفصل خاصة مع تراجع السياحة العربية عامة بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد خاصة في الشتاء، ولكن خلال الصيف يستغللن  كل دقيقة تتاح لهم للزواج من الأثرياء العرب لجمع أكبر قدر ممكن من الأموال تعينهم على المعيشة في الشتاء، وبسؤلهم عن السبب وراء عدم زواجهم بنفس الطريقة من مصريين، أكدن عن تجربة واقعية أن الخليجيين خلال فترة الإقامة معهم يحترموهم إلى أقصى درجة في حين أن المصريين يعتبرون الفتاة ساقطة، ومن ثم ممكن أن يقدموها كهدية لأصدقائهم خلال فترة الإقامة معهم.

إلى هنا قد يبدو الأمر طبيعيا، لكن الخطير في الأمر هو تخصص أكثر من 5 عائلات هناك في تقديم بناتهن لراغبي الزواج "المؤقت" مقابل الأموال ما يعني أنها أصبحت مهنتهم التي يقتاتون منها.

لا إحصائيات

وبعرض هذه الظاهرة على المراكز البحثية التي تهتم بالمرأة مثل المركز المصري لحقوق المرأة، ومركز قضايا المرأة، أكدوا عدم وجود احصائية دقيقة حول عدد القاصرات المصريات اللاتي تزوجن من أثرياء عرب لصعوبة الوصول إلى الضحايا خاصة في هاتين القريتين، لأن تلك الممارسات تتم بطرق غير قانونية وفي تكتم وسرية تامة ومن ثم لا يتم الإبلاغ عنها، إلا أنهم أجمعوا على أن هذه النوعية من الزيجات تعتبر في حقيقتها استغلالا جنسيا لجسد الفتاة القاصر، كما أنها تفرغ مضمون وروح الزواج الحقيقي المعروف والمعهود، كما أجمعوا علي وجود العديد من السماسرة فى بعض القرى الفقيرة للمتاجرة بهؤلاء القاصرات، خاصة لكبار السن وراغبى المتعة من العرب .

أمراض خطيرة

 وارجعوا السبب وراء اتجاه الأسر للزواج السياحي إلى الفقر الذي تبلغ نسبته 80%، ومن ثم كان هذا النوع من الزواج  بدافع البحث عن الثراء السريع للتخلص من الفقر، مؤكدين أن الكارثة في هذه النوعية من الزيجات تتمثل في أن الفتاة تظل تتزوج دون مراعاة حتى لشهور العدة مما يصيبهن بأمراض خطيرة جدا يصل بعضها إلى الوفاة، خاصة أن الفتيات في الغالب يستخدمن وسائل منع الحمل في السن المبكرة، مما يؤثر بشكل كبير على صحتهن الإنجابية، بالإضافة للاضطرابات الهرمونية التي تحدث بسبب تلك العقاقير.

 وشددوا على ضرورة أن تتحمل  الدولة المسؤولية كاملة في حماية الأطفال من هذا النوع من الزواج، وطالبوا بضرورة اصدار تشريعات جديدة في هذا الاطار .

نخاسة ورقيق

 وبدورها طالبت الدكتورة آمنة نصير - أستاذ العقيدة والفلسفة - بجامعة الأزهر، كل وسائل الإعلام بتسمية هذا الظاهرة  بمسميات أخرى بعيدا عن الزواج كـ" النخاسة،بيع الرقيق، الإستعباد، الإتجار بالبشر"، مضيفة أن هذه الظاهرة عبارة عن استمتاع الرجل بالمرأة مقابل شيئ من المال لمدة معينة، لتنتهي العلاقة من غير طلاق، وليس فيها  وجوب نفقة ولا سكن،ولا توارث يجري بينهما إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة “الزواج”.

وأكدت أستاذ العقيدة والفلسفة - بجامعة الأزهر أن زواج القاصرات سواء المؤقت أو غير المؤقت مخالف للشرع جملة وتفصيلا، موضحة أن الشريعة الإسلامية تحرم وتجرم زواج القاصرات بصفة عامة لأن "العقد لا بد أن يبنى عن رضا واختيار، والرضا والاختيار ينشأ عن البلوغ والعقل والرشد الذي يعني حسن النظر في الأمور والتدبر فيها .

 واختتمت كلامها مطالبة وسائل الإعلام  المختلفة بتحمل مسئوليتها في توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة حتى يتم القضاء عليها نهائيا .

انتشار مرعب

وحول خطورة انتشار هذه الظاهرة من الناحية الاجتماعية أوضحت الدكتورة إنشاد عز الدين، استاذ علم الإجتماع العائلي بكلية الآداب بجامعة المنوفية، أن الظاهرة منتشرة وبدأت تجتاح المجتمع المصري، وأنه لم يتم رصد دقيق لبداية انتشارها لكنها مع بداية التسعينيات من القرن الماضي انتشرت وبشكل مكثف، مضيفة أن زواج القاصرات من البنات لمن يدفع أكثر هو النوع الأكثر شيوعا في عدد من المناطق المصرية وخصوصا الريف  لأنه يعاني من مرارة الفقر والجهل والتخلف وأشارت استاذ علم الإجتماع العائلي إلى أن الفئات العمرية ما بين 12 و16 عاما هى الأكثر طلبا في نظام الزواج السياحى تليها الفئة العمرية من 16 و18 فى المرتبة الثانية.

 كما أكدت أن ظاهرة زواج القاصرات في مصر من أثرياء عرب تعد من الكوارث الاجتماعية والأخلاقية التي يمكن أن تدمر الأسرة المصرية، منبهة إلى أنها على الرغم من كونها ظاهرة قديمة وموروثة إلا أنها انتشرت في السنوات الأخيرة بصورة خطيرة ومرعبة .

 وحول الأضرار الاجتماعية التي تتسبب فيها هذه الظاهرة أكدت أن زواج القاصرات له آثار سلبية كثيرة سواء علي المجتمع المصري بصفة عامة أو علي الفتاة  بصفة خاصة، حيث يعرضهن لخطر الإنحلال الأخلاقي والإنحراف لإشباع رغباتهن الجنسية، كما أنه بسبب تفكك الأسرة الصغيرة التي تؤثر بدورها على تفكك المجتمع، كما أن غيرة الفتيات من بعضهن البعض قد يؤدي إلى إنخراط العديد منهن للوقوع في هذه النوعية من الزيجات لتحقق ما حققته الأخريات خاصة فيما يتعلق بالثراء السريع.