عشر دقائق فى غرفة خرسانية أسمنتية سميكة الجدران.. ذات باب حديدى يزن عدة أطنان مغطى بالرصاص والشمع لمنع التسرب.. هنا يرقد المريض لتلقى جلسة العلاج الإشعاعى، وفى غرفة مجاورة معروفة بغرفة التحكم يتابع الطبيب والفنى الجلسة من خلال كاميرات.. يوميا يتردد المريض لفترة تتراوح من أسبوع إلى ستة أسابيع حسب كل حالة.
«وليد» فى الثلاثينيات من العمر ترددت شكاواه من «بحة فى الصوت» استمرت لعدة أشهر اعتبرها من علامات نزلات البرد ومع زيادة البحة لدرجة ضياع الصوت فى بعض الأوقات نصحه الطبيب بالتوجه لمعهد الأورام ليكتشف إصابته بورم فى الحنجرة ويبدأ علاجه الإشعاعى، «وليد» حالة من بين أربع حالات تحصل على العلاج الإشعاعى بالمعهد سنويا، الأجهزة .. كامل العدد، العمل قد يستمر لنحو ١٢ ساعة يوميًا.
من جانبها قالت د.ريم عماد الدين، مدرس العلاج الإشعاعى، ونائب مدير المستشفى بالمعهد القومى للأورام: العلاج الإشعاعى جزء مهم جدًا فى علاج الأورام، وتوجد تطورات مستمرة فى تكنولوجيا العلاج الإشعاعى والتطور المستمر، يهدف إلى توصيل جرعة مؤثرة من الإشعاع لمكان الورم للقضاء عليه مع الحفاظ على الأنسجة السليمة المحيطة بالورم، وبالتالى هنا تقل معاناة المريض وتزيد فرص الشفاء، والمعهد يقدم العلاج الإشعاعى بالمجان لنحو ٤ آلاف مريض سنويا بواقع ٣٢٠ حالة يوميا تقريبا، والقسم توجد به نحو خمسة أجهزة والجهاز الواحد يعمل بمعدل ٨٠ حالة يوميًا، وهذا الرقم كبير جدًا، ويظل الجهاز يعمل لفترات طويلة قد تصل إلى ١٢ ساعة فقد يستمر العمل للساعة الثامنة ليلا.
نائب مدير المستشفى، أكملت بقولها: من بين هذه الأجهزة يوجد جهاز العلاج الإشعاعى عن قرب، ويعتبر الجهاز الوحيد فى مصر، وميزة هذا الجهاز أنه عن طريق مواد مشعة صغيرة تدخل على الجزء المصاب بالتحديد، ويتم استخدامه فقط فى حالات أورام الجهاز التناسلى للمرأة، بحيث يتم توصيل الجرعة المحددة للمكان المصاب دون إيذاء الأجزاء أو الأنسجة المجاورة، ويستخدم لنحو ثلاث حالات يوميا، الجهاز فى الخارج يتم استخدامه أيضًا فى حالات أورام البروستاتا وأورام الفم، لكننا لم نستخدمه حتى الآن لهذه الحالات، لأنه يحتاج تخصصا دقيقا جدا وكوادر قادرة على تشغيله بدقة وكفاءة عالية، ويتم استيراد المواد المشعة الخاصة به، أما بقية الأجهزة لا تحتاج مواد مشعة، حيث تخرج الإشعاع بطريقة صناعية، أيضا يوجد بالإضافة لهذه الأجهزة جهاز التخطيط بالأشعة المقطعية ويستخدم للتخطيط للعلاج، ومع حجم العمل هذا وطول فترة العمل لدينا قائمة انتظار تصل لمدة شهر، هذا لأن المعهد يستقبل المرضى من مختلف المحافظات لأنه يقدم الخدمة بالمجان».
وتابعت: «للوصول للعلاج الإشعاعى تمر الحالة بعدة مراحل، فأولا الأطباء يحددون الحالة والأشعة المقطعية لتحديد مكان الورم ثم الفيزيائيين يقومون بحساب الجرعة بدقة، تم تعرض على الطبيب للموافقة عليها ثم الفنيين.
أمان المريض والأطقم العاملة أمرا فى غاية الأهمية- حسب قول د. ريم»-يوجد أيضًا مسئول حماية ووقاية إشعاعية معتمدة من هيئة الطاقة النووية ودوره التأكد من عدم وجود تسرب للإشعاع، فالأجهزة فى غرف معدة خصيصا لها، فالجدران سميكة ومغطاة بطبقة من الرصاص وباب الغرفة فولاذى سميك يزن نحو ٦ أطنان يتم تحريكه بموتور، وغرف أخرى مدخلها مصمم كالمتاهة لمنع تسرب الإشعاع، وهذا حسب كل جهاز وطاقته، ويبدأ بدخول الفنى على الجهاز لضبط المريض على وضعية العلاج وهذه الوضعية تكون موثقة فى دفتر علاج المريض إما بالرسم أو التصوير، ثم يخرج، ويغلق الغرفة ويتابع من خلال غرفة التحكم من خلال كاميرات يتابع ما يحدث فى الغرفة، ويرصد ويشغل الجهاز وهو فى الخارج ولا يوجد أى نوع من أنواع الخطورة لتعرض الفنى للإشعاع، وغير مسموح حدوث خطأ، لأنه قبل العمل يوميا يتم فحص الجهاز والأبواب وحركة الجهاز، وهذا الفحص يستغرق نصف ساعة تقريبًا، وفى نهاية كل أسبوع يتم فحص كل الأجهزة ومعايرتها، ويوجد فيزيائى متخصص للأمن الوقائى من الإشعاع يجرى قياسات للغرف المحيطة وبجدران الغرفة والسقف، وكذلك قياس الإشعاع فى كل الاتجاهات، التى يعمل فيها الجهاز وقياس الإشعاع خلف الجدران، وتوجد أجهزة لقياس التعرض للإشعاع، وتتم معايرتها فى هيئة الطاقة الذرية، كما أن الفنيين مدربون للتعامل مع العلاج الإشعاعى والحفاظ على سلام المريض وأنفسهم».
وأكملت: «أيضا توجد غرفة الأقنعة وهى إما قناعا للوجه أو مراتب للجسد بحيث تستخدم فى تثبيت المريض على الوضع الصحيح كل جلسة، لأن الجرعة تكون محسوبة، وهو نائم فى وضع معين يجب تثبته عليه طوال الجلسات والقناع يستخدم فى حالات أورام الرأس والرقبة، والمراتب فى حالات أورام الجهاز الهضمى والمسالك وأورام النساء، وكل قناع أو مرتبة مدون عليه بيانات المريض وبعد انتهاء فترة العلاج للمريض يتم صهره وإعداده تشكيله لمريض آخر، بالنسبة لحالات أورام الأطفال التى تحتاج لعلاج إشعاعى يتم إعطاء الطفل جرعة مهدئة «مخدرة « لضمان ثباته أثناء الجلسة.
بالنسبة للحالات التى تحتاج للعلاج الإشعاعى قالت: «توجد حالات أورام تعالج فقط بالعلاج الإشعاعى منها أورام البلعوم الأنفى وأورام الحنجرة، فمثلا لو الورم صغير ممكن علاجه بالإشعاع مع الحفاظ على الحنجرة فالعلاج الإشعاعى يعالج الورم، ويحافظ على العضو سليم، ويستخدم أيضا كعلاج تكميلى للمريض لتطهيره من أى خلايا قد تكون موجودة، ويستخدم أيضًا مع العلاج الكيماوى فى بعض أورام الأطفال خاصة فى حالة نريد الاحتفاظ فيها بالعضو وعدم البتر، أيضا يستخدم كعلاج تلطيفى لتخفيف الألم وهو الاستخدام يمثل جزءا كبيرا من استخدامات العلاج الإشعاعي، وفى بعض الحالات لا يمكن معها استخدام العلاج الإشعاعى مثل سرطان الكبد لأن الكبد عضو حساس جدا، والكبد قد يتأثر وكذلك أورام الأنسجة الرخوة لأنها مثل هذه الحالات تحتاج لجرعة عالية لكى تستجيب، وبالتالى قد تضار أجزاء أخرى فى الجسم، لذا نكون حريصين فى التعامل معها».
بالنسبة للأعراض الجانبية قالت د. ريم: تختلف من حالة لأخرى، وتعتمد على المكان، الذى يتعرض للإشعاع، فمثلا إذا كانت البطن هى المكان المعرض للإشعاع فمن الممكن أن يعانى من مشكلات فى الهضم، لو المكان هو الفم من الممكن أن يعانى من التهابات بالفم وهكذا، وبالنسبة لبقية أعضاء الجسم فتتعرض لنسبة غير مضرة من الإشعاع، لذا يتم تقسيم الجرعة على ٢٥ جلسة بحيث تتحقق الفائدة لعلاج الورم وعد إلحاق الضرر بباقى أعضاء الجسم».
ما ينقص العلاج الإشعاعى فى مصر عموما وفى المعهد بصفة خاصة أوضحته «د.ريم» بقولها: «زيادة عدد الأجهزة تعد مطلبا مهما فالأجهزة الموجودة وعددها ستة أجهزة للعلاج بالإشعاع وجهاز للأشعة المقطعية لتحديد مكان الورم، فالجهاز له عمر افتراضى معروف منذ تسلمه من الشركة، وبعد فترة من الزمن لابد من تغيره، أيضا مع كثرة الضغط وطول فترة العمل تكثر أعطال الأجهزة، وحاليا جار استلام جهاز للعلاج الإشعاعي، لكن بصفة عامة نريد لا مركزية فى العلاج الإشعاعي، لأن المريض عندما يحضر من المحافظات البعيدة يحتاج مكانا يقيم فيه، ولدينا متبرعون بدور ضيافة نحو ٦ أو ٧ دور ضيافة، وبعض الأفراد يتبرعون بشقق للإقامة فترة تلقى العلاج الإشعاعي، وهذه المشكلة تظهر أكثر فى العلاج الإشعاعى لأن المريض يحضر يوميًا لمدة تتراوح بين أسبوع وستة أسابيع، وفى أغلب الحالات تكون خمسة أسابيع ويحضر يوميا ما عدا الخميس والجمعة، وهذه من بين المشكلات، التى تواجه مرضى المحافظات، لذا فى بعض الحالات يتم توجيهها لأقرب مكان مثل شفاء الأورمان ومركز أورام أسوان ومراكز الأورام التابعة لوزارة الصحة وتوفر العلاج، إما بالتأمين الصحى أو العلاج على نفقة الدولة.
«د. ريم» أنهت حديثها بقولها: تعتبر الأجهزة والتكنولوجى الحديثة أكبر تحد فى موضوع العلاج الأشعاعى لأن التكنولوجيا الحديثة سريعة التطور والتطوير والتنافس هنا لصالح المريض من خلال تحديد مكان الورم بدقة وتحديد الجرعة المؤثرة والوصول لها دون إصابة الأنسجة المجاورة هنا فقط نستطيع السيطرة على الورم ونقلل الأعراض الجانبية، وهذا يتحقق من توظيف التكنولوجيا بالاعتماد على عوامل الخبرة، التدريب المستمر، الاستمرار فى التعليم الأكاديمى وإرسال بعثات للتدريب فى الخارج أو استقدام خبرات من الخارج لتدريب الفنيين والأطباء والفيزيائيين على تكنولوجيا جديدة.