تثار بين الحين والآخر عدد من الشائعات حول العقيدة والممارسات المسيحية بشكل مغلط وهذا مرتبط بغياب المعلومة لأن المناهج التعليمية والأعمال الدرامية تتجاهل أن المجتمع به شريك آخر لديه قوانين وطقوس خاصة به ، مما يسمح ببث الأفكار المغلوطة عبر بعض المتشددين ممن يتفننون في زرع الكراهية .
لعل من أبرز هذه الأفكار أن المسيحيين "يقبلون بعضهم رجالاً ونساءً داخل الكنيسة" تدفنون موتاكم دون غسل أو كفن!
إلا أن أغرب الأفكار المغلوطة أثيرت حول الموت والدفن . وخلال السطور القادمة نحاول بكل بساطة شرح خطوات تكفين الميت وغسله ودفنه والتي غالباً ما تتوافق بشكل كبير مع موتي المسلمين لعل الفارق الوحيد أن المسيحي يدفن في صندوق بينما يدفن المسلم في التراب .
وتعد مسألة التعامل مع الموتي وطريقة دفنهم هي مرتبطة بالأساس بتقاليد المجتمع وليست الديانات خاصة وأن الأنجيل لم يذكر بالضبط قواعد للتعامل مع الموتي إلا أن كل عقيدة ولها طقوسها التي إعتادتها.
فقد حرص قداماء المصريين علي الإهتمام البالغ بفكرة الموتي ، خاصة وأن معظة حضارتهم تدور حول المقابر فضلاً عن الطرق الخاصة بالتحنيط والتكفين بالكتان وغيره وإلباس الميت أفضل ما لديه ودفن خدامه معه وكافة الأدوات التي سيحتاجها في الحياة الثاني هذا لإعتقادهم أن هناك حياة أخري .
كما ذكر الكتاب المقدس عن طرق تطييب أجساد الموتي في اليهودية ودهنهم بالعطور والزيوت والتكفين المحكم
وفي المسيحية يذكر القمص صليب حكيم في كتابه سؤال وجواب والذي إهتم من خلاله بالرد علي تساؤلات غير المسيحيين لكل ما يشمل العقيدة والطقوس والفكر وغيرها .
حيث تناول في إجابة سؤال رقم 35 كل ما يخص تجنيز الموتي قائلاً .
عندما تنطلق روح أحد المسيحيين وتفارق جسده فإن أهله يغسلون جسده، ويلبسونه أجدد وأفخر حلله. ويلبسونه صليبًا ويضعون على وجهه منديلًا مثلثًا علامة علي أنه مات وهو مؤمن بالثالوث الأقدس. ويغطونه بستر أبيض علامة النقاء والطهارة التي نالها بتقديس دم المسيح. وينيرون شمعتين حوله إشارة إلى ملائكة النور التي تحيط به كملائكة القيامة في قبر المسيح. ويجلسون حوله يقرأون سفر المزامير لداود النبي لأنه يحكى حياة المسيح كلها حتى يحين موعد تشييع جثمانه. ويكونون قد أحضروا ملابس تكفينه وهى بُرْنُس من الستان أو الحرير يلف به جسده، وغطاء لرأسه علامة خوذة الخلاص، وجوربًا أبيض لقدميه علامة أنه سار في طريق البر، وزنارًا علامة اتحاد نفسه بإلهه الذي آمن به وعاش له وقد رحل إليه أيضًا، ويعطرونه بالأطياب العطرة علامة على تقديم جسده ذبيحة مقبولة في خدمة وعبادة نقية، ثم يضعونه في صندوق من الخشب محكم الغطاء. ثم ينزلون الصندوق إلى عربة دفن الموتى. وهى عربة مذهبة ومزينة بأشكال مختلفة من الصلبان والملائكة وسعف النخيل وأغصان الزيتون. وقد تكون العربة سيارة مجهزة جيدًا لنفس الغرض. ويسير وراءها المشيعون إلى الكنيسة لكي يُصلَّى على جثمانه.
وتشمل صلاة الجنازة تقديم الشكر لله علامة الخضوع لإرادته، ثم قراءة فصول من الكتاب المقدس لتعزية الحاضرين، تتضمن المواعيد الإلهية للمؤمنين الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة، وتذكيرهم بالموت من أجل الاستعداد له، ثم طلبة ختامية من أجل قبول الله لهذه النفس وصفحه عن خطاياها، ويتخلل الصلاة بعض الألحان الحزايني بما يتماشى مع روح الحزن في هذه المناسبة.
وبعد انتهاء الصلاة يتقبل أهل الميت العزاء على باب الكنيسة من المشيعين، وبعد أخذ العزاء يذهبون به إلى المدافن حيث يدفنونه في مقبرة مبنية ومبيضة أو مكسوة بالرخام أو الجرانيت. وعند دفنه يأخذ الكاهن في يده حفنة من التراب ويذريها في الهواء قائلًا "أنت يا آدم تراب وإلى تراب تعود" مذكرًا الناس الواقفين بما يؤول إليه مصيرهم ولكي يتضعوا أمام الله صاحب المجد والجلال. وبعد دفنه يتلو الواقفون الصلاة الربانية "أبانا الذي في السموات" مؤكدين خضوعهم لإرادة الله. ثم ينصرفون بسلام إلى بيوتهم.
وهذه التقاليد السامية المتبعة مع الميت تتفق مع ما تأمر به تعاليم الكنيسة حيث تقول "اجتمعوا بلا كسل إلى البيعة واقرأوا الكتب المقدسة ورتلوا على إخوتكم الذين رقدوا وهم مؤمنون بالرب. ثم اصعِدُوا قداس شكر".
ويُغَسَّل الميت قبل ذهابه إلى الكنيسة للصلاة عليه:
أولًا: لأن الموتى قد يكونون متسخين بآثار أمراضهم. فمن المستحب ألا يدخلوا الكنيسة إلا بعد تغسيلهم.
ثانيًا: لأن التلميذة طابيثا التي أقامها القديس بطرس من الموت كانوا قد غسلوها بعد موتها “وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، الَّذِي تَرْجَمَتُهُ غَزَالَةُ. هذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا . وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عِلِّيَّةٍ” (أعمال الرسل9: 37). إلا أن تغسيل الميت قبل تكفينه جائز لا ضروري
وانبهار البعض بالتقاليد الموجودة في المسيحية في معاملة الميت جعلهم يحاكونها في كثير منها واستبدلوا بها كل عاداتهم القديمة.
_كذلك قال الراحل قداسة البابا شنودة الثالث في رده علي أحد الاسئلة أن وضع الميت في صندوق أمر هام نظراً لأن هذا الجسد مقدس لأنه دهن في الصغر بزيت "الميرون" المقدس وهو ثاني سر من أسرار الكنيسة بعد المعمودية ورداً علي السؤال حول أهمية الغسل قال "الجسد كدا كدا هياكله الدود" .
والحالة الوحيدة التي لا تصلي فيها الكنيسة علي الميت هي في حالة الإنتحار ولكن يمكن أن تصلي عليه إذا تاب في لحظاته الأخيرة وإعترف علي يد الكاهن بخطيئته .