الأحد 24 نوفمبر 2024

ضربة ترامب فى سوريا سياسية.. تستهدف بوتين وحلفاءه

  • 12-4-2017 | 12:42

طباعة

بقلم : عبدالقادر شهيب

رغم أن الضربة الأمريكية التى استهدفت مطار الشعيرات السورى استخدم فيها نحو ستين صاروخاً، إلا أنه يغلب الطابع السياسى وليس العسكرى على هذه الضربة.. أى أننا يمكننا اعتبارها ضربة سياسية أكثر منها ضربة عسكرية.. فمن بين ٥٩ صاروخاً توماهوك أطلقتها البحرية الأمريكية على المطار السورى فإن هناك ٢٣ صاروخاً فقط هى التى أصابته أو أصابت أهدافاً فيه، بينما طاشت بقية الصواريخ «نحو الثلثين» التى تم إطلاقها.. الأمر الذى دفع رئيس لجنة الأمن القومى فى البرلمان الروسى للقول أن الصواريخ الأمريكية التى استهدفت مطار الشعيرات كانت قديمة وانتهى عمرها الافتراضى وتخلص منها البنتاجون فى سوريا!.. كما أن واشنطن حرصت على إبلاغ موسكو بنحو عشرين دقيقة بأمر هذه الضربة، وهى مدة كانت كافية لتحذير السوريين وقيامهم بإجلاء كل الطائرات التى كانت رابطة فى أرض المطار باستثناء نحو ثمانى طائرات كان يتم لها إجراء عمرات وتفتقد للمحركات، وهى الطائرات التى دمرتها الصواريخ الأمريكية.

وهكذا كانت النتائج العسكرية لهذه الضربة الأمريكية محدودة جداً حتى ولو أخذنا بالرواية الأمريكية التى ترفع عدد الطائرات التى أصابتها صواريخ توماهوك إلى ٢٠ طائرة سورية.. وهذا يجعلنا نستنتج أن أهداف هذه الضربة الأمريكية التى كانت تسعى لتحقيقها الإدارة الأمريكية هى أهداف سياسية وليست عسكرية فى الأساس، ويعزز ذلك التصريحات الرسمية التى خرجت من واشنطن لمسئوليين أمريكيين تتحدث عن الحل السياسى للأزمة السورية وأن واشنطن لا تنوى تكرار ما فعلته فى مطار الشعيرات رغم ترحيب إسرائيل وتركيا ودول عربية بهذه الفعلة، إلا إذا عاد الجيش السورى لاستخدام أسلحة كيماوية، وهو الاتهام الذى ينكره السوريون ومعهم الروس والإيرانيون وتشكك فيه دول أخرى عديدة عربية وغير عربية، تذكر باتهامات أمريكا لصدام حسين ومعمر القذافى باستخدام أسلحة كيماوية، وهى الاتهامات التى ثبت عدم صحتها بل واعتذر الأمريكيون والأوربيون بعد مرور سنوات عنها، وبعد خراب مالطة.. أى بعد أن تم تقويض كيان الدولة العراقية والدولة الليبية وزرع تنظيم داعش الإرهابى فى أراضيهما مع تنظيمات إرهابية أخرى متعددة!.

وإذا كانت الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات هى ضربة سياسية قبل أن تكون عسكرية، فما هى الأهداف السياسية التى كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تنشد تحقيقها؟

وابتداء لابد أن تكون هذه الأهداف من وجهة نظر هذه الإدارة الأمريكية مهمة وملحة، لدرجة أنها غامرت أولاً إغضاب روسيا التى تسعى لإقامة علاقات تعاون جديدة معها تتجاوز التوتر الذى شابها خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأمريكى السابق أوباما، وثانياً غامرت الإدارة الأمريكية الجديدة بإغضاب ناخبى ترامب الذين منحوه أصواتهم لأنه وعدهم بعدم التورط فى نزاعات عسكرية خارج حدود أمريكا تستنزف الموارد الأمريكية، وتحديداً النزاع السورى الذى ظل الرئيس ترامب طوال فترة حملته الانتخابية يحذر أوباما من التدخل عسكرياً فيه.. بل إن ترامب غامر أيضاً بهز الصورة التى حرص على رسمها لنفسه أمام الأمريكيين صورة الزعيم القومى الذى لن يستسلم أو يرضخ للطبقة الحاكمة الفاسدة من السياسيين كما كان يقول، والذى أيضاً سوف يحمى أمريكا من التورط عسكرياً خارج أراضيها تحت ضغوط المجمع العسكرى الصناعى ورجال البنتاجون.

ولذلك.. فإن هذه الأهداف السياسية لا تقتصر فقط كما روج بعض المحللين السياسيين والخبراء الإستراتيجيين بل والعسكريين على مجرد توجيه رسائل هنا وهناك.. رسائل للإيرانيين بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لها يد طويلة يمكن أن تطولهم إذا ما قاموا بما لا يلقى قبولاً أمريكياً أو يلقى اعتراضاً من واشنطن.. ورسائل للإسرائيليين ألا تخافوا فإن واشنطن قادرة أن تحميكم من أى شطط إيرانى نووى.. ورسائل أيضاً لبعض الدول العربية الخليجية بأن واشنطن لن تنساهم ماداموا يتسمون بالسخاء مع أمريكا فى تعاملهم معها وأنها سوف تستجيب لطلباتهم بإيلام بشار الأسد.. وكذلك رسائل لكوريا الشمالية بأن واشنطن تستطيع أن توجه لهم ضربات صاروخية وجوية مثلما تفعل فى سوريا، إذا لم ينصاعوا ويتوقفوا عن تجاربهم النووية، وربما كان ذلك سبب عدم حضور الرئيس الصينى العشاء الذى أقيم تكريماً له عندما فاجأته الضربة الأمريكية للمطار السورى وهو يقوم بزيارة رسمية لواشنطن!

والأغلب أن الهدف السياسى الأول والأهم الذى يسبق كل هذه الأهداف السابقة والجزئية تمثل فى رسالة أهم وجهها ترامب لكل العالم، خاصة لكل الأطراف التى لها دور مباشر أو غير مباشر فى القضية السورية، وعلى رأسها روسيا ومعها إيران وتركيا وبعض الدول الأوربية والدول العربية.. وعنوان هذه الرسالة: «أمريكا هنا».. وفحواها أنتم لن تقدروا على الانفراد وحدكم بحل المشكلة السورية.. لا حل بدون أمريكا.. والدور الأمريكى يتعين أن يكون هو الدور الأول.

لقد أراد ترامب بهذه الضربة العسكرية ذات الأهداف السياسية لمطار الشعيرات أن ينبه العالم إلى ألا يسيئوا فهم الشعار الذى لم يمل رفعه فى خلال حملته الانتخابية، وهو شعار «أمريكا أولاً».. فهذا الشعار لا يعنى أن تنعزل أمريكا وأن تنكفئ على الذات وتنشغل بهمومها ومشاكلها الداخلية فقط، وإنما يعنى أن ترامب يسعى لتقوية أمريكا لكى تظل تستأثر بالمكانة الأولى والأكبر والأهم دولياً.

وإذا ترجمنا ذلك الكلام على المشكلة السورية فإن الهدف السياسى أو الإستراتيجى للضربة الأمريكية لمطار الشعيرات يتمثل فى زيادة الدور الأمريكى فى المعادلة السورية، بعد أن تراجع هذا الدور خاصة خلال الشهور الأخيرة من عهد أوباما، وفى ظل انشغال الأمريكان بالانتخابات الرئاسية.

وهذا ما فهمه الروس بلا عناء.. ولذلك سعوا للرد عليه بإجراءات تكتيكية تتمثل فى عدد من الإجراءات والتصرفات مثل وقف التنسيق العسكرى مع الأمريكان، والإعلان عن دعم القدرات العسكرية الدفاعية السورية لكى يتمكن الجيش السورى من التصدى بفاعلية لأية هجمات أمريكية جديدة، واقترن ذلك بتحريك قطعة بحرية جديدة إلى مياه المتوسط، مع تحذير واشنطن بأن ضربة مطار الشعيرات ليس من شأنها فقط تعطيل الحل السياسى للمشكلة السورية وإنما من شأنها أيضاً إجهاض محاولات إصلاح العلاقات الروسية الأمريكية، وهو ما وعد به ترامب وكان يأمل فيه بوتين، بالإضافة إلى دعم الإرهاب بدلاً من محاربته والقضاء عليه.. فإن الروس يحرصون على أن يظل دورهم فى المعادلة السورية كبيراً ومتسعاً ونشطاً، خاصة وأنهم أنفقوا كثيراً على أعمال الطيران الروسى والقواعد العسكرية والمعدات والعتاد العسكرى الذى نقلوه إلى الأراضى السورية.

وهكذا.. نحن إزاء فصل جديد من لعبة الأمم مسرحها الأراضى السورية.. وتحديداً إزاء مباراة شطرنج إستراتيجية وتكتيكية خاصة بين عدد من القوى الدولية لا تستهدف فى نهاية المطاف الوصول إلى نقلة «كش ملك» وإنما إلى تحسين وجود كل طرف على رقعة الشطرنج هذه.. ولكن النقلات تتم باستخدام الصواريخ والطائرات وكافة أنواع الأسلحة الأخرى.. وهذه اللعبة الدولية نشطت أكثر بعد أن فوجئ الأمريكان والأوربيون بدخول الروس كطرف أساسى ومهم وفعال ومؤثر فى هذه اللعبة بالمشاركة الواسعة فى العمليات العسكرية، وهى المشاركة التى أسفرت عن نتائج سياسية بارزة، أهمها قبول المنظمات المسلحة المعارضة بالتفاوض مع بقاء بشار الأسد، بل والقبول بالجلوس على مائدة تفاوض واحدة مع ممثل النظام السورى كما حدث فى آخر جلسات مباحثات جنيف، وقبلها القبول بوقف لإطلاق النار، بل والقبول بالانسحاب من عدد من المناطق والمدن السورية خاصة فى حلب.. والأكثر من ذلك فإن الأمريكان والأوربيين هم أيضاً قبلوا ضمناً ببقاء بشار الأسد على الأقل فى الفترة الانتقالية، بعد أن كانوا يتحدثون من قبل عن مرحلة انتقالية لا مكان للأسد فيها.

وهنا يجب تذكير من فوجئوا بالضربة العسكرية الأمريكية التى أمر بها ترامب لمطار الشعيرات السورى، أن أمريكا تدخلت منذ سنوات عسكرياً فى سوريا، وطائراتها قصفت مواقع للجيش السورى أكثر من مرة قبل ضربة مطار الشعيرات، كان بعضها فى ظل التواجد العسكرى الروسى، ولعل هذا هو الذى دفع كلاً من واشنطن وموسكو الحفاظ على اتصال وتنسيق حتى يحدث تنسيق بين الضربات الأمريكية والضربات الروسية فى سوريا، وتجنب أى صدام بين طائرات البلدين.. أى أن لعبة الأمم دائرة منذ سنوات على الأراضى السورية.. وأن السجال الروسى الأمريكى فيها ليس جديداً.. لكن الجديد هو أن الرئيس الأمريكى الجديد ترامب أراد أن ينشط هذه اللعبة بضربة مطار الشعيرات وأن يفعل هذا السجال، ضارباً عرض الحائط - كما يتصور البعض بكل ما سبق أن قاله خلال الحملة الانتخابية وقبل أن يدخل البيت الأبيض ويصير هو الرئيس، وتحديداً حول رفض التورط العسكرى فى سوريا وأيضاً حول التعاون مع روسيا لحل المشكلة السورية ولمواجهة الإرهاب!.. غير أن بعض التدقيق قد يجعلنا نستنتج أن ترامب بضربة عسكرية محدودة أهدافها سياسية فى الأساس لا يورط أكثر أمريكا عسكرياً فى سوريا، ولا يتنكر لوعوده بالتعاون مع روسيا فى حل المشكلة الروسية، وإنما لعله يستهدف تعاوناً مع روسيا بشروطه، أو تعاوناً يراعى المصالح الأمريكية.

ولذلك كله جاء الموقف المصرى من التطورات الجديدة التى شهدتها الساحة السورية بعد ما حدث فى خان شيخون ومطار الشعيرات متفهما ذلك كله، ولأبعاد هذا الفصل الجديد من لعبة الأمم التى تجرى وبالدم على الأراضى السورية، ويسقط بسببها كل يوم مزيد من الضحايا باستخدام كافة أنواع الأسلحة، وليست الأسلحة الكيماوية وحدها.. لقد طالبت مصر كلاً من أمريكا وروسيا على إيقاف هذه الحرب بالوكالة التى تدور رحاها على أراضى سوريا الشقيقة والسعى للتوصل إلى حل سياسى، باعتباره الحل الوحيد للمشكلة السورية، الذى يحقق طموحات الشعب السورى، ويراعى الحفاظ على كيان الدولة السورية وقوام جيشها الوطنى ووحدة أراضيها، ولا يسمح بوجود جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية على أراضيها.. وهذا هو الموقف الذى تتمسك به مصر، رغم أن هناك دولاً عربية أخرى تصر للأسف أن تشارك فى هذه الحرب بالوكالة الدائرة فى سوريا، وتتخذ من المواقف التى تشجع وتدعم الإرهاب فى سوريا.

    الاكثر قراءة