الأحد 16 يونيو 2024

«التوّلة» والإرهاب

12-4-2017 | 13:17

بقلم –  نجوان عبداللطيف

 

بينما أتابع تفاصيل حادثى كنيستى طنطا والإسكندرية، قفز إلى ذهنى تعبير «التوّلة» الذى استخدمه إكرام لمعى «أستاذ علم مقارنة الأديان» فى إحدى مقالاته قبل عام أو أكثر فى وصف حالة الدولة المصرية والإنسان المصرى.

والشخص «المتوول» كما يقول د. إكرام لمعى هو الذى يحكّم عاطفته أكثر من عقله، عندما لا يستريح لقرار آتٍ من جهة أعلى ينسحب داخليًا ويهمل فى العمل الذى يقوم به ويصبح سلبيًا وغير قادر على التمييز.

 

لنتتبع تفاصيل حادثة كنيسة مار جرجس بطنطا وملابساتها.. شخص انتحارى يرتدى حزامًا ناسفًا كما قالت حركة داعش فى بيانها الصادر الذى تبنت فيه العمليتين الإرهابيتين - دخل إلى قلب الكنيسة (أكبر كنائس طنطا) دون أن يعترضه أحد لا الحارس التابع للأمن ولا من يطلقون عليهم كشافة الكنيسة المنوط بهم تفتيش الزائرين، أما البوابات الإلكترونية فقد أكد المسئولون فى الكنيسة أنها (عطلانة)!

استطاع الإرهابى بكل بساطة أن يدخل إلى قلب الكنيسة ويجلس فى الصفوف الأولى ليفجر نفسه فى عشرات المصلين والشمامسة والقساوسة وهم يقيمون صلاة عيد «أحد السعف» فى بداية أسبوع الآلام - الذى تحول إلى شهور بدأت بحادثة كنيسة البطرسية العام الماضى ويعلم الله إلى متى ستستمر. ويتحول ثلاثون شخصًا بين امرأة وطفل ورجل وقسيس إلى أشلاء وعشرات الجرحى، لينضم بعضهم بين لحظة وأخرى لقائمة الشهداء.

ولنعد للوراء على طريقة «الفلاش باك». قبل أسبوع وقع انفجار أمام معهد تدريب للشرطة فى ذات المدينة (طنطا) أودى بحياة اثنين من أفراد الشرطة، وقبل عشرة أيام نشرت أنباء عن العثور على قنبلتين صغيرتين فى محيط ذات الكنيسة (مار جرجس) وتم تفكيكهما وقبل شهور قليلة أعلنت داعش فى بيان لها أنها ستنقل مسرح عملياتها أو قوسها من سيناء إلى الوادى.

وقبلها أيضا أعلنت فى بيان لها بأنها تستهدف المسيحيين وكانت حادثة تفجير انتحارى لنفسه فى كنيسة البطرسية المجاورة للبطريركية (المقر الباباوى) فى العباسية والتى استشهد فيها ٢٥ كانوا يؤدون الصلاة دليلا على تنفيذ ما قالت بدقة.

وبعدها مرة أخرى صدر بيان لداعش توعد فيه مسيحيى مصر ورجال الأمن، وبدأوا عملياتهم الوحشية ضد مسيحيى العريش، باقتحام منازلهم وقتلهم على الهوية (قتلوا عشرة) وإحراق منازلهم، وأعقب ذلك نزوح وهجرة مسيحيى العريش هربا من جحيم داعش فى مشهد حزين لتحتضنهم محافظة الإسماعيلية فى سابقة لم تحدث فى مصر من قبل.

تلك هى المقدمات التى تم التعامل معها سواء من المسئولين فى الدولة أو الجهات الأمنية أو الكنيسة أو الجمهور على طريقة «التوّلة».

ماذا فعلنا بعد تفجير الكنيسة البطرسية؟ وبعد تهديدات داعش للمسيحيين وعملياتهم فى القاهرة وسيناء، وانتقالهم بعملياتهم إلى طنطا؟

كان هناك اتفاق على أن الأمن خارج الكنائس مسئولية الشرطة، بينما الأمن داخلها مسئوليتها.

هل هذا أو ذاك قام بما عليه فى كنيسة مار جرجس؟ قبل الحادثة المروعة؟!

نأتى لحادثة الإسكندرية فى ذات اليوم ولكن بعد فترة من وقوع حادثة طنطا البعض يقول إنها تجاوزت الساعة فى كنيسة المرقسية فى شارع النبى دانيال بمنطقة الرمل كان البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية يرأس قداس أحد السعف، حيث وصلت إليه أنباء تفجير كنيسة طنطا.. وكان هناك الانتحارى التابع لجماعة داعش يحوم حول المكان كما أشارت التقارير الصحفية.

ولكن الإرهابى حاول أن يتحين الفرصة، شاهدناه وهو يسير فى الشارع.. قادمًا إلى الكنيسة ولم يكن هناك محيط أمني حول الكنيسة الذى يسمونه الحرم الأمنى لتبدأ عملية التأمين قبل وصول الأفراد للكنيسة بمسافة كافية طبعا كلنا نشاهد الحرم الأمنى حول المقار الشرطية ومجلس الوزراء ومجلس النواب. بل أتذكر يوم ٤ مايو يوم اجتماع الجمعية العمومية حينما فرض الأمن كردونًا على نقابة الصحفيين وأغلق الشارع من الجهتين وكان لا يسمح لأحد بالمرور إلا بعد إظهار الكارنيه والتأكد منه.

ألم يكن وجود البابا فى هذه الكنيسة مستحقًا لإجراءات شبيهة!.

والغريب أنه رغم أن أنباء انفجار طنطا قد ملأت مواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات، إلا أننا لم نلحظ تشديدا فى الإجراءات حول الكنيسة المرقسية فى الإسكندرية طبقًا للفيديو المتداول الذى يوضح تحرك مرتكب العملية بكل ارتياح.

«نسيم» راعى الكنيسة رفض دخوله من غير البوابة الإلكترونية كما أصر الضابط عماد الركايبى على عدم مروره من البوابة بعد أن سمع صوت صفارة الإنذار، مما اضطر الإرهابى لتفجير نفسه أمام البوابة، نسيم وعماد استطاعا منع دخول الإرهابى إلى الكنيسة التى تواجد بها البابا تواضروس، ومنعا كارثة كبرى.

ملحوظة حتى هذه اللحظة لا نعرف هل كان البابا قد رحل عن الكنيسة أم لايزال موجودًا بداخلها عند التفجير.

ما فعلاه نسيم وعماد هو دورهما المنوط بهما القيام به، كانا فقط يعملان دون «تولة» والضابطة والعريفة والعميدة وزملاؤها الجالسون على المقاعد على الرصيف المقابل لم يسترع انتباههم مجىء هذا الشخص متأخرًا عن موعد الصلاة ولا أنه يرتدى سترة جلدية ويضع فوق كتفيه بلوفر فى مشهد غريب، ويتخطى البوابة الإلكترونية متعمدًا من أجل الولوج من البوابة الأخرى.

لست فى حاجة ليذكرنى أحد بأن مواجهة العمليات الانتحارية أمر غير ممكن، ولكن عدم «التولة» من الجميع كما حدث إلى حد ما فى الإسكندرية، حجم آثار العملية، وأفشل مخطط داعش فى القضاء على البابا لا قدر الله.

هذه التولة نراها فى الشارع وفى كل مؤسسة مصرية صغرت أم كبرت، وعلى كل المستويات من الوزير إلى الخفير.

وعلينا أن نتساءل لماذا «التولة»؟ هل السبب تراكم المشاكل الاقتصادية مما يجعل المواطن المصرى والحكومة والمسئولين كل يدور حول نفسه، أم لأن الرؤية السياسية غائبة؟ لا يوجد عقد اجتماعى بين النظام والجمهور يعرف فيه كل جانب ماذا يجب أن يفعل وإلى أين نحن ذاهبون؟ المستقبل مجهول.. بينما الإرهابيون يعرفون بالضبط ماذا يريدون اليوم وغدًا وما هو السبيل ويرسمون الخطط وينفذونها دون تولة، بينما نحن ندعى مواجهة الإرهاب، ونسمح للأحزاب السياسية السلفية بالعمل السياسى وننشر أفكارها المتخلفة والمخالفة للدستور من خلال مشايخها فى كل أرجاء المحروسة. ونتحدث عن خطاب دينى جديد، ولا نجرؤ على تغيير مناهج الأزهر بما فيها من تحريض على كراهية الآخر واحتكاره، ونضع فى السجون كتاب لأنهم اجتهدوا وإن أخطأوا مثل إسلام بحيرى، ولا يجرؤ مجلس النواب على إلغاء قانون ازدراء الأديان المعيب، ونلقى بثوار ٢٥ يناير فى السجون ونكدر طليعة ٣٠ يونيو بينما دستورنا يمجد فى الثورتين، ونقول إن العدالة الاجتماعية منهجنا، بينما يتم اتخاذ القرارات الاقتصادية التى تشعل الأسعار وتزيد الفقراء فقرًا.

لا قانون الطوارئ ولا مجلس مكافحة الإرهاب، سيقضيان على الإرهاب طالما لا توجد رؤية شاملة للمجتمع سياسية واقتصادية واجتماعية قوامها الأساسى العدالة الاجتماعية والدولة المدنية، وإلا سنظل فى حالة «التولة» التى تسمح للإرهاب بتحقيق أهدافه.