بقلم : نبيلة حافظ
يأتي احتفال العالم باليوم العالمي بحماية المستهلك في الثلاثين من مارس والشارع المصري يعيش حالة من الغضب والاحتقان بسبب موجة الغلاء الفاحش التي طالت كل شيء وكادت أن تقضي على الأخضر واليابس، آهات الغلابة المطحونين من نار الأسعار تزلزل الأرض، والحكومة في حالة سكون غريب ومريب، كما لو أن هذا الشعب لا يعنيها أو بالأحرى ليست مسئولة عن مصالحه ومقدراته، وهي معذورة كل العذر فلماذا تنشغل بهموم شعبها وهي لديها مشاغل أخرى أهم بكثير من أسعار لقمة العيش التي باتت تطحن الشعب المسكين والمغلوب على أمره والقانع بأقل القليل؟
في الماضي القريب كانت إذا ارتفعت أسعار اللحوم يهجرها المواطن ويتجه إلى الطيور بديلا عنها, وإذا ارتفعت أسعار الطيور تركها واتجه إلى الأسماك, وإذا ارتفعت هي الأخرى ترك كل ذلك وهرب إلى البروتين النباتي عوضا عنها جمعيا، أما الآن فحدث ولا حرج كل شيء ارتفع ثمنه بشكل مخيف، فمن يصدق أن أقل سعر لكيلو اللحوم يصل إلى مائة وعشرين جنيها, وأقل فرخة يصل ثمنها لخمسين جنيها، وأرخص أنواع الأسماك تجاوز ثمنه الخمسة والثلاثين جنيها، حتى عائلة البقوليات ــ الفول والعدس واللوبيا والفاصوليا ــ طعام الناس الغلابة أصابها جنون الأسعار وأصبحت حلما بعيد المنال للمواطن البسيط, رحمتك يا رب.
والغريب في الأمر أنه لا يوجد مبررات واضحة لهذا الغلاء الفاحش، فمن يتحدثون عن تحرير سعر الصرف للعملات الأجنبية كمبرر هم للأسف الشديد يخدعون المجتمع قبل أن يخدعوا أنفسهم، لأن سعر الصرف بريء تماما من تلك التهمة وليس هو المبرر الحقيقي لموجة غلاء الأسعار، والدليل على ذلك أن معظم المنتجات الغذائية التي تضاعف سعرها في الأونة الأخيرة ليس لها علاقة بسعر الصرف وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على غياب دور الدولة في السيطرة على الأسعار، وعلى عدم قدرتها في جمح أطماع التجار الذين وجدوا في المواطن المصري فرصة سانحة لتحقيق أطماعهم غير المشروعة وتحقيق الملايين من جيوب وعرق الغلابة.
وأحاول أن أقنع نفسي بأن السادة المسئولين لديهم ما هو أهم من لقمة العيش، يعني المشاريع الكثيرة التي تقام الآن هنا وهناك، ولكن ماذا يشغل المجتمع المدني عن تلك القضية؟ وأنا أقصد ـ بالتحديد ـ الجمعيات الأهلية لحماية المستهلك وهي بالعشرات ومنتشرة في كافة محافظات الجمهورية، وهنا أتساءل عن أسباب عزوف تلك الجمعيات عن أداء دورها الذي من أجله تم إنشاؤها..؟ ألا وهو حماية المستهلك من تلك الهجمة الشرسة للتجار! أليس من صميم عملها أن تعمل على أرض الواقع وتراقب الأسواق، ومن صميم عملها أيضا أن تنشر الوعي بين المستهلكين وتتبنى حملات توعية من أجل مواجهة تلك المشكلة بحلول منطقية وفعالة مثل حملات المقاطعة للسلع التي ترتفع أسعارها بلا مبررات.
إنني على يقين تام بأن مسئولية تلك الجمعيات كبيرة وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتخلى عن أداء دورها في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر الآن، فإن كلي أمل أن تنفض عن نفسها غبار الكسل واليأس والإحباط وأن تؤدي دورها الوطني تجاه المجتمع!