الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

«الهلال اليوم» تخترق مستعمرة الجذام بأبو زعبل

16-4-2017 | 11:48

 

اخترق "الهلال اليوم" مستعمرة الجذام بمدينة أبو زعبل التابعة لمحافظة القليوبية، رغم التعنت الشديد من جانب القائمين على المستشفى الذين اشترطوا تصريحا مسبقا من وزارة الصحة للإدلاء بأي معلومات عن المستعمرة أو المرضي الموجودين بها.

المستعمرة تقع تقريبا على بعد 5 كيلومترات من مدينة أبو زعبل بمنطقة نائية ومنعزلة تماما عن العالم الخارجي، لأسباب عديدة أبرزها خوف الناس وعدم زيارتهم أو الاقتراب منهم اعتقادا بأن المرض معد، خاصة في ظل إصابة أغلب المرضى ببتر وتآكل في الأطراف، مع الجروح المتقيحة ، إضافة إلى العيون المخيفة.

بين جنبات المستعمرة يتناثر المرضى، بعضهم يجلس على كرسي متحرك، والبعض الآخر يستند بظهره على الجدران وآخرون يتمشون في طرقات المستعمرة.

وعلي الرغم من خوف المرضى من التحدث للصحافة والإعلام خوفا من الطرد من المستعمرة ملاذهم ومكانهم الوحيد الذي يعيشون فيه بعد سنوات طويلة عزلهم الأهل والمجتمع فيها داخل هذا المكان الموحش ، بعد تشديد القائمين على المستعمرة عليهم بعدم التحدث لوسائل الإعلام دون إذن ، وإلا مصيرهم سيكون الخروج من المستعمرة،استطاع محرر " الهلال اليوم " الاقتراب من بعض المرضي، والتحاور معهم ليكشف عن مفاجآت وحكايات أغرب من الخيال .

بعد أمتار من البوابة الضخمة للمستعمرة كان يجلس " أ.م " صاحب الـ 61 عاما، قال عن نفسه: إنه في هذه المستعمرة منذ نصف قرن حيث جاء من محافظة سوهاج، وكان عمره وقتئذ 11 عاما ، ومن حينها ولم يخرج من المستعمرة ، التي أصبحت كل ماله في الدنيا ، لأنه لم يتزوج ، وكل صلته بأهله في الصيعد قد انقطعت مع تقدم عمره، وبعد المسافة، مشيرا إلى أن المرضى داخل المستعمرة ينقسمون لثلاثة أصناف، الأول: منهم المصاب بإصابات شديدة؛ وهم المقيمون داخل المستشفى، والثاني: المصابون إصابات متوسطة ،ويقيمون داخل المستعمرة في مساكن عشوائية، والأخير أصحاب الإصابات البسيطة الذين يسكنون في الحزام الجغرافي للمستعمرة بالقري والعزب المتاخمة لها، مثل عزبة الصفيح، عزبة شكري، عزبة الأصفر، عزبة الباشا، وعزبة الأبيض، مؤكدا أن المرضى داخل المستشفى يحتاجون لتبرعات مادية وعينية، خاصة مع قلة الإمكانيات.

من جانبه اشتكى" ص. س" ، 66 عاما من القليوبية، ويقيم بالمستعمرة منذ 23 عاما من نظرة المجتمع لهم، وعزلهم عن العالم الخارجي، وقلة زيارة الأهل والمسئولين من وزارة الصحة أو المحافظة، موضحا أن من بداخل المستعمرة يعانون من نقص الأدوية والأطباء ، لافتا إلى أن الأطباء والممرضين يعملون حتي الساعة الـ2 مساء، ثم يعودون إلى منازلهم ، ولا يتواجد بالمستشفي منهم سوى القليل يعملون حتي الـ5 مساء، وبعد ذلك تخلو المستشفي من جميع الأطباء ، ومن ثم هم معرضون للمشاكل الصحية خاصة أن معظمهم كبار في السن ومصابون بأمراض عديدة مثل السكر ، موضحا أنهم يعتمدون في طعامهم على التعيينات " الوجبات"  التي تسلمها لهم وزارة الصحة ، مبينا أنه يوم الثلاثاء من كل أسبوع يستلم كل واحد منهم دجاجة + 400 جرام لحم ، وكيلو بطاطس ،وكيلو أرز، وكيلو طماطم ، بالإضافة إلى 3 أرغفة من الخبز يحصلون عليهم يوميا، يقوم بطهيها كيفما شاء ، لكن المرضي الذين لا يستطيعون الطهي بسبب تقدم السن أو شدة المرض تنقل هذه الوجبات إلى مطبخ  المستعمرة ، الذي يقوم بدوره بطهيها ثم يقومون بتوزيعها عليهم مقسمة إلى ربع دجاجة لمدة أربع أيام ، ثم باقي أيام الأسبوع يقسمون عليهم كمية اللحم الأخرى.

وعلى بعد أمتار منهما كانت تجلس " أ . ع" ذات الـ 60 عاما ، والتي جاءت إلى المستعمرة من أسيوط وتقيم بها منذ 30 عاما ، مشيرة إلى أنه قبل اكتشاف علاج للمرض ، كان خوف الناس وفرارهم منهم أمرا مبررا ، خاصة أن المصاب بالجذام كان ينقل بالقوة إلى المستعمرة على يد الشرطة ،أما بعد اكتشاف العلاج لم يعد هذا الأمر مبررا ، وتساءلت لما الخوف الذي يسيطر على الناس من مصابي هذا المرض؟ ، مضيفة أن المجتمع المصري يعزلهم عن العالم الخارجي ، في حين أنهم يلقون عناية فائقة من بعض الراهبات الأجنبيات الموجودات بمصر ، حيث يأتين كل يوم لمساعدة المرضى خاصة كبار السن والعاجزين فيقمن بإطعامهم ،والعناية بالنظافة الشخصية لهم من استحمام وتغيير الملابس ووضع الحفاضات لمن يحتاج إلى ذلك، بجانب بعض المؤسسات الأجنبية التي تولي المرضي بالمستعمرة عناية فائقة.

وفي محاولة منا للتواصل مع أحد الأطباء المسئولين بالمستشفي للوقوف علي أبعاد الموقف داخلها، استطعنا إقناع أحد الأطباء بالحديث شريطة عدم ذكر اسمه ، فقال: إن عدد المرضى المصابين بالجذام المتواجدين بالمستشفى بصفة دائمة يبلغ 600 مريض، إضافة إلى العشرات الذين يتوافدون يوميا على للمستعمرة للكشف وأخذ العلاج ، مضيفا أن المرضى داخل المستشفى يعانون من عدم توافر أبسط  أدوات العلاج الطبى مثل: "الشاش والقطن"، ونقص أدوية السكر "الأنسولين"، ولا يجدون كذلك أطباء للكشف عليهم فى حالة مرض أحد منهم داخل المستعمرة خاصة في الليل، مضيفا أن هناك بعض الشائعات التي تنقل عن مرضي الجذام منها: أن المريض ينقل العدوي للأصحاء عند موته ، ومنها أيضا أن المرض ينتقل من خلال المعاشرة الزوجية، وكذلك أنه ينتقل عبر المعايشة اليومية للمصاب، وهو أمر مجاف الحقيقة تماما ، مستدلا على ذلك بأن جميع الأطباء داخل المستعمرة مخالطون يوميا للمرضى من ذوي الإصابات الشديدة ، ورغم ذلك لم يتعرض أي منهم لانتقال العدوى إليه، مضيفا أن هناك دليلا آخر على صدق كلامه، وهو أن عدد المرضى الذين تم تسجيلهم من المصابين بهذا المرض، منذ عام 1979 حتى 2013 بلغ 37 ألف مريض تقريبا ، شفي أغلبهم باستثناء الذين تم تسجيلهم حديثا لأنهم مازالوا يتلقون العلاج.

ثم التقي محرر " الهلال اليوم " عددا من مرضى الجذام، الذين يعيشون في أماكن بالقرب من مستعمرة الجذام ، وهم سكان عزبة الصفيح ، وعلي الرغم من أن وجوههم من المرض مشوهه إلا أنها بشوشة راضية، فالناس هناك فقراء ومرضى ومعظمهم مشوهون جسديا بسبب المرض المؤلم جسديا ونفسيا، أحد هؤلاء المرضى يدعي " ر.ف" صاحب الـ43 عام ،قادم من مدينة الصف بالجيزة ،لخص معاناة سكان هذه العزبة فبدأ كلامه مؤكدا "نحن أحياء لسنا أموات" في رسالة منه لأفراد المجتمع ، مشيرا إلى أنه مكث داخل مستعمرة الجذام لمدة 7 سنوات، ثم انتقل للعيش في هذه العزبة بعد أن تزوج منذ 6 سنوات ، مضيفا أن الفقر والعزلة الاجتماعية الإجبارية أبرز ما يعانون منه داخل العزبة ، موضحا أنهم يعيشون على الإعانات التي يتم صرفها لهم من الحكومة، والمتمثلة في دجاجة و400 جرام من اللحم ، إضافة إلي كيلو بطاطس ، وكيلو طماطم للفرد الواحد أسبوعيا ، فضلا عن 3 علب جبن ، و3 كيلو أرز ، وزجاجة زيت، لكل أسرة مقيمة خارج المستعمرة يتم صرفها لهم شهريا، بجانب الأطعمة التي توزعها عليهم بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية ورجال الأعمال  بين الحين والآخر.