أيام
قليلة تفصلنا عن شهر رمضان المعظم، الذي يتسم بخصوصيته الشديدة في وجدان المسلمين
بشكل عام، والمصريين على وجه الخصوص، فيما يظل فيروس كورونا المستجد سريع
الانتشار، يرنو برأسه الشيطانية؛ ليسرق فرحتنا، ويطفئ نور شمعة بهجتنا بالشهر
الفضيل؛ إذ أحدث ارتباكًا في حياة العالم بأسره؛ وحياتنا البسيطة- نحن المصريين-
على وجه الخصوص فلم تعد الجفون تلتقي إلا على نوم نافر، ولم تعد الجنوب تضجع إلا
على مضجع قلق، هكذا قسى علينا الفيروس اللعين، وتحكم القاتل العالمي في كل تفاصيل
حياتنا الصغيرة قبل الكبيرة منها.
عادات
رمضان المعروفة والأصيلة التي تجري في عروقنا مسرى الدم تسير عكس الاتجاه تمامًا
مع عادات وتقاليد فيروس كورونا التي تتمحور حول العزلة، والابتعاد عن التجمعات
بأشكالها كافة؛ إذا أردنا أن نسرق منه قبلة الحياة، وأقبلنا على الدنيا بوجه يعلوه
الإشراق؛ لكن في المقابل تدور عادات وتقاليد رمضان في فلك التجمعات بكل أنواعها وجميع دوائرها البسيطة
والمعقدة من لمة العيلة على الإفطار، وطبق يلف على كل الجيران، وامتلاء المساجد
بالمصلين في صلاة التراويح؛ للترويح عن النفس، وملئها بالصفاء، وغسلها بروحانيات
الشهر الفضيل التي تشرئب بها الأعناق إلى عنان السموات.
لاعزاء لتجمعات الأحبة والأصدقاء السهرانين على المقاهي
والكافيهات التي تعكس جزءًا أصيلًا من الحياة القاهرية بأجوائها الساحرة اعتاد
المصريون عليها منذ عقود خلت؛ حتى بزوغ الفجر، وتناول السحور الشعبي الشهي في
مطاعم القاهرة الفاطمية التي ارتبطت بطقوس الشهر الكريم بمنطقة الحسين، ووسط
البلد، فيما لفت الدكتور سعيد صادق خبير علم الاجتماع السياسي، إلى ضرورة استمرار الحظر في شهر رمضان؛ لمنع الممارسات غير المسئولة، مؤدًا على ضرورة تطبيق القانون بحسم وعدم التهاون للقضاء على مثل هذه الممارسات؛ لحماية المواطنين من تفشي فيروس كورونا.
لا
شك أن الساجد قبل المساجد، كما أكد الفقهاء؛ حيث إن الحفاظ على النفس البشرية من
أهم مقاصد الشريعة الإسلامية؛ وارتبطت عودة فتح المساجد طبقًا لتصريحات الدكتور
محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بعدم تسجيل أي حالات إصابة جديدة بفيروس كورونا، وتأكيد
وزارة الصحة أن التجمعات العامة لم تعد تشكل خطرًا على حياة الناس؛ لانتهاء انتشار
عملية الفيروس، لأن الساجد قبل المساجد.
وبكل
تأكيد أن ما ينطبق على صلاة التراويح، هو ما
ينسحب على صلاة الجمع والجماعة، التي ارتبطت عودتها أيضًا بزوال علة تعليقها، ولا مجال
لصلاة الجمع، والجماعات، ما لم تزل علة غلق المساجد، وتعليق الجمع والجماعات بها، وهي
كون التجمعات بصفة عامة تكون سببًا في نقل عدوى فيروس كورونا.
وعلى
الرغم من إطالة أمد المرحلة الثانية لتداعيات فيروس كورونا من حيث عدد الوفيات،
وحالات الإصابة؛ جراء حسن إدارة الأزمة من قبل القيادة السياسية، والحكومة باتخاذ
العديد من الإجراءات الاستباقية، التي نجحت حتى كتابة هذه السطور في حماية الأرواح
والأرزاق؛ إلا أن هناك تصاعدًا لانتشار فيروس كورونا؛ ولم يعد من بد كإجراء احترازي،
من تعليق كافة العادات والتقاليد والأنشطة
الاجتماعية والثقافية في رمضان؛ حيث تم التنبيه من قبل وزارة الأوقاف؛ على حظر إقامة
موائد الرحمن في محيط المساجد، أو ملحقاتها، وأي عمليات إفطار جماعي بالوزارة، أو هيئة
الأوقاف، أو المجموعة الوطنية التابعة للوزارة، وجميع الجهات التابعة للوزارة.
فيما
أكدت وزارة الأوقاف على جميع مديرياتها على مستوى الجمهورية؛ أنه لا مجال على الإطلاق
لأي ترتيبات تتعلق بالاعتكاف هذا العام؛ حيث إن التواصل مع الناس مستمر، من خلال تدشين
صفحة بعنوان "وعي" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وربطها
بالبوابة الالكترونية لوزارة الأوقاف، للتواصل مع مبادرة "معًا لخطاب ديني مستنير".
وفي
خضم هذه الجائحة تحاول عبثًا الجماعة الإرهابية والقوى الظلامية، وخفافيش التطرف
إطلاق عدد من الشائعات العامة؛ خاصة الدينية منها وهو ما أكده الدكتور أحمد بان
الخبير في التنظيمات الإرهابية، حيث اعتبر أن نجاح الدولة حتى الآن فيما قامت به من
إجراءات احترازية استباقية مثلت حماية للمواطنين، ودفعة لعجلة الاقتصاد في مواجهة أزمة
كورونا استدعى حقد وحسد جماعة الإخوان الإرهابية، وأذرعها من قنوات الفتنة التي تبث
من تركيا، لافتًا إلى أن الجماعة الإرهابية تحاول استثمار أزمة كورونا في إشاعة عدم
قدرة الدولة المصرية على إدارة الأزمة بشكل صحيح.
وكشف
بان، أن هناك حملات مسعورة، من قبل الإرهابية تم تدشينها عبر مواقع التواصل
الاجتماعي شائعات كثيرة حول عودة صلاة الجمع والجماعات في المساجد بدءًا من الأسبوع
المقبل، وهو ما نفاه المركز الإعلامي لمجلس الوزراء؛ وذلك للتغرير بالبسطاء للتمرد
على إجراءات الدولة الاحترازية؛ بدعوى عدم قدرة الدولة على احتواء الأزمة، وظهورهم
بشكل المساعد والمنقذ للشعب؛ للتغطية على فشلهم في إحراج الدولة على مدار عام كامل.
الخطة
الشاملة التي أطلقتها الدولة بتمويل 100 مليار جنيه، والإجراءات الحمائية التي
اتخذتها الدولة ونجحت بشهادة المؤسسات الدولية في حماية الأرواح من خلال تخفيض
العمالة بالمؤسسات والمنشآت، والتزام بالإجراءات الوقائية لحماية العاملين من خطر الإصابة
بفيروس كورونا؛ حيث أكد الدكتور فخري الفقي المستشار السابق لصندوق النقد الدولي،
أن الصندوق كشف في أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي نجاح الإجراءات الاقتصادية
الاستباقية التي اتخذتها الدولة المصرية لحماية أرزاق العاملين بالمؤسسات والمنشآت
الحكومية والشركات الخاصة؛ منحة العمالة غير المنتظمة، والتسهيلات الضريبة، وتخفيض
أسعار الطاقة، ومساعدة المصانع المتعثرة؛ ما أدى إلى خفض تكلفة الإنتاج؛ لدفع عجلة
الاقتصاد؛ فيما تبقى مصر الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا
التي تحقق نسبة نمو تصل إلى 2%؛ حيث تحتل المركز السادس بين 18 اقتصادًا صاعدًا
على مستوى العالم؛ في الوقت التي تحقق فيه الاقتصاديات الكبرى في العالم سالب 3.3.
الحل
في البقاء في المنازل، وعدم النزول للشوارع إلا في حالات الضرورة القصوى؛ حيث لا يتحقق زوال العلة إلا حال عدم تسجيل أية حالات
إيجابية جديدة بفيروس كورونا؛ وعندها تعود الحياة لطبيعتها؛ بحسب تأكيدات أهل
الاختصاص؛ حيث لاعودة للحياة إلى طبيعتها؛ إلا بتأكيد وزارة الصحة على أن التجمعات
لم تعد تشكل خطرًا في نقل العدوى بفيروس كورونا المستجد.