بقلم – فريدة الشوباشي
أعلن المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية بعض الخطوط العريضة لسياسة واشنطن، حال فوزه بمنصب ساكن البيت الأبيض، وأهمها فى رأيي، تركيز الجهود على تقوية الداخل الأمريكى وعدم الانخراط فى حروب أو عمليات عسكرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية..
فهمت من كلام ترامب آنذاك، وأظن أننى لم أكن وحدي، أن أمريكا ستنتهج سياسة جديدة تحترم فيها سيادة الدول وتكف عن التدخل الذى لم يسجل التاريخ ولا مرة واحدة، أنه عاد بأى فائدة، بل العكس صحيح، وبالنظر إلى السنوات الأخيرة، فقد كونت جيشا عربيا وإسلاميا ضد الاتحاد السوفييتى السابق فى أفغانستان، لتحقيق مصالحها، وجعلت بعض حكامنا، يعتبرون أفغانستان أهم من فلسطين، فقدموا المتطوعين العرب ومن الدول الإسلامية، ليخوضوا حرب تحقيق مصالح واشنطن، التى ردت الجميل بترك أفغانستان فى أيدى حلفائها فى كابول، مثل القاعدة وغيرها. وبعدها، تفرغت لتفتيت الوطن العربي، وبدأت الخطة باستهداف العراق، على أيدى بوش الأب ثم بوش الابن، بدعوي، تحرير الكويت تارة وإقامة الديمقراطية فى بغداد تارة أخرى.. أدت حربا الخليج الأولى والثانية إلى عودة القواعد العسكرية الأمريكية فى بعض الدول العربية وقفزت أمريكا على جثث الضحايا العرب إلى «مفاتيح» شركات النفط، الذى أحكمت عليه سيطرتها إحكاما تاما. ولا ينسى أحد من المتابعين لأحداث المنطقة، ما فعلته الأسلحة الأمريكية فى الشعب العراقى وكيف بدأ مخطط التفتيت عندما استهل الحاكم الأمريكى للعراق، «بول بريمر» ، حكمه الميمون بتفكيك الجيش العراقى وتسريحه، بين عشية وضحاها، فحرم شعب العراق من قواته المسلحة حتى يتسنى لأمريكا المضى بلا عائق فى التفتيت..بقى العالم كله، شاهد زور على واحدة من أحط الأكاذيب وأعنى بها، اتهام العراق بإنتاج أسلحة دمار شامل، أنقذت واشنطن البشرية من ويلاتها..وبصفاقة لا يملكها إلا هؤلاء، أعلنوا، «أسفهم!!» لوقوعهم فى خطأ اتهام بغداد بامتلاك أسلحة دمار شامل وكأن قنابل إسرائيل النووية، أكاليل زهور وورود، تدخرها إسرائيل لإمطارنا بها فى المواسم والأعياد !!.وما زلنا نعانى انتهاكات الكيان الغاصب الذى زرعوه شوكة فى ظهر الأمة العربية، بفرية «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»..السيد ترامب خدرنا إذن بأن هذا عهد ولى تماما، وأنها سياسة ثبت فشلها خاصة تحت إدارة سلفه باراك أوباما الذى راهن بقوة على جماعة الإخوان وتفريعاتها، لتفتيت المنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية، وأن بلاده لن تتدخل فى شئون الدول الأخرى، وكان الكلام يشير إلى ما يجرى فى سوريا الشقيقة، حيث سلحت الولايات المتحدة تنظيم داعش بلافتاته المختلفة، مثل النصرة، والجيش الحر وغيرها..بل ذهب ترامب إلى حد الإعلان بأنه لم يعد يعارض وجود الرئيس بشار الأسد رئيسا لبلاده !!..واستبشر البعض، وأنا منهم، خيرا، وأنا اتنفس الصعداء، وأحمد الله أن أمريكا سترفع عنا، أخيرا، أذاها..لكن ترامب لم يشذ عن أسلافه وسياسة الخداع التى اتبعتها واشنطن تجاهنا، فإذ به يداهمنا ويشن عدوانا سافرا على سوريا، بدعوى استخدام الجيش السورى لأسلحة كيماوية فى ضرب المعارضة..هكذا أعطت الولايات المتحدة نفسها حق الاعتداء على دولة عربية، بدون أى سند قانونى والأدهي، دون التحقق من صحة اتهامها، وكأن ترامب، يمتلك مصباحا سحريا، يتيح له الكشف عن الفاعلين فى أى واقعة، وكأن الحكم له وحده بتقرير من يضرب وماذا يدمر، وفقا لمزاجه !!..ولم يعبأ سيد البيت الأبيض بأية قوانين أو منظمات دولية، تحرم العدوان على الدول، وهو يبدو مطمئنا إلى رد الفعل العربي، فى ظل حالة التشرذم التى نعانيها..ولم تمر سوى أيام قليلة، إلا، واختار ترامب، مسرحا لتجربة أكبر قنبلة انتجتها ترسانة الدمار الأمريكية، هو أفغانستان وأسفرت عن مقتل نحو أربعين شخصا، قالت واشنطن، إنهم من تنظيم داعش..وتعتبر القنبلة أكبر قنبلة تدميرية فى فصيل القنابل غير النووية..وأيضا أعلن ترامب أن ضرب أفغانستان، قرار «شخصي» أمريكي..وبذلك يتضح أن ترامب غارق فى وهم اعتقاده أن بوسعه أن يفعل ما يشاء ومتى شاء، فى أى بلد فى الكرة الأرضية ولا عزاء للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، ولا الشعوب المعتدى عليها، والتى تصاب ما يسمى فيها بمنظمات حقوق الانسان، بالخرس إذا جاء العدوان من الراعى والممول الأمريكي، لأن «ضرب الحبيب، زى أكل الزبيب»..الأمل أن نستيقظ جميعا قبل أن يتفتق ذهن ترامب عن عدوان جديد قد يكون فيه فناء البشرية..