الأحد 19 مايو 2024

في ذكرى رحيله.. أسرار وكواليس أفلام نجيب الريحاني

15-6-2020 | 16:19

رصد المؤرخون أن الفيلم الأول للفنان القدير نجيب الريحاني كان "صاحب السعادة كشكش بك"، والذي عرض لأول مرة في 17 أبريل 1931 كان صامتا، ومن يطلع على مذكرات الريحاني التي نشرتها "دار الهلال" عام 1959 يجد أنه لم يحتسب ذلك الفيلم كأول أعماله السينمائية، بل أكد أن أفلامه هو "ياقوت".

 

كشكش غير محسوب

كان الريحاني قد سافر إلى سوريا ولبنان في بداية عام 1931، حسب ما أكد في مذكراته (ص 141) ولم تكن الرحلة موفقة، فقد عاد مدينا بمبلغ 200 جنيه للوجيه خضر النحاس، وفور عودته فكر في الإستعداد للموسم المسرحي لنفس العام، وزاره في نفس الوقت صديق عمره وزميل رحلة الكفاح استيفان روستي ومعه المخرج "كياريني" وعرضا على نجيب الإشتراك في فيلم صامت، لكنه اعتذر بسبب أعماله المسرحية ، لكنهما أصرا وفي النهاية وافق على القيام ببطولة فيلم أطلقوا عليه إسم "صاحب السعادة كشكش بك".

 

أكد الريحاني أنهم بدأوا العمل دون أن يكون للفيلم قصة أو سيناريو، فكل ما هنالك أنهم يخرجون في السادسة صباحا دون أن يدروا ماذا يفعلون، ويجلس الريحاني ليضع اللحية الخاصة بشخصية كشكش وهو ويفكر في الأحداث التي سيصورونها، وبمجرد تثبيت اللحية يبدأ تصوير المشاهد، ومن المعلوم أن شخصية كشكش بك كانت سبب نجاح نجيب الريحاني وسر سعده، وتكلف تصوير الفيلم بأجور الفنانين فقط 400 جنيه، وقال أن الفيلم خرج للنور بهذا المبلغ البسيط وحقق نجاحا كبيرا وجلب إيرادا ضخما بسبب إقبال الجماهير عليه، ووجب أن نضيف أن منتج الفيلم قام بعرض الفيلم أسابيعا جديدة بعد أن غير إسم الفيلم إلى "صاحب العزة كشكش بك" ثم "حوادث كشكش بك" .. ونؤكد أيضا أن الفيلم أعيد عرضه عام 1934 بعد إضافة الصوت إليه ليصبح من الأفلام الناطقة.

 

أول فيلم "ياقوت"

 ولا نعرف سر إسقاط الريحاني لفيلم "صاحب السعادة كشكش بك" من قائمة أفلامه، ففي صفحة 158 من مذكراته أكد أن "ياقوت" أول فيلم سينمائي!! فقد أتته برقية في شهر أغسطس 1933 من الدبلوماسي إميل خوري، ووجب أن نوضح أن خوري عمل سكرتيرا لتحرير جريدة الأهرام في مصر، وكان وثيق الصلة بالزعيم سعد زغلول، وكان شديد الهجوم على الاحتلال الإنجليزي بمصر ما دعاهم إلى المطالبة بنفيه، وصدمت حكومة عدلي يكن وأخرجت إميل من مصر، فاستوطن فرنسا واتخذ باريس مقرا له واستطاع أن يدير بعض الأعمال التجارية التي أدرت له ثروة كبيرة.


أما عن علاقته بنجيب الريحاني، فقد سافر الريحاني من بلاد المغرب العربي بعد رحلة فنية دامت خمسة أشهر بها إلى فرنسا لتحصيل قيمة الـ 6 % التي استقطعتها جمعية المؤلفين الفرنسية كضريبة على عمله ببلاد المغرب، وحصل الريحاني على 120 جنيها صرف منها 70 على نزهته في باريس وهناك التقى بـ إميل خوري وتناقشا في إمكانية تصوير فيلم سينمائي ووعده الريحاني بالتفكير في المشروع.

 

كانت برقية خوري للريحاني بمثابة طوق النجاة من الفلس وهموم الديانة، فقد رافقتها حوالة بمبلغ 50 جنيها، وعلى الفور سافر الريحاني إلى باريس ليعرف أن خوري كان قد اتفق مع شركة جومون الفرنسية للسينما على إنتاج فيلم مصري فرنسي مشترك، وأبلغ خوري الريحاني بأن نصيبه الثلث .. وقدم له سيناريو من إعداده فوافق الريحاني عليه، وأرسل على الفور برقية يستدعي فيها زميله وصديق عمره بديع خيري ليكتب الحوار، لكن خوري أعطى الريحاني حوار الفيلم وأصر أن يلتزم به، واعترض الريحاني على الحوار الذي سيسقط الفيلم، وهم بالعودة إلى مصر لولا وصول بديع خيري الذي أقنعه بالعدول واستطاع إقناع خوري بالتدخل ووضع الكثير من التعديلات.

 

ستة أيام فقط كانت مدة تصوير فيلم "ياقوت"، وأكد الريحاني أنه لم يرض عن الفيلم لأنه لا يفهم المخرج ولا المخرج يفهمهه، ولأنه لم يجلب ممثلين مصريين معه بسبب ارتفاع مصاريف السفر والإقامة، فقاموا بجلب هواة تمثيل من الحي اللاتيني للقيام بالأدوار وشارك الفنان أدمون تويما كسكرتير البطل ياقوت، وقبل أن يعود الريحاني إلى مصر حصل على 50 جنيها أخرى، أما حصته في الأرباح فسوف يأخذها عند عرض الفيلم في مصر.

 

بسلامته فشل تاني

وبعد تجربة ياقوت عاد نجيب لموسمه المسرحي، وإذا بمجموعة من ممولي السينما يتفقون مع الريحاني على إخراج فيلم "بسلامته عايز يتجوز" ويعرضون عليه مبلغ 800 جنيه و5 % من الإيراد، لكن المدير المالي أتى برجل وافد من المجر وأصر أن يخرج الفيلم، ورفض الريحاني حتى لا يسقط الفيلم كسقوط "ياقوت"، ولم يفلح رفض الريحاني أمام إصرارهم، فقام بتمثيل الفيلم، وكان في غاية الاستياء من تعليمات المخرج التي جاءت بنتيجة عكسية.. فعند عرض الفيلم ظهر تمثيل الريحاني وفريق العمل في غاية السوء، وحضر الريحاني العرض الأول للفيلم وشاهد فشله الكبير.

 

سلامة يعجب الريحاني

 في صيف عام 1937 اتصل بديع خيري بنجيب الريحاني وأبلغه أنه يحدثه من ستويو مصر والأستاذ أحمد سالم المدير يريده بشكل عاجل، وبسرعة وصل الريحاني إلى هناك فصارحه أحمد سالم بأنه يريد إنتاج فيلم يتعاون فيه بديع مع الريحاني، فرفض الريحاني في بادئ الأمر لكن سالم أكد له أن صورته سيئة سينمائيا وعلى الريحاني أن يصلحها أمام جمهوره، وأن ستوديو مصر سيوفر له ما يريد، وأعطاهما سالم فكرة الفيلم، فذهب الريحاني وبديع لصياغة القصة والحوار، وكانا قد أطلقا عليها اسم "أفراح"، لكن سالم طلب تغييرها إلى "سلامة في خير".

 

لم يحدث ارتياح بين مخرج الفيلم نيازي مصطفى والريحاني، لكن الأخير شهد بنبل أخلاق نيازي وحسن مشاركته وإخراجه الفيلم، واعترف الريحاني بأنه تم تصوير معظم الفيلم لكن الجزء الأخير لم تكن تمت كتابته، لذا عكف بديع والريحاني على كتابة باقي المشاهد وحوارها ولم يدخر نيازي جهدا في المساعدة والمشورة.

 

كاد الريحاني أن يفقد بصره مع تصوير المشاهد الأخيرة في الفيلم بسبب شدة الإضاءة المسلطة عليه، لولا مساعدة وعلاج بعض الأطباء من أصدقائه ، وعرض الفيلم لأول مرة بسينما رويال في 29 نوفمبر 1937، وحقق نجاحا منقطع النظير ومازال يسعد الجماهير حتى الآن.

 

 

    الاكثر قراءة