الأربعاء 22 مايو 2024

البلك: إثيوبيا ساومت وتوهمت فرض إرادتها في مفاوضات سد النهضة رغم حسن النوايا المصرية

أخبار22-6-2020 | 13:03

أكد الكاتب صلاح البلك أنه لا يمكن اعتبار ما جرى خلال السنوات الماضية بشأن سد النهضة نوعاً من أنواع التفاوض المتعارف عليها،حيث لم تتوافر شروط التفاوض الذي يؤدي إلى اتفاق يحقق أكبر قدر من المصالح للأطراف المتفاوضة ،مع الحفاظ على علاقات طيبة أثناء وبعد انتهاء عملية التفاوض والتصديق على النتائج .


وقال، راهنت إثيوبيا على "المساومة" واعتبرتها الوسيلة للفوز بكل ما تريد وظنت واهمة أن بإمكانها فرض إرادتها في ظل افتراض حسن النوايا الذي اعتمد عليه المفاوض المصري وهو ما لم يثبت تأثيره في تغيير الموقف الأثيوبي على مدار خمس سنوات منذ توقيع اتفاق المبادئ بالخرطوم . 


وأضاف، الحقيقة أن المفاوضات التي شاركت فيها كل من مصر وإثيوبيا استمرت على مدار تسع سنوات منذ إعلان أديس أبابا عن بناء السد عام 2011 وقبل التوقيع على الاتفاق. لم تكن الحكومة الإثيوبية على قدر المسؤولية ولم تستوعب خطورة ما تقوم به وتصرفت بما لا يتناسب وأهمية الموضوع محل التفاوض وكثيراً ما انسحبت في اللحظات الأخيرة وقبل التوقيع على أي اتفاق في تصرف لا يجوز أن يصدر عن دولة وحكومة تمثل الطرف الذي تتعلق به مشكلة تمس حياة ملايين الأشخاص في دولتين وتربطه قواعد أقرها المجتمع الدولي للتعامل مع مثل هذه الحالات.


وشدد على أن ميثاق الأمم المتحدة في فصله السادس والمعنون بالتسوية السلمية لحل المنازعات ، أقر فى المادة “33” الفقرة الأولى على أنه “يجب على كل أطراف أى نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بطريق المفاوضة، والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية ، أو عن طريق اللجوء ا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التى يقع عليها اختيارها ” وهو ما التزمت به مصر حرفياً. حرصت مصر على إبداء حسن النوايا من خلال توقيع "اتفاق المبادئ " في الوقت الذي خيبت أديس أبابا كل التوقعات وأحبطت نوايا المصريين الطيبة تجاهها، ومارست كل صنوف التعنّت وتعمَّد الجانب الإثيوبى تعطيل المفاوضات، ورفض كافة الأطروحات والمقترحات المصرية لحل الخلافات،وتحولت المسألة إلى نوع من المراوغة وإضاعة الوقت، حتى أتم بناء السد، وفرض الأمر الواقع على كل من مصر والسودان. 


وقال البلك لا يمكن اعتبار ما جرى خلال السنوات الماضية نوعاً من أنواع التفاوض فهو يندرج تحت بند المساومة بحسب الممارسات الأثيوبية ،فالمفاوضة مفهوم قائم بذاته ، يختلف شكلاً وموضوعاً عن المساومة ، ولا يجب الخلط بين العمليتين والتعامل معهما على أنهما مسألة واحدة ، التسوية بالمفاوضة سرعان ما تتحول إلى المساومة في كثير من القضايا ، ومن الوارد أيضاً أن تبدأ التسوية بالمساومة والتي يستطيع الطرف الآخر أن يحولها إلى عملية تفاوضية مستخدماً مهارة مفاوضيه أو ما يملكه من مقومات تتيح له تلك الفرصة وتسمح بذلك التحول . 


وأشار إلى أن أغلب المفاوضات السياسية تعد مساومات وهو المنطق الذي تعاملت به أثيوبيا حيث أن المفاوضات عادةً ما تتم بين طرفين أو أكثر ، فيما تبقى المساومة عملية يملى طرف إرادته فيها على الطرف الآخر. ذهنية المفاوض الأثيوبي لم تتقدم خطوة واحدة نحو التفاوض من أجل الوصول إلى الاتفاق المنشود ،وبقيت في منطق المساومة في ظل مفاهيم تتعلق بمصالحة والتي اعتبرها متعارضة بدرجة كبيرة مع المصريين ،محاولاً استخدام أساليب قسرية ،أو اقتراب الانتهاء من أعمال الإنشاء كورقة ضغط لحمل الطرف الآخر على الإذعان لمطالبه والخروج منتصراً من عملية لا تصلح لها مثل تلك النهاية . 


وأوضح أنه في الوقت الذي حرص فيه الجانب المصري على التهدئة وضبط الإيقاع الإعلامي صعدت اثيوبيا من الهجوم والتهديد في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسؤول بما يوحي أن أثيوبيا تتمتع بدرجة أكبر من القوة.


وقال أسوأ رسائل المساومة حملت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحبشة لا تحتاج للاحتفاظ بعلاقات طيبة و مستمرة لفترة طويلة مع أي من أطراف الأزمة ووصل الأمر إلى الاشتباكات العسكرية المحدودة مع السودان داخل أراضيها. 

كما عكست حالة من عدم الثقة المتبادلة على غير أسس ،ورغم تحمل الجانب المصري لكل التجاوزات الأثيوبية والبدء باتفاق المبادئ الذي لم تحلم بتوقيعه أصلاً ووفر لها الفرصة لإنشاء السد ،في مقابل الحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، وهو ما لم تظهر اثيوبيا أية نوايا للإقرار به حتى اللحظة.


وأضاف تحولت العملية برمتها إلى مفاوضات ممتدة ، غايتها الإبقاء على الوضع الراهن واعتمدت استراتيجية "الهروب في اللحظة الأخيرة" قبل التوقيع وهو ما حدث في مفاوضات واشنطن التي تمت برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي.


وتابع أن التفاوض لا ينتج طرفاً رابحاً وآخر خاسراً ،وهو عملية تهدف إلى السلام والاستقرار فى العلاقات الدولية وتهدف لحل الصراع وتجنب استخدام القوة من أجل تنمية العلاقات المتبادلة استناداً إلى ما يجمع بين الدول والشعوب من مصالح مشتركة. افتقرت اثيوبيا ومفاوضيها استراتيجيات التفاوض، ولم تعمل من الأساس على فكرة خروج رابحين من العملية وحرصت على الفوز بكل ما تريد وهو ما أفسد سنوات طويلة وأضاع الوقت الذي كان هدفاً اثيوبياً من البداية .

 ولم تقدم اثيوبيا أي تنازلات، كما أنها لم تأخذ حاجات الأطراف الأخرى فى الحسبان ،ولم تدرك أهمية مبدأ الأخذ والعطاء فى المفاوضات بنفس القدر الذي أغفلت عمداً أن المستقبل لا ينتهي عند تقديم تنازلات تحفظ أمن المنطقة وحقوق الآخرين التي أقرتها المواثيق والأعراف الدولية. أمام مصر وقت ضيق للغاية في ظل الإصرار الأثيوبي على بدء عملية ملء السد خلال الأيام القادمة حتى وإن لم تتوصل إلى اتفاق مع الجانب المصري ،وهوما سيخلق نقطة صراع وبؤرة توتر في منطقة تعج بالصراعات العسكرية ولا يعرف الاستقرار لها طريقاً.


واختتم: المجتمع الدولي ومؤسساته لا بد لها من تدخل سريع وكذلك الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ،والأتحاد الأوروبي الذي غاب عن المشهد منذ اندلاع الأزمة لعل موقفها مجتمعة يفلح في إجبار أديس أبابا على احترام التزاماتها قبل أن يشهد العالم "حروب الماء" بشكل مبكر.