الأربعاء 3 يوليو 2024

روسيا والتحديات الصعبة .. أكثر من الحنين إلى دولة عظمى اختفت

21-4-2017 | 13:40

عبير جودة

صدر حديثا عن  مؤسسة دار الهلال كتاب " روسيا والتحديات الصعبة "للكاتب والمفكر والمستشرق الروسى "يفجينى بريماكوف" وقام بترجمته الى اللغة العربية الدكتور "نيبل رشوان " حيث يتناول  لموضوعات هامة من وجهة نظر الكاتب ومنها لماذا فشلت الماركسية اللينينية ؟ ولماذا سقط الاتحاد السوفيتى ؟ وما هى الاخطار الى تواجهها روسيا المعاصرة ؟ وهل يشكل الصعود الاسلامى خطرا على روسيا ؟ .

وقال مترجم الكتاب الدكتور نبيل رشوان عن المؤلِف انه قام من خلال هذا الكتاب بعرض افكاره الخاصة لتطوير روسيا وجعلها قوى عظمى يعمل حسابها فبدا الكتاب بالحديث عن الجدل الدائر حول ثورة اكتوبر الاشتراكية كما تناول لمحاولات النخبة الروسية تشويه هذه الثورة اضافة الى حديثه عن الاتحاد السوفيتى والمؤمرات الداخلية والخارجية التى حيكت لاسقاطه وهدمه وكيف سقط وهل كان من الممكن انقاذه .

واعتبر مترجم الكتاب ان اهم ما جاء بالكتاب هو التحديات التى تواجه روسيا المعاصرة وتاكيده على انها داخلية بالدرجة الاولى وعلى راسها على ـ حد قوله ـ الفساد والصعود الاسلامى وتبعا لتعبير الكاتب فان روسيا قادرة على التصدى لأى خطر يأتى من الخارج والأهم  انه تحدث عن الاصلاح  الاقتصادى ومحاولة ما يسمى بالليبراليين الجدد الإنفراد بهذه العملية مشيرا الى ان تولى الرئيس بوتين للحكم هو الذى كبح جماحهم وجعل الاصلاح الاقتصادى ذا وجه انسانى الى حد ما .

كما اشار رشوان فى مقدمة الكتاب ان المؤلف لم ينس لوم القيادات الروسية المتعاقبة فى اعتمادها على تصدير النفط  والخامات فى الاقتصاد كما تحدث عن تاسيس حزب روسيا الموحدة كآداة سياسية فى يد السلطة وعن ايديولوجية الحزب وغير ذلك من الموضوعات الهامة .

واكد ان بريماكوف لم ينس الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية حيث اعتبر ان تأجيل حلها سيؤدى الى التطرف والارهاب هذا الى جانب دعوة الكاتب والمستشرق الروسى  فى نهاية كتابه الجميع الى طرح افكارهم معتبرا انه لا يحتكر الحقيقة وحده فى اشارة الى ان روسيا  مليئة بالافكار والمفكرين وانه لا يملك الحقيقة المطلقة فى اشارة من المترجم ان هذا الكتاب بمثابة برنامج عمل لتطوير روسيا .

وعلى صعيد متصل قال المؤلف فى مقدمته انه قد شعر بقوة لحاجته لأن يقول وجهة نظره فيما عاشته بلاده من مشاكل فى القرن العشرين ومدى قدرتها على التعايش مع قضايا القرن الواحد والعشرين وهذه القضايا  ابعد ما تكون عن ان تكون بسيطة مثل ثورة 1917 واى تصحيح ادخلته على المسلَمات المعروفة عن التطور التاريخى للماركسية اللينينية وفى اى الاتجاهات حدث ويحدث للاشتراكية العالمية واى مكان فى تاريخ الانسانية احتل المنظومتين الاجتماعيتين السياسيتين .

فيما طرح الكاتب فى سطور المقدمة لأسئلة أخرى منها لماذا انهار الاتحاد السوفيتى؟ وهل هناك مستقبل لرابطة الدول المستقلة التى حلت محل الاتحاد السوفيتى؟ وهل من الممكن اعتبار تحديث الاقتصاد الروسى غير ضرورى ويجب ان يصاحبه دمقرطة للحياة الاجتماعية ؟وهل ستطغى القومية على القيم الانسانية بصفة عامة فى بلاده؟ هذا  اضافة الى اسئلة عديدة يطرحها اخرى .

وقال مؤلف الكتاب انه لا يطمح  فى ان تكون وجهة نظره استثنائية ولا يعتقد ان قائمة القضايا التى سيتم بحثها لا تحتاج الى اضافات لكن اذا ساعد تقييمه واستنتاجاته الواردة فى الكتاب القارئ على التفكير فى الماضى والحاضر ومستقبل روسيا فعندها سيعتقد ان آرائه قد حققت المرجو منها .

ويضم الكتاب نحو احدى عشر فصلا فى مائتى صفحة  تتناول جميعها لموضوعات متنوعة وهامة منها ما سبق الاشارة اليه توضح فى سطورها التحديات كما يراها المؤلف فجاء الفصل الأول بعنوان " التاريخ لا تعاد كتابته "متحدثا خلاله عن احداث اكتوبر 1917 وما يتعلق بها .

كما جاء الفصل الثانى تحت عنوان " الماركسية اللَينينية : صدام مع الواقع " حيث عرض خلاله  الكثير من تاريخ هذه الفترة وان عددا  من مسلَمات الماركسية ـ اللينينية لم تصمد من تلقاء نفسها امام الاصطدام بالواقع والحياة وان هناك من بقوا ماركسيين مؤمنين بقيمتها العلمية خاصة كوسيلة لمعرفة وتفسير هذه او تلك من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية التى تحدث فى العالم .

وعرض الكاتب فى صفحات الفصل الثالث وتحت عنوان " التزاوج مع الراسمالية .. الاسطورة والواقع " لذكرياته عن المناقشة التى جرت فى معهد الاقتصاد العالمى والعلاقات الدولية حول هذه القضية فى فترة البيروسترويكا والمكاشفة .

وتحت عنوان " لماذا انهار الاتحاد السوفيتى " جاءت تفاصيل الفصل الرابع حيث اوضح الكاتب ان هذا السؤال كثيرا ما يتردد ويمكن بكل ثقة افتراض ان معظم المواطنين الروس وجزءا مشابها من مواطنى الجمهوريات السوفيتية السابقة يعانون من الحنين للدولة العظمى التى اختفت من الوجود على حد قوله ويحاول الاجابة على هذا السؤال من خلال طرحه لبعض الوقائع والاحداث .

وفى الفصل الخامس تحدث المؤلف" تحت عنوان مصير غامض للكومنولث " عن رابطة الدول المستقلة والتى رأت النور فى غابة بيلوفيجيسكى حيث تم توقيع قيامها فى نفس اليوم الذى تم فيه عن حل الااتحاد السوفيتى وهو يوم 8 ديسمبر 1991 وكان هدف اقامة هذه الرابطة من ناحية هو الوصول الى شكل متحضر للانفصال ومن ناحية اخرى تخطى مقاومة من لم يكن لديهم رغبة فى التخلى عن اتفاق 1922 القاضى بانشاء الاتحاد السوفيتى .

وقال المؤلف فى الفصل السادس وتحت عنوان"روسيا: ضرورة تغيير النموذج الاقتصادى " انه على الارجح يعتبر اعادة النظر فى النموذج الاقتصادى الذى نشأ عن التحول من منظومة الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق هو  المهمة الاكثر الحاحا حاليا مشيرا الى الأزمة الاقتصادية عام 2008 والتى لفتت الأنظار لهذا النموذج .

ويستمر الكاتب فى شرح وجهة نظره خلال الفصل السابع بعنوان " علامات عدم الاستقرار السياسى " (هل يعتبر حزب روسيا الموحدة اداة ايديولوجية ؟) معتبرا ان الحالة الإجتماعية المستقرة هى احد الإنجازات الواقعية والكبيرة لسياسة مواجهة الأزمة فى روسيا مشيرا الى ان الصفات الإجتماعية مهما كانت اهميتها فى حد ذاتها غير كافية لتحديد مدى استقرار الأوضاع فى بلاده .

واستمر فى سرد افكاره متناولا للعلاقات بين القوميات والعرقيات وكذا الهجرة والتى اعتبرها المؤلف احدى عمليات التطور الطبيعى للعولمة فى اشارة الى الاجراءات التى استهدفت وضع العمالة المهاجرة على الطريق القانونى موضحا ان الا]ديولوجية فى المجتمع  فوق العلاقات بين القوميات والعرقيات لكنها غير موجودة فى روسيا وهنا يقول " اتفق مع الرئيس ميدفيديف ورئيس الوزراء بوتين فى ان المضمون الأيديولوجى فى الاتحاد السوفيتى كان فوق علاقات القوميات والطوائف موضحا انه من الممكن ان تكون العلاقة بجوهر الأيديولوجية مختلفة من شخص لآخر فى الحقبة السوفيتية لكن لا تذهب بعيدا عن الضرورة الملحة للعمل الايديولوجى كوسيلة لوحدة وتطور المجتمع واضاف فى هذا الخصوص يأخذ العمل الايديولوجى للحزب الحاكم " روسيا الموحدة " اولوية واهمية .

وتأتى صفحات الفصل الثامن  بعنوان " التحديث : مجموعة من التناقضات "فيبدا الكاتب بمقولة " تنطلق الدعوات لتجديد وتحديث روسيا كل يوم بالمعنى الحرفى مع الأخذ فى الإعتبار انجازات العالم فى الإقتصاد والسياسة وبناء المجتمع والدولة وهى بلا شك تعتبر موضوع الساعة الملح " وهنا يشير الكاتب الى ان التحديث لا يمكن ان يقوم الا على صراع حاد مع الفساد وبحيث لا يجب ان ينعكس هذا على معيشة المواطنين بالسلب فى اشارة الى ان التناقضات معروفة لكن ماذا يعنى مفهوم التحديث فى الظروف الروسية بشكل محدد وما هى الإجراءات التى يجب ان تتبع لتحقيقه .

واضاف انه لا يطمح الى تحديد استراتيجية وتكتيك التحديث فى روسيا ولكنه سيكتفى بطرح وجهة نظره بخصوص ما يجب تجنبه او من اى شئ يجب ان نتجرد فمجموعة التناقضات المقترحة لم تاتى من لا شئ وهى ترتكز على مناقشات طويلة واقوال فى  كل من الصحافة والمؤتمرات وجلسات موائد مستديرة . .

وما زال الكاتب يعرض لوجهة نظره ففى الفصل التاسع وتحت عنوان " مكان روسيا فى عالم اليوم " يقول ان تحديد طبيعة المحيط الخارجى لروسيا مسالة ليست سهلة لكنه يعتمد بدرجة كبيرة على اتجاهات السياسة الخارجية والداخلية للبلاد فقد انتهت الحرب الباردة قبل ظهور روسيا الاتحادية على خريطة العالم كدولة مستقلة ومع انتهاء الحرب الباردة اصبحت جزءا من الماضى تلك المرحلة التاريخية من المواجهة الايديولوجية بين اقوى قوتين من الناحية العسكرية الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الامريكية وانتهت مرحلة ثنائي القطبية حيث اعتقد الكثيرون بما فيهم بلاده ان ما حدث هو انتقال الى عالم احادى القطب .

وفى الفصل العاشر والذى جاء بعنوان " التناسب بين التهديد الخارجى والداخلى عرض الكاتب تصوره بالنسبة لروسيا المعاصرة حيث اصبح التهديد الرئيسى ليس الخارجى ولكن الداخلى فقد ازاح انتهاء الحرب الباردة للمرتبة الثانية خطر الصدام العالمى .

وخلال صفحات الفصل الحادى عشر والاخير وبعنوان " لابد من الحديث عن الشرق الاوسط "قال  " لا استطيع ان امنع نفسى من الحديث المفصل عن الاحداث فى الشرق الاوسط " مشيرا انه تخصص فيه لسنوات كثيرة وتحدث عن  مستقبل التسوية فى تلك المنطقة التى  لها اهمية استثنائية فى انعاش الموقف الدولى برمته فى اشارة الى العلاقات الاسرائيلية ـ الفلسطينية وقت كتابته لصفحات هذا الكتاب والتى كانت تشهد حالة من الركود بالاضافة الى هذه القضية تناول المؤلف للاحداث التى سادت دول عربية مختلفة فى عام 2011 منها تونس ومصر والتى وصفها بانها اتخذت طابعا  اكثر درامية فى مصر مستعرضا لمختلف الاحداث التى دارت بها خلال تلك الفترة .

وتجدر الاشارة ان مؤلف هذا الكتاب " يفجينى بريماكوف " هو من اهم الكتاب والمفكرين الروس المتخصصين وقد بدا حياته مراسلا لصحيفة " البرافدا " السوفيتية  بالقاهرة وكذا عدد من الدول العربية وترقى فى المناصب حتى وصل الى رئيس تحريرها ثم اصبح مدير لمعهد الاقتصاد والعلاقات الدولية التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية كما شغل  مناصب عدة منها منصب وزيرا للخارجية الروسية فرئيسا للوزراء فى روسيا الاتحادية ويعد بريماكوف واحدا من اهم المستشرقين الروس والسوفييت وقد توفى عام 2015 عن عمر ناهز الثمانين عاما .

    الاكثر قراءة