الأربعاء 29 مايو 2024

جبر البابا يكتب: العناصر الدرامية التراجيدية وتشكلاتها الفنية في مجموعة «بنات للألم» للشاعرة أمينة عبد الله

فن3-10-2020 | 14:38

صدرت للشاعرة أمينة عبدالله مجموعتها الشعرية، تحت عنوان «بنات للألم» 2020 عن دار كيميت للثقافة والفنون، مصر، وقد ضمت عددا من القصائد التي ترمز إلى معاناة المرأة التي لا تنتهي. 


إن الصلة بين النص الأدبي الأنثوي وحاضنته الاجتماعيه، قائمة على أسس علمية، وذلك ما يستدعي إليه تداول المنهج الاجتماعي، الذي ينظر إلى الأعمال الأدبية من خلال مؤثرات الواقع الاجتماعي، مما قد يسلط أمرين مهمين إلى جانب الجمالي الشعري والجانب التراجيدي المؤلم، الصلة بين الظاهرة الفنية والاجتماعية، وظواهر تطبيقات في كينونة النص تلك التي ترتبط  بمجتمعاتها.


وبما أن المرأة صاحب قضية ذات جذر اجتماعي مترسخ في الذهنيه المغالية في اعتداد المرأه من تهمش واستلاب، وهذا كله ناتج عن تراكمات وتكابدات الشطر المدنس من ثنائية الجنسين، بحيث يأتي السرد في النصوص بآفاقه الواسعة ميدانا لهذه الصلة بين الاجتماعي والإبداعي، وهذا السرد النصوي الأنثوي منصرف إلى هموم اجتماعيه ليكشف مكابدات المرأه، بما يعزز صميم مسوغات المنهج الاجتماعي التراجيد،  كما في مجموعة الشاعرة أمينه عبد الله «بنات للألم» فالنصوص ضاجه بالإثاره، وذلك من خلال تأطير الصور بإشكالية ترميزيه والداله على الصور الوجدانية التي تدخل في ذاتية المرأة ذات هموم لا تنتهي تقول في قصيدة «أنا ووحدتي أسدين في قفص» النساء عندما يملكن المال لإصطحاب رجل  لابد أن يصغرهن بسنين عدة  ليصبح قادرا على إبدالهن لحظة العشق  بسنوات جمع المال / هكذا / أتت أشياء جميله في أوقات غير لا ئقة / النساء الجميلات الصغيرات السن / اللائي يملكن الحيويه / يدفعن ثمنا باهظا / يختفي بريق اعينهن / للفوز بثري ) ص 9 .


 ليس عسيرا على الشاعرة استنتاج دلالة ما جعلتها مدخل هذا البوح، وبرغم الجرح الذي ينتابها في حديث عن آلام المرأة فهي في النتيجه محصله لكينونة وصيرورة واحدة، فالشاعرة أنجزت في تواضع في عالم رحب غير خاضع لأدلجة وتنظير بقدر انطلاقه في الكون والإنسانيه وحياة تلك المرأة المتألمه دون انغلاق أو تقليد أو تعصب فالمضمون يختار شكله، وتبقى النصوص تربطها علاقة متنت في تراجيديا مؤلمه حقا رغم متعة النص. (النساء اللاتي حرمن الانوثه/ غاضبات على الطبيعه / كارهات بشدة استدارة القمر / يحملنها الطبيعة آلامهن الشهرية / الحمل / الولاده الرضاعة / أشياء تظلمنا فيها الطبيعة / تقوي أبناءها بالالم / لتظل مشدودة الظهر، مرفوعة الرأس) ص 15. 


أضفت الشاعره غلالة شفافة على النص فيها بعض الغموض، ولكن لا يصل إلى حد التعمية،  فالرمز إحدى أدواتها تستلهم هموم المرأة وآلامها ومعاناتها في مجتمع ذكوري ترسم الدائرة المتوازنة وتترك شيئا واضحا منها للمتلقي تكتب متوخية الإثارة والمتعة محاولة منها ابتكار دهشة تغني للنص فنيته وجماله فهي تؤدي دورها الفاعل في مجابهة كل ماهو ضد المرأة وينتقص من قيمتها، وكل ماتجد في الأنوثه الضحيه وتحاول ان تعالج محنة الأنثى في مجتمع يجد في وجودها كائنا مدانا برؤاه دون ان يعرف هذا الكائن المدان تهمته لكي يرتضي الإدانه (ما اعطى للعشاق شرعية وجودهم كأحبه/ واحقهم في قلبك طواعيه) (لم اتشارك معه ابدا / لضم ابرة الخياطه / او تبادل نظارات القراءه / اكل االايس كريم والخروج للكورنيش / تشاركت معه / الاعمال المنيه الشاقه / رحلات البحث عن عمل / البحث عن كلمه ومرادفاتها في القاموس/ او مناقشة عاصفة في التأويل وسلطة الجنس / التي يؤمن بها ايمانا مطلقا / ليبدأ رحلة الانكار والخذلان ) ص 31 .


يقول الناقد جمال جاسم أمين (النصوص المنثوره ذات تطعيمات موزونه احاديه تفعيليه او تناظريه عموديه حيث التطعيمات الموزونه دلاليه اجمالا في تلكم الاولى اي النصوص المنثوره تعاضد ثيماتها العتبائيه ثم المتونيه) استطاعت الشاعره ان توظف في مرتكزاتها النصيه على الانثى المسحوقه التي تعاني من اضطهاد وتأنيث من قبل الآخر في اطر تراجيدية واضحة التناص السردي راصدة حركة أطواق العتمة التي تضيق الخناق عليها والتي تجعل المرأة جسدا بعيدا عن الذاكرة والاحساس .( عادة / لا يقرأني الا غرباء ومسافرون كأننا فصيلة واحده / يشم أحدنا الاخر / يتحول الشم والرائحة لقريبين / بينهما / تاريخ عائلي من المودات / حتى لو كانت مودات أعين فقط / تصنع بها الذاكره البصريه / علاقات في حياتي ) ص 33 .


ازمات تواجه الانثى بسبب الفرق الفسيولوجي بين الاثنين والظلم الذي يقع عليها دون مبرر ولشدة ما استهواني النص ذلك التكثيف المشدود كمثل وتر الكمان فالتصوص فيها خلق مايشبه الحياة والكلمه ذو خاصيه لاتعوض . (  سلام علينا / طوبى لجروحنا / من ثقب الأذن / الحمل / الولاده / الرضاعه / سلام علينا بحجم النزيف ) ص 41 .


فالكتابة لدن الشاعرة آلية تبدأ بالتكوين كالجنين ثم تأخذ جانب الإشغال عما سواها ، فالكتابه عن المرأة كأنك تجيد العزف على الة الكمان عليك بأسرار اوتاره ، هكذا استطاعت الشاعره من وضع اللحن الأنثوي في صور فوتوغرافيه رسمت بأنامل فنان بارع فالنصوص شبيهة بالقصص في حياة حقيقيه انها خلاصة المبتغى ( أنا امرأة اذا قبلها حبيب / تصير شجرة / تمتد افرعها نساء صغيرات / يحضرن تعاويذ الحب / يصنعن عروسه ورقيه للرقية من الاشتهاء/ كل من نسائي الصغيرات اذا قبلها حبيب / صارت شجره / واصير غابة ) ص47.


الكتابة لدى الشاعرة طقس ممتع تقتنص صورا شبه مرئية بإبداع وشحنات النفس ولعلها جريئة في تناول الخطوط الساخنه التي الوانها المرأه فتجعلها سلسله إثر تخطيها بؤر الحساسية وبالرغم انها تبدو عمليه سهله أجد انها صعبة صعوبة الرضوخ للأمر الواقع. ان الكتابه كهذه مشروطه الى حد كبير بأن تكون مؤمنا بأهمية التجربه وثرائها رغم اللآلام التي تعتريها من غياب وتهميش وانفصال وربما في النهاية لاتمنح فيها بعدا ووقتا كافيين لشهيق عميق ( النساء المطرزة ارواحهن / بالوشايات / واعمال السحر الأسود / يستطعن اخفاء سوء الطوية / ويتزركشن بالالوان الزاهيه / يستطعن الحصول على متطلباتهن / كما يبغين بالتحديد / هؤلاء النسوة / بالرغم من المكاسب الملموسة / يقضين ليلهن في خواء / يبكين بكاء اشبه / بعواء جروح لاتلتئم ) ص 67 .


بايجابية مقنعة وشهادة تحدد مفهوم النص من خلال دعوه مستجابه وشجاعه لكبح الرغبات الساذجه لتعلم ان كل مافي الحياة العابر وغير العابر يمكن ان يكون ميدانيا واسعا . ( لكم النسيان ، وحكايات شهرزاد / ولي اسئلتي / لكم ورود صناعيه ، افراح مؤقتة / ولي انتظاراتي / لكم محبتي دعاء الصالحين / ولي اشاراتي لكم من / اسئلتي / فتوحات الاولين / انتظاراتي مكافأة فورية ابكر من حور عين / اشاراتي / لن امنحكم ايا منها / اشاراتي لنساء مرسومات كلوحات / جسديه تؤدي ادوارها المتعدده وحيده / أمهات / حبيبات / منتقمات / واهبات  ارواح / ليست لكم لوحاتي الإلهيه ) ص81.


نجحت الشاعرة في حكاية الانعتاق من تلك الهيمنة، وإن كان ذلك استحياء في باديء الأمر إشارة لعلاقة المرأه بالرجل مثلا انها دعوة الى امرأة واحده في كل عصر .(  تلك التي يراها الناس مدينة متراميه الأطراف / متسقة الأرواح / امرأة واحده / يتناثر منها عطر نساء اخريات / تحمل فيها سذاجة النساء وقدرتهن المفرطة / على الضعف / وتملك نفس المرأة شجاعة المستأسدة / هذه المرأة بلا شك ظاهرة ملغزه هذه المرأة / أنا )ص 87.


الشاعرة تميز نصها بمسحه بكائية متوغلة في أوصالها بحيث تجعل في مفرداتها نوعاً من الكآبة والحزن المستفيض، إنها معاناة تراجيديا لما تؤول اليه المرأة في كل الظروف، إن ذات الشاعرة هطلت علينا بجماح خيولها إثر حوافرها المتخمة والمنغمسة في الآهات ومواكب الآلام ومن هذه الآلام نتذوق اشكال ومذاق كل نتاج ملتزماً بتيار الصبر والحكمة والمعرفة وقد تصل بنا الشاعره أحياناً إلى مفردات إلى حد القبول والرغبة في إكتشاف الذات الانسانية من جوانب،  قد تضيء حيناً وقد تظلم أحياناً وهي بالتأكيد ادوات تتفرد بها الشاعره لتبني قصيدتها من خلال اسلوب التداعي الذي يوقض لمحات المباغتة بكل اشراقات الحدث، والتي تعني كل حزن برغم التهويم في متاهات الميتافيزيقيا، فالروح توحدت بأحلام الطفوله لكن الغربه تفتحت بدموعها.


(جبر البابا : كاتب وناقد عراقي)