كتب: خليل زيدان
من خلال رصدنا لحياة العديد من نجوم الفن في الزمن الجميل وجدنا أن المآسي والكوارث العائلية، كانت السبب في التحاقهم بالفن وبزوغ نجمهم في المسرح والسينما، منهم الفنانة سامية جمال والفنانة تحية كاريوكا وتليهم الفنانة نعيمة عاكف التي تحل ذكراها اليوم.. ويسعدنا أن نلقي الضوء على العديد من المحطات الهامة في حياتها وكيف أصبحت نجمة بعد كثير من المعاني.
ولدت نعيمة عاكف لرجل صاحب سيرك وبدأت هي واختيها العمل منذ طفولتها في السيرك، ولم تنعم بما ينعم به كثير من الأطفال في سنها، بل عاشت طفولتها في حياة قاسية تتأرجح على أحبال السيرك وبين أنياب الوحوش الكاسرة هي وشقيقتيها لتسعد رواد السيرك بما يقدمه البنات الثلاث من عروض تثير العجب، وظلت رحلة الشقاء دائمة من بلد إلى بلد ومن قرية إلى أخرى، وكل يوم في بلدة في أعماق الريف، كأنها وأخواتها يعشن خلف أسوار الحياة، فقط يقدمن ما يسعد الناس ولا يجدن أي سعادة في عمرهن المسلوب.
كبرت نعيمة عاكف وعند العاشرة من عمرها، حدثت كارثة غيرت مجرى حياتها، وهي كارثة أتت بها من خلف الحياة لتعيش في قلب القاهرة وتسلط عليها الأضواء في ملاهي روج الفرج وشارع عماد الدين. وتتلخص الكارثة في نشوب خلاف بين والديها انتهى بالطلاق، وأخذت الأم بناتها الثلاث وخرجت بهن من البيت جريحة القلب كسيرة الجناح، لا تعرف أين تذهب وكيف ستعيش هي وبناتها، واستقرت الأم الأم في القاهرة وما كان على البنات الثلاث إلا أن يبحثن عن عمل ليعشن منه هن ووالدتهن، فاتجهن إلى دنيا الملاهي الخفيفة يمارسن الرقص والاستعراض، والتحقن بالعمل في صالة بديعة مصابني، ثم عملن مع فرقة الفنان العظيم على الكسار.
وصلت نعيمة إلى مرحلة الشباب ووقعت بالصدفة عين مخرج يهوى صنع النجوم وهو المخرج حسين فوزي، فقد رأى في نعيمة مالم يره غيره، وجد بها المادة الخام لنجمة المستقبل، وبالفعل بدأ حسين فوزي يغامر بنجمته حيث منحها أول بطولة لها في فيلم "العيش والملح" عن قصته وحواره هو وبديع خيرى وإخراجه وشاركها البطولة المطرب سعد عبد الوهاب، ومنذ الليلة الأولى لعرض الفيلم تحدثت الألسنة والأقلام عن ميلاد نجمة جديدة، لتصبح بعد ذلك نعيمة عاكف بطلة الاستعراض الأولى في مصر بما تقدمه من أغان خفيفة ورقصات مميزة، حتى أن بعض النقاد أشاد بتلك المرحلة، وسماها السينما الترفيهية في مصر. ومن خلال نعيمة عاكف بدأ حسين فوزي في احتكار فنها وحياتها حيث تزوجها، وبدأ في ابتكار جديد في السينما المصرية وهو الإتجاه الاستعراضي التي تمتاز نجمته بخفة الدم وجمال الأداء.
أدت نعيمة عاكف بطولة 26 فيلمًا خلدت فيها نفسها بأسلوبها الجديد التي أدخلته على السينما المصرية، وما من فيلم شاركت فيه نعيمة عاكف إلا وحقق نجاحًا كبيرًا، فقد قدمت في عام 1950 فيلمين، وهما "بابا عريس وبلدي" و"خفة"، وفي العام التالي قدمت فيلمين وهما "فرجت" و"فتاة السيرك"، وفي عام 1952 قدمت ثلاثة أفلام، وهي جنة ونار والنمر ويا حلاوة الحب مع محمد فوزي، وبعد ذلك توالت روائع نعيمة عاكف التي تعد من علامات السينما المصرية، ومنها "4 بنات" و"ضابط" و"لهاليبو" و"عزيزة" و"تمر حنةط و"أحبك يا حسن" و"خلخال حبيبي" و"بياعة الجرايد".
وتختتم نعيمة عاكف مشوارها مبكراً عام 1964 بفيلمين وهما من أجل حنفي وأمير الدهاء مع فريد شوقي، لتصاب بعد ذلك بالمرض اللعين الذي أنهى حياتها بعد صراع دام فترة قصيرة، لم تكن نعيمة عاكف تتمنى أن تصل إلى السينما العالمية، بل فقط كانت تتمنى أن تمتد حياتها وتنجب أطفالاً تنعم بهم وترعاهم.