الأحد 16 يونيو 2024

السفير محمد نعمان جلال يكتب: نصـر غيَّر العالم.. قراءة فى الظروف والملابسات التى أحاطت به

تحقيقات7-10-2020 | 22:29


لكى نفهم مغزى وأهمية حرب أكتوبر لابد أن نتطرق للمناخ الذى أدى إليها وإلى الملابسات والظروف الدولية التى تمت فيها.


ويمكن باختصار الإشارة إلى ستة أمور الأول أن هزيمة ١٩٦٧ كانت بمثابة كارثة كبرى أصابت مصر وزعامة جمال عبد الناصر وطموحاته القومية كما أصابت الأمة العربية بأسرها.


الثانى أن هزيمة يونيه ١٩٦٧ كانت أيضا بمثابة هزيمة للتعاون المصرى السوفيتى وللاتحاد السوفيتى نفسه كقوة كبرى ، والثالث أن الهزيمة كانت بمثابة انتصار كاسح لإسرائيل التوسعية تماشيا مع الفكر الصهيونى الأسطورى بأن أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات وليس فى أرض فلسطين فقط والادعاء بأن الله أعطى تلك الأرض بالوعد المقدس لشعب إسرائيل . الرابع أن الهزيمة أبرزت قوة الولايات المتحدة فى مواجهة خصومها السوفييت وحركة التحرر الدولية بقدر ما أبرزت قوة إسرائيل نتيجة مساندة الولايات المتحدة بوجه خاص وأوروبا بوجه عام. الخامس أن هزيمة١٩٦٧ كانت أيضا بمثابة ضربة للقوى الآسيوية والإفريقية والعربية والإسلامية وهى القوى المؤيدة أو الصديقة لمصر والمعارضة لإسرائيل. السادس أنها كانت ضربة قوية للنظام الناصرى والطموحات الوحدوية القومية وأظهرت عجز النظام الناصرى عن تحقيق الأهداف الستة التى رفعتها ثورة يوليو ١٩٥٢ من بناء جيش قوى ، وإقامة ديمقراطية سليمة ، والقضاء على الفساد والاستغلال من الرأسمالية والإقطاع والقضاء على الاستعمار . وللأسف لم تتحقق معظم تلك الطموحات. وسبق يونيه ٦٧ الانفصال السورى وانهيار الجمهورية العربية المتحدة وبروز الفساد الكبير فى مصر وظهور مراكز قوى جديدة سيطرت على البلاد وتراجع المستوى التعليمى فى المدارس والجامعات وتغلغلت البيروقراطية فى نظام الدولة. وجاء التدخل المصرى فى اليمن لدعم ثورتها بمثابة ضغث على إبالة لأنه استنزف موارد الدولة وورط مصر.


فى حرب لا تفهم الطبيعة الاستراتيجية لأرضها ولا مكونات وهوية شعبها، ثم تورطت مصر والسعودية فى صراع خفى على اليمن مما أدى لاستنزاف القوة العسكرية والموارد الاقتصادية والصورة الإعلامية لمصر الثورة القوية ذات البعد القومى العربى . كما أبرزت الهزيمة عدم دقة وسلامة اتخاذ القرار السياسى لعدم التشاور مع الجهات المختصة المختلفة فى الدولة ، وهذا ألف باء الديمقراطية واتخاذ القرار السليم. ومن هنا كان سعى الزعيم جمال عبد الناصر لتصحيح الأوضاع المصرية والسياسات فأصدر ما عرف بإعلان ٣٠مارس ١٩٦٨ من ناحية لاستيعاب جماهير الشعب المصري، وتقديم وعود بالديمقراطية ، والإصلاح ومحاربة الفساد من ناحية أخرى، ودعم القوات المسلحة بتزويدها بالسلاح ومزيد من التدريب والإطاحة بمراكز القوى بالدولة التى كانت تهيمن على البيروقراطية، وجانب من المؤسسات الأمنية من ناحية ثالثة . كما تم استيعاب ردود الفعل الشعبية ضد النظام الناصرى بضرب الفساد والفاسدين بما فى ذلك القوى المؤيدة للمشير عبد الحكيم عامر باعتباره قائد الجيش وسبباً رئيسياً من أسباب الهزيمة، لحدوث سهرة له مع أنصاره ومؤيديه فى ليلة الخامس من يونيو وقراره ركوب طائرة للمرور على قواته فى سيناء ومن ثم أوقفت كافة أجهزة الرصد والمراقبة والاستطلاع عملها فأتاحت بذلك ، دون أن تدرى ، الفرصة للطيران الإسرائيلى أن يضرب ضربة قاصمة ضد الطيران المصرى على الأرض وتنطلق القوات الإسرائيلية لاحتلال معظم سيناء ، وبعضها وصل إلى شاطئ قناة السويس.كما سعت إسرائيل لإقامة مستوطنات يهودية إسرائيلية على سيناء الحبيبة وسعت لتوطين فلسطينيين على جزء من سيناء بهدف إقامة دولة فلسطين على أرض سيناء ورغم كل تلك النتائج الخطيرة ردد بعض الصحفيين شعارات ما أنزل الله بها من سلطان، وبلور صحفى مصرى بارع فى طرح الشعارات وقلب الأمور من هزيمة إلى نكسة للتخفيف من وقع الهزيمة على جمال عبد الناصر والشعب المصرى والشعوب العربية.


ولكن جمال عبد الناصر حرص على العمل بهمة ونشاط فى الحصول على أسلحة سوفيتية متقدمة رغم صعوبة ذلك للموقف السوفيتى المتردد بعد أن دمرت أسلحتهم فى الحرب واستولت إسرائيل على بعضها. ورددت إسرائيل وأمريكا الدعاية المضادة بأن السلاح الأمريكى هزم السلاح السوفيتي. ولكن لم يتوان عبد الناصر عن الإشراف شخصياً على القوات المسلحة وإعادة تنظيمها وتدريبها واختار القيادات الوطنية الممتازة ذات الكفاءة العالية أمثال مدكور أبو العز ومحمد فوزى وغيرهما. ومن هنا أطلق عبد الناصر ما عرف باسم حرب الاستنزاف ضد الاحتلال الإسرائيلى وبالفعل حققت تلك الحرب ما يمكن أن نسميه عودة الروح للشعب المصرى والجيش المصري. وتكبدت إسرائيل من وراء ذلك خسائر كبيرة.


وقد لمست شخصياً مدى التغير ومدى العمل الهادئ، بعيدا عن الشعارات والإعلام ، حيث قام أبطال من القوات المسلحة والصاعقة بتدمير مراكز وأسلحة إسرائيلية ، وكنت آنذاك دبلوماسيا شابا فى سفارة مصر بالأردن فى تلك الفترة العصيبة. ولمست الدور الذى قام به أفراد الصاعقة فقد دمرت قوات الصاعقة الباسلة “ المدمرة إيلات الإسرائيلية وغيرها من الأسلحة المتنوعة لدى إسرائيل . وكان ذلك إيذانا بعودة الروح للجيش المصرى البطل وللشعب المصرى المؤيد لجيشه ولعبد الناصر كزعيم وطنى يحب شعبه ويعمل من أجله، كما يحرص على الدعم لأمته العربية. وقد تميز عبد الناصر بالنزاهة فى سلوكه مقارنة بغيره من الرؤساء الذين تولوا من بعده ، وسعى لاسترداد أرضه المحتلة فى سيناء. ولم ينس قضية فلسطين التى بدأ حياته مدافعاً عنها فى حرب ١٩٤٨، وحوصر مع قوات فى منطقة الفلوجة ، بينما دخل الفلسطينيون فى صراع مع الملك حسين ملك الأردن ، وصراع مع بعضهم بعضاً فضاعوا وأضاعوا بالانتماء لعدد من الدول العربية ذات الفكر الأيديولوجى والمذهبى وبذلك فقدوا قوتهم وفقدوا طموحاتهم الحقيقية بالعمل من أجل فلسطين وأساءوا لقضيتهم ببروز بعض المتطرفين الذين خطف بعضهم طائرات مدنية وهاجموا محلات مدنية فى أوروبا وبذلك أعطوا الفرصة لإسرائيل لإطلاق مصطلح إرهابيين عليهم ، وتردد هذا المصطلح فى الإعلام الغربى والأمريكى لتدميرهم مؤسسات مدنية وليس فى ميدان القتال ضد المحتل الإسرائيلى لأرضهم.


وتدخل عبد الناصر لوقف الصراع الفلسطينى مع الملك حسين ملك الأردن ودعا لقمة عربية بالقاهرة وتمكن من خلالها من التوصل لمصالحة بين الملك حسين وعرفات. وللأسف بعد أن غادرت الوفود العربية القاهرة عائدة لأوطانها شعر عبد الناصر بالمرض وكان ذلك إيذاناً باقتراب أجله. وكان عبد الناصر سبق أن تعالج فى الاتحاد السوفيتى لعدة أسابيع وعاد سليماً معافى ، ولكن مؤتمر القمة والمصالحة أجهد عبد الناصر خاصة أن بعض القادة العرب دخلوا قاعة الاجتماعات كل منهم حاملاً مسدسه كما لو كانوا ذاهبين لمعركة وليس لاجتماعات قمة عربية فى القاهرة مركز العروبة والسلام بين إخوتها العرب وبعد أن ودع عبد الناصر الوفود التى شاركت فى القمة عاد لمنزله وشعر بالألم ، ومات فجأة مما أحدث صدمة كبرى فى الشعب المصرى الذى أحب عبد الناصر وطالبه بالاستمرار فى السلطة وعندما توفى فى ٢٨ سبتمبر١٩٧٠ خرجت جموع الجماهير المصرية والعربية ومن مختلف الدول النامية لفقدان زعيم أسطورى آمن بوطنه وبقوميته وبانتمائه الإفريقى وبإسلامه المعتدل.


وكان عبد الناصر قد اختار فى الفترة الأخيرة قبل وفاته أنور السادات ليكون النائب الأول وهذا كان بمثابة تهيئة للقيادات الناصرية من حوله أن يقبلوا أنور السادات رئيساً بعده وهذا ما حدث عندما تصارع رجال عبد الناصر على السلطة ووجدوا فى السادات شخصية معتدلة وغير طموحة ومسالمة طوال عمره بالموافقة على أى قرار يطرحه عبد الناصر.ولن نتعرض للصراعات بين رجال عبد الناصر ولا بينهم وبين السادات. وهذا حديث له مجال آخر. وإنما استعرضنا هذه الفترة بإيجاز ليعرف الجيل الجديد ما كان يحدث فى السلطة وكيف وصل السادات، ومن ثم كيف استعد وعمل من أجل حرب أكتوبر ونصرها المبين بالجيش المصرى البطل والشعب المصرى العظيم الذى أيد جيشه والذى أحسن تدريبه وإعداده كما تم تجنيد المؤهلين المتعلمين فى القوات المسلحة وبهذا قدم الشعب المصرى خيرة أبنائه من المتعلمين للدفاع عن الوطن وهذا كان أحد العوامل التى ساعدت فى نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر ١٩٧٣ .


أهمية حرب أكتوبر ودلالات الاحتفال بالذكرى السابعة والأربعين :

إنه من الذكريات الجميلة والمهمة التى تمثلت فى الاحتفالات بذكرى النصر فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر ١٩٧٣ المجيد وذلك لعدة أسباب منها:

الأول: أنها أعادت للجيش المصرى وللشعب المصرى ثقته بنفسه بعد هزيمة يونيه ١٩٦٧

الثاني: أنها كسرت أسطورة أن الجيش الإسرائيلى لا يقهر.


الثالث : أعادت لمصر دورها القيادى العربى والعالمى بعد ذلك النصر المبين .


الرابع: أنها أبرزت القوة العربية باستخدام السعودية وبعض الدول العربية الأخرى سلاح البترول

ضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الذين كانوا يدعمون إسرائيل بلا حدود ويتجاهلون حقوق العرب وخاصة حق شعب فلسطين.


الخامس: أن حرب أكتوبر المجيدة تلازمت مع العاشر من رمضان المبارك آنذاك وهذا التلازم

كان بمثابة بشرى بالنصر للتذكرة بنصر غزوة بدر الكبرى التى حقق فيها المسلمون أول نصر على الكفار. بينما حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، العاشر من رمضان حققت أول نصر مصري، هذا النصر الذى أكد الوحدة الوطنية للشعب المصرى وجيشه البطل فقد كان المهندس المسيحى المصرى هو الذى قدم فكرة تدمير خط بارليف بخراطيم ضخمة للمياه. وقام المسلمون المصريون بالتهليل والتكبير عند عبور الجيش المصرى قناة السويس وخط بارليف ودخول أرض سيناء الحبيبة التى عاش فيها وغيرها من أصحاب الديانات السماوية الثلاث والتى جاء عبرها النبى إبراهيم ، وعبرها هرب اليهود من مصر مع سيدنا موسى وضاعوا فى تيه سيناء لمدة أربعين عاماً نتيجة تجاهلهم ونكوصهم عن عبادة الله الواحد الأحد عندما عبدوا العجل، وقدمه لهم السامرى فإن ذلك يمثل انحرافا خطيراً خطيراً منهم عن العقيدة اليهودية وغيرها . كما أن السيد المسيح وأمه السيدة العذراء مريم جاءا إلى مصر هربا من طغيان


الاستعمار الرومانى وتحالفه أو بالأحرى تآمر اليهود مع الرومان ضد السيد المسيح وهو صغير . ثم ادعوا أنهم قتلوه وصلبوه ولكن الله العلى العظيم أنقذه ورفعه إليه . كما أن أرض مصر الطاهرة آوت كثيراً من الأنبياء وفى مقدمتهم النبى إدريس المعروف فى الإنجيل باسم أخنوخ . كما ولد على أرض مصر النبى موسى وعاش بها كما جاء سيدنا يوسف لمصر ورحبت به مصر وجعلته وزيراً للمالية رغم أن إخوته تآمروا عليه. وعندما استقر فى مصر دعا والديه وإخوته للإقامة فى مصر إعمالاً للرؤيا. التى رآها صغيراً وقصها على أبيه والقصة الكاملة موجودة فى سورة يوسف فى القرآن الكريم .


ومصر العظيمة بشعبها والمقاتلة الباسلة بجيشها انتصرت على الصليبيين وحبست لويس

التاسع فى دار ابن لقمان وحاربت فى حطين وانتصر صلاح الدين الأيوبي بالجيش المصرى على الصليبيين وأعاد القدس للعرب والمسلمين.


السادس: تم تحرير أرض سيناء المحتلة بعد إطلاق الرئيس أنور السادات بطل حرب أكتوبر

المظفرة مبادرة السلام عام ١٩٧٧ وعقد معاهدة السلام التى أظهرت للعالم بأسره حرص مصر على السلام ومبادرة الرئيس السادات بطرح أفكار ومبادئ جريئة بالذهاب إلى إسرائيل وإلقاء خطاب فى الكنيست الإسرائيلى دعا فيه للسلام العادل بقوة ووضوح وأكد حق شعب فلسطين فى تقرير مصيره وفقا لقرارات الأمم المتحدة وقد أشاد به العالم الذى أعجب بشجاعة الرئيس ليس فقط فى الحرب ومفاجأة حرب أكتوبر الظافرة ، فهو أيضا فاجأ العالم باقتراحه زيارة إسرائيل ، وهكذا عبرت مصر من خلال سياستها الخارجية الجريئة والشجاعة والنشيطة أنها داعية سلام وليس داعية حرب وترتب على ذلك عقد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وهى التى أعادت كل متر من أرض سيناء بما فى ذلك طابا إلى حضن الوطن عبر التحكيم الدولى وانتصرت فيه الدبلوماسية المصرية بتقديم وثائق قوية عديدة أحبطت ادعاءات إسرائيل. وأصرت مصر على إنهاء وجود كافة المستوطنات الإسرائيلية على أرض سيناء وانسحاب المستوطنين اليهود من كافة المستوطنات التى أقاموها عدوانا وغدراً على أرض سيناء الحبيبة.


السابع : أطلقت مصر العمل السلمى لإعادة حقوق شعب فلسطين من خلال ما عرف باسم

مفاوضات الحكم الذاتى الفلسطينى رغم تراجع القوة الفلسطينية والقوة العربية تحت ضغط وخداع العناصر المتطرفة والمتشددة ولم تحقق تحرير أراضيها فى الجولان أو فى جنوب لبنان أو فى فلسطين إلا عندما لجأ الفلسطينيون إلى مبادرة المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى أوسلو وكانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قد اعترفت للفلسطينيين بحقوقهم ومنها حق تقرير المصير وهو ما كاد يتحقق لولا سيطرة المتطرفين الإسرائيليين والفلسطينيين مما أدى لتجميد المباحثات والتراجع عن التفاوض السلمى واللجوء الإسرائيلى للقمع ضد الفلسطينيين وعدم تنفيذ اتفاقات السلام التى وقعها قادة إسرائيل وفلسطين بشهادة مصر وحضورها فى المباحثات التى استضافت

عددا منها أكثر من مرة بين الطرفين وكان يمكن أن يتحقق تغير جذرى على أرض فلسطين لو كان العقلاء فى الدول العربية وبين شعب فلسطين أيدوا مبادرة السلام للرئيس أنور السادات وبنوا على وثيقة الحكم الذاتى . ولكن التطرف لدى بعض دول


المنطقة أساء للجميع واستولت إسرائيل على مزيد من الأراضى الفلسطينية دون حرب.


وهاهى مبادرة إقامة العلاقات الإماراتية والبحرينية الإسرائيلية تعبر عن أهمية إحياء عملية

السلام لتسوية النزاع العربى الإسرائيلى والنزاع الإسرائيلى الفلسطينى وسبق أن أجرى أبو مازن وقيادات فلسطينية وإسرائيلية مفاوضات فى مدينة أوسلو برعاية نرويجية ولكن المناورة الإسرائيلية والتشدد الفلسطينى وعدم إدراك طبيعة المتغيرات الدولية.وكذلك اغتيال متطرف يهودى إسحاق رابين الزعيم العمالى ورئيس وزراء إسرائيل آنذاك الذي

أبدى بعض المرونة لمصلحة الفلسطينيين لتحقيق السلام بين الشعبين والدولتين.


وهكذا حققت حرب أكتوبر بانتصارها المبين تحرير أرض سيناء كاملة وتدريجيا عبر السلام خلال سنوات قلائل . وظل دعاة التصدى والرفض يرفضون، ولكنهم لا يتصدون ولا يقومون

بأى عمل إيجابي، وإنما ظلوا يعملون من أجل مصالح حكمهم وليس من أجل مصالح شعوبهم وكما هو معروف فإن نيل الحقوق المشروعة لا يكون إلا بالحرب والسلام معا وليس بإحداهما فقط. فالحقوق بدون قوة لن تستطيع دولة الحصول عليها . والقوة بمفردها لن تحقق المصلحة بل بالحرب والسلام معا يتحقق النصر . وكما قال أبرز علماء الاستراتيجية الألمانى كلوزفيتز وقد أكد عالم الاستراتيجية الألمانى أن تحقيق المطالب بالسلام وبعبارة أخرى CLAUSEWITZ قال كلاوزفيتز “إن الدبلوماسية هى الحرب بوسائل أخرى ”.


الثامن : إن الصمت العربى والدولى والخلاف الإقليمى من دول متطرفة دأبت على المطالبة

بتشدد بلاغى فهى لم تقدم شيئا لتحرير أراضيها المحتلة ولا لشعب فلسطين ولكنها تعبر عن ضعف الرؤية الاستراتيجية وضعف الفكر الوطنى والقومى لتلك الدول والمتاجرة بالشعارات التى لا تقدم سوى الأوهام للشعوب.

التاسع: إن حرب أكتوبر المظفرة لم تكتف بتحرير سيناء الحبيبة أو بالدفاع عن قضية فلسطين

وإنما امتدت للسياسة الخارجية لمصر


وللعالم العربى أجمع ، واستعادت علاقاتها مع معظم الدول العربية وتعززت علاقاتها بمختلف دول العالم ومن دلائل ذلك ما يلي:


١- أبرزت للعالم الأوروبى أهمية العرب ولذلك تم إنشاء الحوار العربى الأوروبى والتعاون العربى الأوروبى.

۲- أبرزت أهمية العالم العربى للقارة الإفريقية والشعوب الإفريقية ودعت مصر للتعاون


العربى الإفريقى عام ١٩٧٧ والذى عقد أول اجتماع له بالقاهرة. فى إطار تعاون عربى إفريقى . ولكن هذا التعاون توقف بعد مبادرة الرئيس السادات للذهاب لإسرائيل وعقد معاهدة السلام. ولم يلتئم العمل العربى المشترك بل قدمت بعض الدول العربية وغير العربية أمثال إيران وتركيا وإسرائيل مساعدات على انفراد مع بعض الدول الإفريقية .

٣- أعادت لمصر وسياستها الخارجية ودورها الطبيعى فى إطار الأمم المتحدة وعدم


الانحياز والتنظيمات الإقليمية الأوروبية واللاتينية والإفريقية والآسيوية وبرز التعاون العربى اللاتينى ، كما برزت علاقات مصر الأوروبية والإفريقية ومع دول الآسيان ASEAN فى جنوب شرق آسيا ، ومع مجموعة ٧٧ التى انضمت إليها الصين بعد ذلك بل إن الدول المتقدمة فى شرق آسيا وهى الصين واليابان وكوريا الجنوبية انضمت كضيوف حوار مع اتحاد دول الأسيان وهكذا الدول ذات السياسة والمصداقية


تجتذب أغلبها الدول الأخرى . بينما الدول العربية التى انفرط عقدها وظلت جامعتها العربية شكلا ومظهرا وهى غير فاعلة ولم توحد العرب سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو إعلاميا أو ثقافيا. وحتى مفهوم الأمن القومى العربى ضعف ولم تنفذ الكثير من القرارات الاقتصادية وتراجع دور منظمات العمل العربى المشترك.

٤- نتيجة ارتفاع أسعار البترول العربى بعد حرب ١٩٧٣ والنصر حققت الدول العربية البترولية مكاسب كبرى أدت بها لتحقيق تنمية اقتصادية وثقافية لتعزيز دورها السياسى العالمى وقد صرح أحد الباحثين الكبار فى الهند البروفسور محمد أجوانى الرئيس الأسبق لجامعة جواهر لال نهرو فى نيودلهى وهو من المتخصصين فى الشؤون العربية فى الهند وذكر لى مقولته المشهورة “بأن العرب تحولوا إلى القوة السادسة عالميا نتيجة نصر أكتوبر وارتفاع أسعار البترول. وأضاف بأسى وحزن: إن الله سبحانه وتعالى أعطى العرب فرصتين للتوحد أولاهما بظهور الإسلام ثم ما لبثوا أن انقسموا على أنفسهم . والثانية عندما برزت شبه وحدة بين العرب باستخدام البترول ومساندة مصر فى حرب١٩٧٣،استطرد قائلا ولكن العرب فقدوا هاتين الفرصتين وأنه لا يعتقد أنه ستتاح لهم فرصة ثالثة وأضاف القول المشهور لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.


العاشر : وعلى الساحة الداخلية لمصر جرى تطوير النظام السياسى والسماح بمزيد من نشوء الأحزاب الوطنية وتحرير الصحافة المصرية لتقود الرأى العام كما عزز انتصار أكتوبر القضاء بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا. وأيضا تعزيز دور القوات المسلحة بعد نصر أكتوبر لتلعب دورا رئيسيا فى حماية الوطن وتطوير التنمية الداخلية بما فى ذلك مشروعات الأمن الغذائى فضلا عن تعزيز دور الشباب والمرأة وإصدار قانون متطور للأحوال الشخصية، وإعادة النظر فى الدستور المصرى عام ١٩٧١ ثم تعديله فى عام ١٩٨٠ وإصدار قانون جديد للاستثمار وللقطاع العام. وبروز ظاهرة المجتمعات العمرانية مثل مدينة ١٥ مايو، مدينة السادات ، مدينة ٦ أكتوبر، ومدينة برج العرب ومدن جديدة فى المنيا وبنى سويف وأسيوط وغيرها وأيضا إنشاء مدينة العبور ومدينة بدر ومدينة العاشر من رمضان وغيرها.