الجمعة 5 يوليو 2024

إضعاف اللغة العربية إضعاف للسيادة والهوية الوطنية

فن11-10-2020 | 19:03

الله تعالى قال في مُحكم كتابه:"إنا أنزلناه قرآنًا عربيُا لعلكم تعقلون"، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب "تعلموا العربية فإنها من دينكم، تفقهوا في العربية فإنها تزيد في العقل وتثبت المروءة" ونحن نعمل دومًا على محو اللغة العربية بأيدينا!


 فما يميز دولة عن أخرى اللغة والعادات والتقاليد والزي الحضاري، وإذا تأملنا في مجتمعنا نجد أننا نتحدث بلغات أخرى غير العربية وأيضًا عاداتنا وتقاليدنا ليست مصرية حتى الزي أصبح غربي! فإذا قُلت بأن هناك محاولة للاختراق الثقافي أي محاولة القيام بعملية التغريب اللغوي لمسخ هويتها فأصف ذلك بالعبث! فالاختراق اللغوي أشبه بالمؤَمرات ، فالمؤَمرات لم تُفلح إلا بمساعدة الخونة من الداخل، كذلك الاختراق نحن من ساعدنا على ذلك، فإذا ألقينا نظرة على الواقع نجد أن اللغة الإنجليزية والفرنسية هي التي تسود العالم والأصح الإنجليزية! 


فإضعاف اللغة العربية يتبعه إضعاف للسيادة الوطنية، لأن الوطن وقتها يكون تابعًا لثقافة دولة آخرى وليست ثقافته الأصلية التي تُعبر عن قيم وخصائص المجتمع.


مفهوم الهوية الوطنية:


الهوية الوطنية في كل أمّة هي الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه.


أهمية الحفاظ على اللغة العربية :


اللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة، وسميت أم اللغات نظراً لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو.


قيل عن اللغة إنها قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فهي الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم، اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها، يقول الفرنسي إرنست رينان : "اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة"، ويقول الألماني فريتاغ : "اللغة العربية أغنى لغات العالم".ويقول وليم ورك : "إن للعربية ليناً ومرونةً يُمكّنها من التكيّف وفقاً لمقتضيات العصر. "ويقول الراهب الفرنسي غريغوار:


 "إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين "!. 


وقد صدر بيان من مجلس الثورة الفرنسية يقول : "أيها المواطنون ليدفع كلاً منكم تسابق مقدس للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا لأن تلك اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستعباد"!.ويقول الإنجليزي ( ويلكوكس ) : "إن العامل الأكبر في فقد قوة الاختراع لدى المصريين هو استخدامهم اللغة العربية الفصحى في القراءة والكتابة".والبعض يتباهى بعدم استطاعته التحدث بالعربية وإجادته لغات أخرى أجنبية!. 


والمحزن أنه  في الوقت الذي نجعل أبنائنا يهملون اللغة العربية ويركزون على باقي اللغات في الوقت الذي أدرك الغرب أهمية اللغة العربية! لذلك فلأول مرة في التاريخ اللغة العربية رسميًا في فرنسا! وأعلنت فرنسا أنه ابتداءًا من عام 2017، سيتمكن آلاف التلاميذ الفرنسيين من اختيار اللغة العربية كلغة أجنبية بعدما قررت وزارة التربية والتعليم إدراج اللغة العربية في المناهج التعليمية، وليست فقط فرنسا فقد بدأت كلًا من تركيا وكوريا والصين وعدد لا بأس به من العالم تُدرس اللغة العربية كلغة ثانية في مدارسها في الوقت الذي تسيء الدول العربية ومنها مصر والسعودية اللغة العربية وتقلل من قدرها! فنحن بإيدينا نعمل على محو هويتنا! 


كما من يراجع الوثائق التي بدأت بها عملية الاحتلال البريطاني لمصر يكتشف أن أول أعمال الاحتلال هو وضع الخطة لتحطيم اللغة، يبدو ذلك واضحاً في تقرير لورد دوفرين عام 1882 حين قال : "إن أمل التقدم ضعيف في مصر" ما دامت العامة تتعلم اللغة العربية الفصيحة.


وكان التعليم في البلاد العربية المحتلة يتم كله باللغات الأجنبية (الإنجليزية في مصر والسودان والعراق) والفرنسية في (سوريا وتونس والجزائر والمغرب)، فقد كانت لحظة النفوذ الأجنبي ترمي إلى: 


أولاً : تحويل أبجدية اللغات الإقليمية إلى اللاتينية وكانت تكتب أساساً بالحروف العربية، كما حدث في إندونيسيا وبعض بلاد إفريقيا وآسيا .


ثانياً : تقديم اللغات الأجنبية في الأقطار الإسلامية على اللغة العربية .


ثالثاً : تقديم اللهجات واللغات المحلية وتشجيعها والدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية.


رابعاً : إرسال بعثات الطلاب إلى الغرب لدراسة لغاته، وكان ذلك إيماناً بأن اللغة هي الوجه الثاني للفكر، وأن من يجيد لغة لابد أن يُعجب بتاريخها وفكرها ويصير له انتماء من نوع ما إلى هذه الأمة .وكان فرض اللغات الأجنبية في مختلف أقطار الأمة الإسلامية عاملاً مهماً في فرض ثقافاتها ووجهة نظر أهلها وفي الوقوف موقف الإعجاب بالغاصب والعجز عن مواجهته، ومن يدرس تجارب التعليم الغربي في البلاد العربية يجد الولاء الواضح للنفوذ الغربي.


وهكذا أصبحت اللغتان الإنجليزية والفرنسية  كل في منطقة سيطرتها لغة أساسية في مراحل التعليم المختلفة!، وغلبت اللهجات القومية ولغة المستعمر ليس على مناهج التعليم فحسب بل على أعمال المصارف والمحاكم والدواوين.


وقد حفظ لنا تاريخنا جهود رواد بذلوا ما بوسعهم لخدمة هذه اللغة! فمثلاً لما تولى سعد زغلول وزارة المعارف في مصر كان التعليم في المراحل الأولى باللغة الإنجليزية؛ كان كتاب الحساب المقرر على الصف الابتدائي تأليف (( مستر تويدي )) وكذلك سائر العلوم، فألغى سعد هذا كله، وأمر أن تُدرس المقررات كلها باللغة العربية، وأن توضع مؤلفات جديدة باللغة القومية. وبذلك المسلك الناضج حفظ على عروبة مصر؛ مما دفع أحد المفكرين المصريين إلى القول : "إن سعداً أحسنَ إلى جيلنا كله بجعلنا عرباً"، ونحن الآن نعمل على طمس اللغة العربية ومحوها! وليت الأمر توقف عند ذلك بل هناك شرط للتعيين في أي مكان داخل مصر اشتراط إجادة اللغة الإنجليزية أو الفرنسية قبل العربية! فنحن نساعد الغرب في محو هويتنا ولغتنا بدون أن نشعر! فكم سعداً نحتاج إليه ؟!


الغزو الثقافي أخطر من الغزو العسكري:


نسمع كثيرًا عن الغزو العسكري واعتدنا أن الغزو نوع واحد فقط متمثل في الغزو بالأسلحة والمعدات ولكن البعض لا يعلم أن هناك أنواع غزو أخرى لا تقل خطورة إن لم تكن أخطر من الغزو العسكري ألا وهما الغزو الفكري والثقافي، فالعالم الغربي لا يسعى أن ينتصر علينا عسكريًا بل ثقافيًا! فالغزو العسكري يقتل الجندي وهو في سكناته أما الغزو الثقافي فهو يتغلغل داخل البيوت! اللغة والعادات والتقاليد والزي الحضاري ما تتميز به دولة عن أخرى، وإذا تأملنا في مجتمعنا نجد أننا نتحدث بلغات أخرى غير العربية ولا شك أن إضعاف اللغة العربية يتبعه إضعاف للسيادة الوطنية ويعمل ذلك على محو هويتنا، لأن الوطن وقتها يكون تابعًا لثقافة دولة أخرى وليست ثقافته الأصلية التي تُعبر عن قيم وخصائص المجتمع. وأيضًا عاداتنا وتقاليدنا ليست مصرية حتى الزي أصبح غربي! فالاختراق اللغوي أشبه بالمؤَامرات، فالمؤَامرات لم تُفلح إلا بمساعدة الخونة من الداخل، كذلك الاختراق نحن من ساعدنا على ذلك، معظم العادات التي نحن عليها اليوم كانت يومًا ما عادات الغرب وتسللت إلينا إلى أن أصبحت سمة فينا! فهناك علاقة طردية ما بين أعدائنا ونحن فكلما قوي العدو فرض ثقافته علينا! فمعظم العادات تسربت إلينا تحت اسم العولمة! فرض ثقافتهم وأنماط حياتهم حتى نمط الزواج لدى الغرب يحاول بعض الشباب تطبيقه اليوم ! 


فهناك 5 أخطار تهدد أمريكا من يسمع ذلك يظن أن الخطر يتمثل في الاقتصاد! ولكن في الحقيقة الخطر يتمثل في تفكك الأسرة! فما يحدث الآن محو لعادتنا ولغتنا وتقاليدنا وثقافتنا. فقوة البلد من وجهة نظري الشخصية تُقاس بأشياء كثيرة بخلاف الأشياء المتعارف عليها كاقتصاد وصناعة وتجارة، ولكن تُقاس بقوة شعبها، أصالتها، العراقة، اعتزازها بلغتها، فرض احترامها للغتها وشعبها وعاداتها وتقاليدها، ولكي تصل مصر لمرحلة التقدم هي وشعبها يجب على شعب مصر أن يعرف قيمة نفسه وبلده وإلا لا ننتظر من الشعوب والبلاد الأخرى أن تحترمك وتحترم مصر وشعبها ولغتها، فالاحترام يأتي دائما من الداخل وكل شيء يأتي من الداخل يصل ويُفرض على الخارج.