الجمعة 27 سبتمبر 2024

مراقبون: الشراكة مع إيران تدخل بكين مساحة الفعل الاستراتيجى في الشرق الاوسط

عرب وعالم15-10-2020 | 09:42

جاءت دعوة الصين لإيران لإنشاء "منصة حوار متعدد الأطراف" لتهدئة التوتر في الشرق الأوسط؛ لتعبر عن غايات وأهداف متلاقية بين طهران وبكين بعضها مرتبطة بالملف النووي الإيراني و محاولات إيران التوجه شرقاً لمواجهة الضغوط الأمريكية، و بعضها الآخر يرتبط بأهداف صينية تتعلق بدعم النفوذ السياسي والاقتصادي لبكين في العالم.


واعتبر محللون أن لقاء محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني لنظيره الصيني وانج يي في مدينة "تينج شونج" جنوب غربي الصين هذا الأسبوع ، قد يكون مقدمة لتدشين جبهة شرقية واسعة ضد ما تصفه إيران بالهيمنة العسكرية والاقتصادية الأمريكية، مؤكدين أن زيارة ظريف للصين - التى اختتمها فى العاشر من الشهر الجارى - تأتى في سياق مساعٍ إيران الدائمة لتوقيع اتفاق لشراكة مع الصين تشكل فصلاً جديداً من العلاقات المتنامية بين طهران وبكين. 


ويرى المراقبون كذلك أن الاتفاق الذى سيمتد أجله إلى 25 عاما سيؤثر مستقبلاً على الشرق الأوسط، حيث تسعى الصي عبر تلك الشراكة الاستراتيجية مع إيران إلى دخول مساحة الفعل الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بينما تكون إيران وجدت ما تحتاج إليه في الشراكة مع عملاق اقتصادي يتفاعل مع من تعتبرهم خصوما. 


ويقول خبراء العلاقات الدولية إنه في إطار المنافسة الاستراتيجية، تتنافس الدول اقتصاديا لتحقيق هدفين رئيسيين هما: تحقيق الازدهار الاقتصادي المحلي والوصول لأعلى مستوياته، وتسخير الأدوات الاقتصادية لتحقيق الأهداف الجيوسياسية. 


ووفقا لتقديرات المتابعين لملف العلاقة بين طهران وبكين.. تتمثل الأهداف والغايات الإيرانية من إنشاء "منصة حوار متعدد الأطراف" التى دعت لها بكين في عدة أمور فى مقدمتها كسر حالة العزلة والتهميش التي تعيشها طهران فى الفترة الأخيرة، إذ تواجه إيران عزلة إقليمية بسبب دعمها للميليشيات متعددة الجنسيات التي تحارب في سوريا، فضلاً عن دعمها لميليشيات موالية تسهم في إشعال فتيل التوتر في اليمن والعراق، ما دفع الولايات المتحدة إلى فرض استراتيجية الضغط الأقصى، بهدف تعديل سلوك إيران الإقليمي ووقف برنامجها الصاروخي كما ضاعفت الولايات المتحدة على مدى الشهور الثلاثة الماضية الضغوط بهدف منع رفع حظـر الأسلحة المقرر 18 أكتوبر الحالي وفق الاتفاق النووي الموقع في 2015. 


كذلك أعادت واشنطن العمل بستة قرارات أممية تنص على العقوبات الشاملة على إيران وفق آلية "سناب باك"، العودة التلقائية للعقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الوصول للاتفاق النووي ورفعت بمقتضى القرار 2231، وهو ما رفضته فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين. 


وفى مواجهة ذلك.. واصلت طهران سعيها لتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الصين، والتي كانت قد لاقت انتقادات خلال الشهور القليلة الماضية بين معارضي المؤسسة الحاكمة في طهران. 


تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن طهران سعت منذ منتصف العام الجاري للتخلص من الضغوط الأمريكية الدائمة، عندما أعلنت عن تدشين خارطة طريق للتعاون الاستراتيجي مع بكين، تم توقيعها خلال زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى طهران، وصادقت عليه الحكومة الإيرانية في يونيو الماضي. 


ويتضمن الاتفاق الذي جرت صياغته بين الحكومتين الصينية والإيرانية إقامة شراكة اقتصادية وأمنية شاملة يمكن أن تمهد الطريق أمام استثمارات صينية بأكثر من 400 مِليار دولار في البنى التحتية الإيرانية وقطاع الطاقة، وسكك الحديد والموانئ والصناعات العسكرية، وسيكون المقابل الذي ستحصل عليه الصين إمدادات نفطية رخيصة ومنتظمة لحوالي 25 عاما. 


ويشمل الاتفاق أيضاً، تعاوناً عسكرياً وأمنياً غير مسبوق بين البلدين، يتضمن مناورات عسكرية مشتركة، بالإضافة إلى تطوير مشترك للصناعات الدفاعية، ومشروعاً لتجارة الأسلحة بين البلدين، وتبادل المعلومات الاستخبارية. 


كما يتضمن الاتفاق التزام إيران بتوريد الطاقة إلى الصين لمدة تصل إلى 25 سنة، على أن تراعي الحكومة الإيرانية رغبة الصين في الاسثتمار ضمن قطاعات استخراج وإنتاج الطاقة في البلاد، وتشجع الاتفاقية الصين على المشاركة في مشاريع السكك الحديدية، وبناء الطرق التي تحتاجها إيران. 


وبالنسبة للأهداف الصينية من إنشاء "منصة حوار متعدد الأطراف" لتهدئة التوتر في الشرق الأوسط، فقد لخصها وزير الخارجية الصيني وانج يي فى ختام مباحثاته ونظيره الايرانى في العاشر من الشهر الجارى التى جرت فى الصين عندما قال "في مواجهة المخاوف المشروعة لجميع الأطراف في مجال الأمن، تقترح الصين إنشاء منصة لحوار متعدد الأطراف وإقليمي، يمكن تشارك جميع الأطراف المعنية بمساواة من أجل تحسين التفاهم المتبادل من خلال الحوار ومناقشة الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل المشكلات الأمنية". 


واشترط وانج يي بأن يكون من أبرز مهام "منصة الحوار" الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني الدولي، قائلاً "إن بكين تعارض أي عمل أحادي الجانب يقوّض الاتفاق (النووي) وستواصل العمل على تطبيقه"، داعياً إلى تعزيز التعاون مع إيران عما أسماه "للدفاع عن التعددية" و"التصدي للترهيب". 


ويقول المراقبون أنه لذلك تعمل الصين على تفعيل بنود الاتفاقية الشاملة والتي كان قد اقترحها الرئيس الصينى "شى جين بينج" لأول مرة خلال زيارته لإيران عام ٢٠١٦، بغرض توسيع نفوذ بكين الاقتصادى والاستراتيجى عبر أوراسيا من خلال "مبادرة الحزام والطريق". 


كما تهتم الصين بتطوير الموانيء والمنطقة الساحلية في مقاطعة هرمزگان الإيرانية، والتي تشرف على مضيق هرمز الإستراتيجي، وسيضمن تطوير هذه المنطقة، ليس فقط بناء مصافٍ نفطية ومدينة صناعية وتطوير صناعات ترتبط بالبتروكيماويات والصلب والألمنيوم، إنما ستمكن الصين من أن يكون لها قدرة كبيرة في السيطرة على مضيق هرمز بما يحقق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. 


فضلاً عن أن اتفاق الشراكة الاقتصادية سيمنح بكين الحصول على إمدادات منتظمة من النفط الإيراني بسعر مخفض على مدى الأعوام الخمسة وعشرين المقبلة، الأمر الذي يعني إفادة بينية متبادلة بين خصمين كبيرين للولايات المتحدة .