الأربعاء 29 مايو 2024

.. والشعب يرفض التصالح مع الإخوان

أخرى16-10-2020 | 18:03


بوضوح قالها الرئيس السيسى في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة رقم ٣٢ بمناسبة نصر أكتوبر، إنه يرفض التصالح مع الإخوان الذين تورطوا في ممارسة العنف والقتل والإرهاب وسعوا ومازالوا لتدمير كيان دولتنا الوطنية.. وتساءل الرئيس مداعبا الحضور وكل من يسمعه متسائلا: هل أنتم تريدون التصالح معهم بعد ذلك؟!

ورغم أننى لا ادعى أننى أمثل الشعب المصري أو حتى بعضا منه وأرفض دوما من يفرض نفسه زورا متحدثا بلسانه أو باسمه إلا أننى من موقع المتابعين عن كثب لما يدور في البلاد بحكم حرص على الاحتفاظ بهويتى كصحفي وبحكم دراستى للعلوم السياسية، أقول للرئيس.. لا أحد من أفراد الشعب المصرى، باستثناء نَفَر قليل جدا، يقبل أو يرضى بالتصالح مع الإخوان ويرضى بعودة جماعتهم للنشاط مجددا، كما كان الحال قبل الثالث من يوليو عام ٢٠١٣.. بل إن الشعب المصري بأغلبية ساحقة يرفض مجرد الحديث عن التصالح مع الإخوان ويعتبر أية دعوة تثار حول هذا الأمر أكبر من مجرد خذلان له، وإنما هي نوع من التآمر عليه وفتح الباب مجددا لاستعادتهم حكم البلاد وفرض سيطرتهم عليها، والانتقام من الجماهير الغفيرة التي انتفضت فى الثلاثين من يونيو بالملايين في طوفان هادر تطالب بالتخلص من حكمهم الفاشى المستبد الذي كان يخطط لتقويض أركان دولتنا الوطنية وتشويه الهوية الوطنية المصرية.

نعم إن تاريخ الإخوان حافل بالمصالحات السياسية معهم بعد صدامات حادة وقعت بينهم وبين الحكم.. وأبرز هذه المصالحات التي أعادت الجماعة للحياة والنشاط مجددا بعد الحل الأول لها في أواخر أربعينيات القرن الماضى، عندما تورطت في أعمال عنف وقتل طالت حتى النقراشي رئيس الحكومة.. والمصالحة الضمنية أو فلنقل نصف المصالحة التي قام بها عبدالناصر مع الإخوان في بداية الستينيات حينما أفرج عن أعداد منهم لكنهم خرجوا من السجون لكى يقوموا بإحياء التنظيم السرى المسلح تحت رعاية وإشراف سيد قطب الذي خطط لتنفيذ خطة للقيام بعمليات عنف وإرهاب واسعة، كان أخطرها تفجير وتدمير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا كلها بهدف إسقاط عبدالناصر والقفز إلى حكم البلاد مكانه.. ثم جاءت المصالحة الأخطر التي قام بها الرئيس السادات مع الإخوان في بداية السبعينيات من القرن الماضى والتي تضمنت السماح لجماعتهم بالعمل والنشاط بل وممارسة العنف تجاه الطلاب الناصريين واليساريين في الجامعات، وهي المصالحة التي كانت بمثابة خط كارثي أودى في نهاية المطاف بحياة الرئيس السادات نفسه بعدها بعدة سنوات قليلة على يد مجموعة كانت تنتمى لتنظيم الجهاد الموحد، أحد التنظيمات التي أفرختها جماعة الإخوان.. وقبلها فكر في العفو عن الإخوان الرئيس عبدالناصر الذي خططوا لاغتياله مجددا في نهاية الستينيات على يد مجموعة من أعضاء التنطيم السرى الذي أحياه وأعاد تأسيسه سيد قطب، غير أن ناصر لم ينفذ ما فكر فيه بخصوص إخراج أعداد من الإخوان من السجون لمعارضة زكريا محيى الدين وتحذيره من ذلك، وبعد هزيمة يونيو تفرغ عبدالناصر لأمر واحد فقط هو إعادة بناء القوات المسلحة لتكون قادرة على خوض حرب تحرير سيناء وهي الحرب التي بدأها ناصر فورا بخوض حرب الاستنزاف المجيدة التي صقلت جيشنا وأسهمت في تحقيق جاهزيته واستعداده لحرب العبور العظيمة. وظل الإخوان في السجون حتى أفرج عنهم السادات بعدها بسنوات قليلة حينما تولى الحكم بعد وفاة عبدالناصر باتفاق مع مرشدهم عمر التلمسانى صاحب المقولة الشهيرة الموجهة للرئيس السادات (أشكوك لك)، والذي لم يكتف بإعادة إحياء الجماعة مجددا وإنما نفذ أكبر خطة للتمكين اخترق بها العديد من مؤسسات الدولة، شملت النقابات المهنية والعمالية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى والمؤسسات التعليمية، بل والجهاز الإداري والشرطة والقوات المسلحة أيضا.

وهكذا كل هذه المصالحات التي تمت على مدار التاريخ الطويل للإخوان معهم استفادوا منها دوما في تقريبهم من الاستيلاء على حكم البلاد، وهو ما نجحوا في تحقيقه بعد انتفاضة يناير ٢٠١١، وبعد أن نجحوا في خداع قطاع واسع من الشعب المصري بأنهم سوف يراعون الله فيهم، وقبلهم نجحوا في خداع قطاع لا بأس به من النخبة المثقفة والسياسية بأنهم فصيل وطنى لا يصح تجاهله أو إقصاؤه ولا بأس من مشاركته في الحكم مثل أي فصيل وطنى آخر، وتجاهل هؤلاء تاريخ الإخوان الحافل بالإرهاب وممارسة العنف، كما تجاهلوا الطبيعة الفاشية التي وسمت هذه الجماعة منذ اليوم الأول لتأسيسها، وهو ما بدا واضحا في كل كلام وتصرفات مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنّا منذ اللحظة الأولى لتأسيسه لها، وهو ما فطن إليه مبكرا جدا بعض من شاركوه عملية التأسيس وكان على رأسهم رفيقه أحمد السكرى.

والمثير أن كل هذه المصالحات الخطيرة التي تمت مع الإخوان على مدار العقود التسعة الماضية دون أن يقدموا اعتذارا عما ارتكبوه من عنف قبلها وتعهد بعدم العودة إلى ممارسة هذا العنف والتخلى عن الطبيعة الفاشية لجماعتهم.. بل كشفت تجارب التصالح المريرة مع الإخوان أنهم حينما تمكنوا مجددا بعد هذه المصالحات مارسوا عنفا أكبر وأوسع، وهذا العنف بلغ ذروته بعد طردهم من الحكم، وتحديدا بعد فض اعتصامهم المسلح في رابعة والنهضة، والذي كانوا يعتبرونه نقطة انطلاق لممارسة عمليات عنف في أنحاء القاهرة والجيزة.. فهذا العنف لم يقتصر على المؤسسات الحكومية والشرطية وإنما اتسع ليشمل عموم الشعب كله وممتلكات أفراده، من خلال التفجيرات وعمليات الاغتيال وحرق وتدمير الكنائس والاعتداء على المساجد، ووصل الأمر لاستهداف حتى المرضى بالتفجير الذي حدث أمام مركز علاج السرطان.

إذن الإخوان ليسوا فقط في خصومة وعداء مع الرئيس السيسى وحده الذي يعتبرونه العدو الأول لهم لانحيازه الشجاع إلى الشعب في الثلاثين من يونيو ويحملونه مسؤولية طردهم من الحكم، وإنما هم في خصومة وعداء مع عموم الشعب كله.. ولذلك لا تقبل جموع الشعب المصالحة معهم مجددا، بل لا تقبل من يدعون إلى ذلك ولو بشكل غير مباشر ومراوغ وتصنفهم على أنهم أيضا أعداء لها.. ولذلك وطنيا كل المصالحات السياسية مقبولة ومرحب بها لكن المصالحة مع الإخوان مرفوضة، لأنهم ينتمون إلى جماعة إرهابية والذين لم يمارسوا العنف منهم يحبذون بعضويتهم للجماعة الإرهابية العنف ويحضون عليه ومستعدون لممارسته إذا أتيحت لهم الفرصة.