ولد
حسن الهضيبي في عرب الصوالحة مركز شبين القناطر سنة 1309هجريةـ، الموافق لشهر ديسمبر
1891 ميلادية، قرأ القرآن في كتاب القرية، ثم التحق بالأزهر لما كان يلوح فيه من روح
دينية وتقى مبكر، ثم تحول إلى الدراسة المدنية، حيث حصل على الشهادة الابتدائية عام
1907.
التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وحصل على شهادة البكالوريا عام 1911، ثم
التحق بمدرسة الحقوق، وتخرج منها عام 1915.
قضى فترة التمرين بالمحاماة في القاهرة
حيث تدرج محاميًا، عمل في حقل المحاماة في مركز "شبين القناطر" لفترة قصيرة،
ورحل منها إلى سوهاج لأول مرة في حياته دون سابق علم بها ودون أن يعرفه فيها أحد، وبقي
فيها حتى عام 1924 حيث التحق بسلك القضاء، وكان أول عمله بالقضاء في "قنا"،
وانتقل إلى "نجع حمادي" عام 1925، ثم إلى "المنصورة" عام
1930، وبقي في "المنيا" سنة واحدة، ثم انتقل إلى أسيوط، فالزقازيق، فالجيزة
عام 1933م، حيث استقر سكنه بعدها بالقاهرة. تدرج في مناصب القضاء، فكان مدير إدارة
النيابات، فرئيس التفتيش القضائي، فمستشار بمحكمة النقض.
استقال
من سلك القضاء بعد اختياره مرشدًا عام للإخوان عامًا 1951، واعتقل للمرة الأولى مع
إخوانه في 13 يناير 1953م، وأفرج عنه في شهر مارس من نفس العام، حيث زاره كبار ضباط
الثورة معتذرين، اعتقل للمرة الثانية أواخر عام 1954م حيث حوكم، وصدر عليه الحكم بالإعدام،
ثم خفف إلى المؤبد، نقل بعد عام من السجن إلى الإقامة الجبرية، لإصابته بالذبحة ولكبر
سنه رفعت عنه الإقامة الجبرية عام 1961م، أعيد اعتقاله يوم 23 أغسطس 1965م في الإسكندرية،
وحوكم بإحياء التنظيم، وصدر عليه الحكم بالسجن ثلاث سنوات، على الرغم من أنه جاوز السبعين،
وأخرج لمدة خمسة عشر يومًا إلى المستشفى، ثم إلى داره، ثم أعيد لإتمام مدة سجنه، مددت
مدة السجن - بعد انتهاء المدة - حتى تاريخ 15 أكتوبر 1971م، حيث تم الإفراج عنه. انتقل
إلى رحمة ربه - تعالى - في الساعة السابعة صباح يوم الخميس 14 شوال 1393 هـ الموافق
11 نوفمبر 1973.
ارتباطه
بالإخوان المسلمين
يروي
الهضيبي أن علاقته بالإخوان قد بدأت منذ عام 1942م، وقد اقتنع بهذه الدعوة بالطريق
العملي قبل الطريق النظري، وذلك حين لمس من بعض أقاربه الفلاحين إدراكًا لمسائل كثيرة
في الدين والسياسة ليس من عادة أمثالهم الإلمام بها، وخاصة أنهم كانوا شبه أميين، ولما
علم أن ذلك يعود إلى الإخوان، أعجب بهذه الدعوة، وأخذ يحرص على حضور خطب الجمعة في
المساجد التي كان يخطب فيها مؤسس الجماعة حسن البنا. فمن هذا العام 1942م بدأت صلته
بالدعوة عن طريق مؤسس الجماعة أثناء أحد زياراته لمدينة الزقازيق، وكان بين الذين تلقوا
الدعوة رجلان من كبار المستشارين هما محمد بك العوارجي وحسن الهضيبي.
في الثاني
عشر من شهر فبراير 1949مأخذ الإخوان يبحثون عن قائد آخر، وأجمعت الهيئة التأسيسية على
انتخاب "حسن الهضيبي" مرشداً عامًا وذلك بعد ترشيح حسن البنا له كخليفة له
حيث قال لبعض الإخوة في مكتب الإرشاد :«لو حدث لي شيء واختلفتم إلى من يكون مرشدًا
بعدي فاذهبوا إلى المستشار حسن الهضيبي فأنا أرشحه ليكون مرشدًا بعدي»، وبقي الهضيبي
يؤدى عمله سرًّا نحو ستة اشهر، كما أنه لم يترك العمل في القضاء خلالها. ولما سمحت
حكومة النحاس باشا ؛ للهيئة التأسيسية للإخوان بالاجتماع، طلب أعضاؤها من الهضيبي أن
يرأس اجتماع الهيئة بصفته مرشدًا للجماعة، ولكنه رفض طلبهم إذ اعتبر انتخابه من قبل
الهيئة التأسيسية في المرحلة السرية من الدعوة لا يمثل رأى جمهور الإخوان، وطلب منهم
أن ينتخبوا مرشداً آخر غيره، ولكن الإخوان رفضوا طلبه، وقصدت وفود الإخوان من جميع
مصر بيته، وألحت عليه بالبقاء كمرشد عام للجماعة، وبعد أخذ ورد وافق على مطالب وفود
الإخوان، وقدم استقالته من القضاء ؛ ليتفرغ للعمل في الإخوان المسلمين، وفي 17 أكتوبر
1951م أُعلن "حسن الهضيبي" مرشدًا عامًا لجماعة الإخوان المسلمين.
اتصال
الإخوان بأمريكا
تشير
المعلومات إلى أن هذه الاتصالات قد بدأت من أوائل الخمسينيات، وأنه في الوقت الذي كان
فيه الإخوان يجتمعون سرًا بالمستر إيفانز بالسفارة البريطانية أثناء علاقتهم بالإنجليز
كانت هناك اتصالات أخرى بالأمريكان، ومن العجب أن سعيد رمضان أحد من كانوا علي اتصال
بالسفارة البريطانية وكان في أحاديثه معهم يظهر كرهه والإخوان المسلمين للأمريكان بدعوة أنهم يؤازرون الصهاينة وإسرائيل وإنهم لذلك
ومن منطلق العقيدة الإسلامية يرفضون التعاون
مع أمريكا، فإننا نجد سعيد رمضان أيضا يتصل بالأمريكين.
ومضمون الاجتماعات: رفع
مستر بورديت تقريرًا عن لقاءاته وجيرنجان كممثلين عن الجانب الامريكي مع محمود خلف
عضو جماعه الاخوان وتضمن التقرير ان السيد مخلوف نصح الأمريكان بالاتصال الدائم بالجماعة
ورغبتهم في أن تكون العلاقات أكثر عمقًا، وحرص على أن يؤكد لهم أنهم ليسوا جماعة إرهابية،
وأوضح لهم مخلوف انه يريد والجماعة مساعدتهم علي حل المشكلة مع اسرائيل، وانهم يعلمون
ان محمد نجيب رئيس مصر سيكون سعيد بتوقيع معاهدة سرية مع الولايات المتحدة، وأن كانوا
يعتقدون ان عبد الناصر وعبد الحكيم عامر سيرفضون واكد لهم ان المصرين لن يكونوا شيوعين
لانهم يكرهون الشيوعية.
الهضيبي
والجهاز الخاص
أكدت
الوثائق الأمريكية فيما بعد أنهم أبلغوا الأمريكان عن حدث سوف يحدث للحكومة الثورية
وذلك سيكون قبل 1953- وهو ما يكشف إعدادهم لمؤامرة الاستيلاء علي الحكم في هذا الوقت
- والذي تأكد بعد ذلك بحادث المنشية في نفس الشهر أكتوبر ولكن سنه 1954والذي كان من
اكتر الوقائع ظهورا في عصر الهضيبي فعلى الرغم
مما ردده الإخوان من أن إنشاء جهازهم الخاص كان يهدف إلى محاربة الإنجليز ومحاربة الصهيونية،
إلا أن الإخوان قد أبقوا عليه على الرغم من قيام ثورة 1952 وتولي الحكم لحكومة معادية
للصهيونية وعلى الرغم من جلاء الإنجليز، وقد كون المرشد في أوائل يوليو من عام
1954 لجنة لمواجهة مواقف الحكومة من الإخوان ضمت كل من ( يوسف طلعت قائد الجهاز السري،
وصلاح شادي المشرف على الجهاز السري وقائد قسم الوحدات وهو جهاز سري أيضاً، والشيخ
فرغلي وهو صاحب مخزن سلاح بالإسماعيلية، ومحمود عبده من الجهاز السري القديم) مما يثير
الكثير من علامات الاستفهام حول الهدف الحقيقي وراء هذه اللجنة، الأمر الذي نستطيع
تفسيره بوقوع حادث المنشية ومحاولة اغتيال الرئيس السابق "جمال عبد الناصر"
أثناء إلقاءه لخطاب بمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء وذلك في يوم 26 من فبراير 1954 بميدان
المنشية بالإسكندرية، ورغم ادعاء الإخوان لأنه حادث مدبر من نظام عبد الناصر للانتقام
منهم، إلا أن المتهمين قد أقروا في المحاكمة العلنية التي أذيعت وقتها مباشرة من خلال
"محكمة الشعب" بمسئولية الإخوان عن الحادث ومازال بعضهم يتفاخر بهذا حتى
الآن حيث تفاخر بعضهم في برنامج الجريمة السياسية الذي أذاعته قناة الجزيرة في الـ
28 والـ 29 من ديسمبر 2006، بمسئولية الإخوان عن الحادث، ويضم الكتاب نص المحاكمة واعترافات
المتهمين، والتي نستطيع أن نخلص منها إلى جانب تدبيرهم لمحاولة الاغتيال، إلا أنه رغم
إعلان الإخوان عن حل النظام الخاص ( الجناح العسكري للجماعة) رسمياً عقب اغتيال
"البنا" في 1949، إلا أن النظام الخاص ظل قائماً ومدعومًا من قبل "الهضيبي"،
وعلى الرغم من ادعائهم أن حفاظهم عليه كان لأجل محاربة الاحتلال، تنكشف لنا حقيقة أن
الإخوان وضعوا في كل مدن القناة 4 فصائل مسلحة فقط بينما وضعوا في القاهرة 12 فصيلًا،
ما يعني أن جهادهم المزعوم وجهازهم كان ضد رجال الثورة وليس الانجليز.
وبعد
الحادث بعدة سنوات وفي 30 أكتوبر من عام 1965 أُخطرت نيابة أمن الدولة العليا أن جماعة
الإخوان قد قامت بإعادة تنظيم نفسحها تنظيماً مسلحاً للقيام بعدة عمليات اغتيال ونسف
وتدمير منشآت حيوية بالبلاد، وكان الأمر قد تم اكتشافه عبر إبلاغ الشرطة العسكرية أنها
قد ألقت القبض على مجند وهو يتفاوض لشراء أسلحة من أحد زملائه وبالتحقيق معه اعترف
بأن هذه الأسلحة لصالح عدد من قادة جماعة الإخوان وعلى رأسهم "سيد قطب"،
وتم القبض على سيد قطب وحكم عليه بالإعدام، وسجن معه شركاؤه "محمود عزت"،
و"محمد عبد البديع" وهو المرشد الثامن للجماعة.
الهضيبي
وعبد الناصر
بعد
أربعة أشهر على قيام الثورة، وبالتحديد في صبيحة يوم صدور قانون حل الأحزاب في يناير
سنة 1953م حضر إلى مكتب جمال عبدالناصر وفد من الإخوان المسلمين، مكون من الصاغ الإخواني
صلاح شادي والمحامي منير الدولة وقالا له: "الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد
للثورة إلا جماعة الإخوان ولهذا فانهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة
لهم"، فقال لهما جمال عبدالناصر: "إن الثورة ليست في أزمة أو محنة، وإذا
كان الإخوان يعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنهم مخطئون"..
لكنه
سألهما بعد ذلك: "حسناً ما هو المطلوب لاستمرار تأييدكم للثورة"؟ فقالا له:
"اننا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل
صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها..
وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد".
فقال
لهما جمال: "لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة
أو ما شبابهها، وإنني أكررها اليوم مرة أخرى"
وبكل
عزم وحزم .لكنهما أصرا على موقفهما وأبلغا عبد الناصر ان مهمتهما في هذا اللقاء ليست
النقاش بل ابلاغ مطالب الاخوان فقط ونقل رد مجلس قيادة الثورة الى مكتب الارشاد،
وبعد
ذلك قابل جمال عبدالناصر المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي في منزله بمنشية
البكري في حي مصر الجديدة شمال مدينة القاهرة على أساس أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين
"الثورة" و"الإخوان" بعيداً عن الوصاية الدينية أو السياسية،
لكنه
فوجئ بأن الهضيبي تراجع عن الشروط السابقة وقدم بدلاً عنها مطالب جديدة تتمثل في مطالبة
مجلس قيادة الثورة بإصدار مراسيم بفرض الحجاب على النساء وإقفال دور السينما والمسارح
ومنع وتحريم الأغاني والموسيقى وتعميم الأناشيد الدينية واصدار مرسوم يلزم القائمين
على حفلات وقاعات الافراح باستخدام أناشيد مصحوبة بإيقاعات الصاجات (الدفوف) فقط، ومنع
النساء من العمل وإزالة كافة التماثيل القديمة والحديثة من القاهرة وكل أنحاء مصر.
كان
رد عبد الناصر على هذه المطالب: "لن اسمح لهم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش في
أدغال أفريقيا مرة أخرى".
ورفض
جميع هذه المطالب الجديدة التي تقدم بها "الإخوان المسلمون" وتساءل أمام
مرشدهم الإمام حسن الهضيبي بصراحة ووضوح: "لماذا بايعتم الملك فاروق خليفة على
المسلمين؟
ولماذا
لم تطالبوه بهذه المطالب عندما كانت هذه الأشياء مباحة بشكل مطلق؟ ولماذا كنتم تقولون
قبل قيام الثورة: "إن الأمر لولي الأمر"
لكنهم
أصروا على مطلب واحد يتعلق بضرورة الشروع بإصدار مرسوم يقضي بفرض الحجاب على النساء،
وقد حدث ذلك عندما اتصل به المرشد العام حسن الهضيبي واخبره بان مكتب الارشاد كلف كلا
من حامد ابو النصر والشيخ فرغلي بمقابلته لأمر لا يعتقد الاخوان بانه قابل للتأجيل.
وعندما قابل عبدالناصر موفدي الاخوان عرضا عليه رسوما قالوا انها تقريبية لثلاثة نماذج
من الحجاب يمكن تطبيقها على مراحل بصورة تدريجية وفور مشاهدة عبدالناصر لهذه الرسوم
التقريبية ضحك ساخرا وقال لهم (انا مش عارف سبب اهتمامكم باستهداف الستات!!)، ثم توجه
الى حامد ابو النصر متسائلا "طيب ليه بناتك سافرات يا استاذ حامد و ليه ما تلزمهمش
بواحد من الحجاب ده اللي عايزين من مجلس قيادة الثورة فرضه على الستات بمراسيم"
بعد فشل هذا اللقاء حاول "الإخوان المسلمون" صياغة أفكار جديدة حول شكل النظام
السياسي الذي يجب أن تحدده الثورة
فكانت
علاقه الهضيبي بعبد الناصر ومجلس قيادة الثورة في أشد حالات التوتر لمحاولات الهضيبي
إخضاعهم تحت لوائه.