الإثنين 24 يونيو 2024

«الهلال اليوم» تنشر الفصل الأول من رواية «الدكتورة أمينة»

فن17-10-2020 | 05:10

 

أصدرت روايات الهلال، في عد سبتمبر الماضي، رواية الدكتورة أمينة، للكاتب علي ماهر عيد.


وتنشر "الهلال اليوم"، الفصل الأول من الرواية، والذي جاء كالتالي:

 

وجه حلم يرتعد

 

 الكون يتنفس نسائم الخريف.

 وهواء الخريف يتموج في فتور وبلا هدف.

 القطار منطلق من محطة القاهرة، متجهاً إلى أسيوط.

 وأحلام الدكتورة أمينة منطلقة مثل الشهب.

 جاءتها رسالة من مدير جامعة أسيوط – الدكتور سليمان حزين- يطلب مقابلتها، للنظر في تعيينها دكتورة كيمياء تحليلية في جامعة أسيوط.

 سألت بحياء رجلاً يجلس أمامها في المقصورة.

 - كم تستغرق الرحلة إلى أسيوط؟

 - ست ساعات على الأٌقل.

 - ألا يوجد وقت محدد للوصول؟!

 ابتسم الرجل ساخراً من سذاجتها، وقال:

 - الوقت المعلن، الساعة السادسة صباحاً.. هذا إذا وصل في ميعاده.

 قالت بفتور:

 - آه.

 

 ورأت من الأفضل أن تحاول النوم.

 فأغمضت عينيها، وهي تخبئ تحت جفنيها حلماً كبيراً.

 

 حصلت على التوجيهية بمجموع كبير، يؤهلها لدخول كلية الطب، لكن أباها رفض.. بسبب ضيق الرزق، وقال لها بوضوح:

 - ادخلي كلية لا تحتاج إلى مصاريف وكتب غالية الثمن.

 قالت بانكسار:

 - كلية الصيدلة.

 - كم سنة دراسية ؟

 - خمس.

 الأب بحدة وانكسار:

 - أنت لا تفهمين.. ألا توجد كلية سنتان؟

 - أقل كلية أربع سنوات.

 - ادخلي كلية أربع سنوات.

 

 تدخلت أمها، وقالت:

 - ولماذا لا تدخل كلية الطب، أو الصيدلة ؟

 - ليس في مقدوري الصرف عليها.

 

 أبوها عبدالرحمن.. مجرد فلاح أجير.

 خالها موظف بالابتدائية.. استجارت أمينة به، فاقترح كلية العلوم.

 قالت منهارة:

 - ولماذا لا تكون الصيدلة؟

 تصلبت ملامح الأب عبدالرحمن، وأطلت نظرة ذليلة منكسرة من عينيه، بل ولمحت أمينة دموعاً تدق جدار الأعين.

 فتنهدت.. وقالت باكية:

 - فلتكن كلية العلوم.

 

 وامتلأ وعاؤها بالثقة، ونشط خيالها، وتصلبت إرادتها، وقررت أن تكون دكتورة، وأن تمد حبل الأمنيات، لكي تصيد الشمس من عليائها.

 

 وحققت إرادتها الصلبة أمنياتها البعيدة، وأصبحت دكتورة في الكيمياء وستكون مدرسة في جامعة أسيوط.

 الحياة الحقة، لا تجود بنفسها إلا للأكفاء.

 هذا ما آمنت به، فركزت كل حياتها في الدراسة الجادة.

 

 وأخيرا..أذاب الإرهاق إرادتها.. فنامت.

 

 استيقظت، وهي تسعل، رأت الرجل يدخن سيجارة.

 صاحت محتدة:

 - من فضلك.. دخن بعيداً من هنا.

 ثقبها الرجل بنظرة نافذة، وقال لها:

 - أنا حر.

 - لا.. لست حراً في ضرر الآخرين.

 - وهل تتضررين من دخان السيجارة؟!

 - نعم.. ألا تعرف ضرر التدخين السلبي؟!

 حملق فيها الرجل، ثم خرج إلى الطرقة، وعاد بعد قليل.

 قالت له:

 - أشكرك.

 - هل أنت من أسيوط؟

 - لا.. أنا من المنصورة.

 - هل أنت في زيارة؟

 - لا.. أنا في عمل.

 - عمل ؟!

 - نعم.. أنا دكتورة في كلية العلوم.

 ظهرت علامات الاهتمام في وجه الرجل، ولمعت عيناه بضوء بهيج.

 وسألها بصوت هامس:

 - ما اسم سيادتك يا دكتورة؟

 - أمينة عبدالرحمن.

 قال الرجل:

 - لا توجد دكتورة بهذا الاسم في الكلية.

 - جاءتني رسالة من الدكتور سليمان حزين، للنظر في تعيني.

 - أهلاً وسهلاً بك في الكلية.

 - وما شأنك أنت؟

 - أنا حمدي عبدالصبور، مسجل كلية العلوم.

 - أهلاً بك.

 

 فصل بينهما الصمت، ومرت خيول الوقت سريعاً، وهدأ القطار وهو يدخل محطة أسيوط.

 سألها الأستاذ حمدي:

 - هل ينتظرك أحد؟

 - أنا لا أعرف أحداً.

 - بل تعرفين.. أنا في خدمتك، وسأصحبك إلى الإدارة.

 

 خرجت من محطة القطار مع الأستاذ حمدي.

 كان وجه الشمس بكراً لا يزال، والصباح مفضفض بالندى.

 قال حمدي لها:

 - سنركب سيارة أجرة إلى الخزان.

 - الخزان!

 - نعم.. فالإدارة قريبة من هناك.

 - أريد أن أحجز في فندق أولاً.

 ابتسم حمدي، وقال لها:

 - فلتضعي الحقيبة في الأمانات، ثم نرى ماذا سيحدث بعد.

 

 ركب الاثنان سيارة أجرة مع آخرين، وانطلقت السيارة القديمة إلى مبنى الجامعة.

 

 أشار حمدي إلى مبنى الإدارة.. سألته:

 - ألن تأتي معي؟

 - لا..أنا سأذهب إلى بيتي في الوليدية أولاً، ثم أحضر بعد ذلك.

 تنفست بعمق، فانحسرت عواصف الانفعالات التي داهمتها.

 وسألت نفسها:

 - هل هنا أيها الزورق الهائم مرفأك الآمن؟!

 وتقدمت نحو مبنى الإدارة.

 

*  *  *