الجمعة 27 سبتمبر 2024

إلى الغلابة: السودانيون ينعمون بالحرية وسقوط جماعة الإخوان الإرهابية "الكيزان" فِيْ آخر معاقلهم

فن20-10-2020 | 15:38

إلى الناس الغلابة الغُبش مِنْ أهل السودان جميعاً الذين خرجوا ثائرين على اختلاف مشاربهم ومنازعهم وإلى أهل المحروسة مصر المؤمنة أسوق تحاياً عطرات، وأمانٍ نضرات، وآمالاً غير عاطلات.

لمْ يمر على السودانيين أشد عُسراً مِنْ الفترة التي بسطت فيها الجبهة الإسلامية القومية يدها على أمر السودان كله، تحت مسمى المؤتمر الوطني ومظلة شعارات واهمة تنعق مرة بالشؤم وتنهق أخرى بأنكر الأصوات: "الإسلام هو الحل"، و"المشروع الحضاري"، و"هي لله لا للسلطة ولا للجاه". ومضى اليوم تلو اليوم حتى سلخ الزمان ثلاثين سنةٍ مِنْ الإتعاس لا الإنقاذ، واستنكر أهل السودان على النصر إسرافه فِيْ الإبطاء والتراخي.

هكذا استيقظ أهل السودان منذ ثلاثين سنة على هدير الدبابات تمتطيها جماعة مِنْ المهووسين، ما لهم مِنْ الدين إلا طول اللحى وقصر الثوب،فذبحوا بأهوائهم وأوهامهم مبادئ الإسلام السامية، وقضوا على غايات وظائفها الحياتية، بوسائلهم القاصرة وأفقهم الضيق، فلا هم سموا بالمبادئ ولا هم طوروا مناهجها، ثم تركوا السودان جلداً يبساً لا يدور.

أشعل الإسلامويون ممن انحدروا بفكر حسن البنا جنوباً إلى السودان – تحت مسميات عدة انتهت باسم المؤتمرين الوطني والشعبي –  شرارة حروبٍ عديدة لمْ تخب نيران أتونها حتى بعد أنْ دكت ثورة الشباب السوداني آخر قلاعهم الإقليمية. عجز الإسلامويون فكرياً كليةً، واستماتوا فِيْ تعظيم صراع الثنائيات الكارثية، فالعرب ضد غير العرب والمسلمين ضد غير المسلمين، بينما تنكر القائمون على الأمر الإسلامي للسلام والديمقراطية والعدل والمساواة. وكانت أكبر مساوئ هذه الفئة مِنْ السودانيين الإسلامويين اختراقهم للجيش السوداني والأجهزة الأمنية المختلفة، فرسخت بجذورها فِيْ بنية الأجهزة العسكرية للدولة، وكانت ثمرة هذا الاختراق انقلابها فِيْ عام 1989م.

كان المال والفساد أحب إلى إسلاموي السودان مِنْ الدين نفسه، وكانت العصبية والهوس أكرم عليهم مِنْ وطنٍ لا يوحى إليه ولا يأتيه خبر السماء. لذا لمْ يدركوا أنَّ ما يجمعهم بشعب السودان هو عقد شراكة على الشيوع لقطعة أرض تسمى السودان وتلقب بالوطن، الحقوق والواجبات فيها تجري بين أهله بالحق والعدل لا بالحب والبُغض.وهذه علةٌ متوطنة تجري فيهم مجرى الدم لمْ يجدوا لها دواءً ولا ترياقاً ولمْ يتيسر لهم طيلة ثلاثين سنةٍ على سدة الحُكم فهم الفوارق بين أقوام السودان وتنوعها ولا تجاوز علاتها،بسبب قصر نظر قادتهم ووهن فكرهم السياسي.

أصاب الفِعل السياسي فِيْ عهد البشير وزمرته سقم وشحوب واستفز الخطاب السياسي العواطف الدينية واستنفر مشاعرها حتى أضحى كل مَنْ يخالف الإسلامويين كافراً وزنديقاً، لا سياسياً محترفاً أو مواطناً عادياً يملك حقاً يُعرف عند العالم كله بالرأي الآخرواستعظم الختل وتنوعت صوره وتنادوا إلى أنَّ أخلاطاً مِنْ العلمانية والليبرالية يُنسج غزلها اليساريون ما هي إلا إلحاداً، فالدين أداة ناجعة فِيْ إلهاب المشاعر وتجييش العواطف ضد الآخر إلى درجة أبلسته .. ورويداً رويدا لمْ يعد هناك شمساً تشرق بنور ربها على رأيٍ مخالف أو مغاير .. وقد تكشفت قلوب الإسلامويين عن دخائلها منذ أول أيامهم وأظهروا للسودانيين فيالق شرهم وشياطينها. عمدوا على تثبيت فلسفة التمكين وتبعاتها مِنْ غلبة الولاء على الكفاءة، ورأسمالية المحاسيب، وحظوة العصبية والهوس الديني، وتمييز العُنصر العربي على العنصر السودانوي وكان نتاج ذلك فصل جزءٍ عزيزٍ مِنْ الوطن،ودفع أهله دفعاً إلى إنكار جاذبية الوحدة، واختاروا البعد بإقليمهم ودياناتهم وثرواتهم مِنْ هؤلاء المهووسيين الفاسدين والمتسلطين مِنْ جماعة الإخوان الإرهابية.

وزاد عناء السودان ورهق شعبه بحربٍ فِيْ غربه الحبيب فِيْ ولاية دارفور - وهم أهل خصوصية وأهل القرآن فِيْ البلاد كلها - فقتلوا ما يزيد عنلى ثلاثمائة ألفٍ مِنْ أهلنا فِيْ هذا الإقليم العزيز بيد ميليشياتهم مِنْ الجنجويد وكتائب الظل وغيرها مِنْ منظومة الأمن الإخواني الإرهابي، وشردوا نحو مليوني ونصف المليون مِنْ الدارفوريين، يعيشون الآن مشردين بعضهم فِيْ معسكراتٍ للنازحين فِيْ السودان، أو معسكراتٍ للاجئين فِيْ الدول المجاورة، لا لشيْء إلا لسيادة خطاب الكراهية المقيتة، والعصبية الفجة، والعنصرية البغيضة.

ولأنْ السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، عملوا بجد على نهب ثروات البلاد فاكتظت بنوك العالم كلها بأموالٍ السودان وثرواته تحت أسماء السارقين وأسرهم، وشكت مصارف السودان ومؤسساته المالية المحلية مِنْ قلة الجرذان، وتدنت القوة الشرائية للعملة المحلية إلى أكثر مِنْ ألف ضعف خلال سنوات الكيزان العجاف.

وما عادت الأمور لله بل هي للسلطة وللدنيا وللجاه، وزاد الفساد حتى عجزت كل مؤشراته العلمية والعالمية عنْ إحصائه وتقديره ولمْ يتبق مِنْ المشروع الحضاري الذي سعوا إليه وشعار الإسلام هو الحل إلا تعدد الزوجات وقانون النظام العام الذي نحر المرأة مِنْ الوريد إلى الوريد.

ولكن كل شيء منتهٍ إلى السأم إذا اتصل، حتى الحياة الراضية، والنعمة الدائمة، والعيش الهادئ المطمئن هبّ أهل السودان على اختلاف منازعهم ومشاربهم وخضرائهم وغبرائهم ضد حكم الإسلامويين وقذف بهم إلى مزابل التاريخ، فسقطت بذلك أقوى قلاعهم فِيْ العالم كله، وطردوا مِنْ أبراجهم العليا، وهوت حينها راية كاذبة قُدِم تحتها أسوأ مثال لحكمٍ سُمِى إسلاموي اًاستمر لثلاثين سنة،وفِيْ الحادي عشر مِنْ أبريل الماضي بزغ فجر جديد على أهل السودان يغاث فِيْه الناس ويتمتعون بحكم الديمقراطية وتنتقل السلطة فِيْ تماهٍ سلمي بين أهله إنْ شاء الله، لنْ نصدق مرة أخرى أنَّ المهووسين بالدين يمكن أنْ يقدموا نموذجاً سياسياً لحكم أي بلدٍ كان، فأفهامهم لا تتجاوز نساء الدنيا الأربع، وما ملكت أيمانهم مِنْ السبايا، وتمنياتهم بالحور العين فِيْ دار الحساب.

ولأننا ننظر إلى جمهورية مصر العربية حكومة وشعباً على أنها أخت بلادنا الشقيقة، فإنه يحدونا الأمل أنْ تقف مصر كلها مع ثورة السودان، فأهل مصر الآمنة والمؤمنة يعلمون العلم كله أنَّ وحدة السودان متعدد الديانات والأعراف واللهجات والأعراق والثقافات لا يمكن أنْ تتحقق بأسلمة السياسة، أو تهييج المشاعر الدينية بواسطة فئة مِنْ المهووسين عانت مِنْ آثارها مصر نفسها وضاقت بعنترياتها وعنجهيتها، استباحوا السودان وجعلوه قبلة لكل صاحب فكرٍ مبتور منذ أنْ اعتلوا سُدة الحكم فِيه، وتصوروا وهم فِيْ حالة بين اليقظة والمنام أنَّ الله سبحانه وتعالى قد فرض عليهم وحدهم دون غيرهم تحديد الأهداف ووقع الخطى لإخوانكم وأخواتكم فِيْ جنوب الوادي. ومصر الرسمية والشعبية تعلم يقيناً الأثر الذي يمكن أنْ يتركه فلول تنظيم مثل المؤتمرين الوطني والشعبي الإسلامويين، وجهي عملة جماعة الإخوان الإرهابية بعد انهيار نظامهم، بغض النظر عنْ مكان تواجدهم في الجيش والأجهزة الأمنية السودانية، أو بين المواطنين العاديين، ليس هذا فحسب بل إنَّ الدور المأمول مِنْ مصر،الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقي فِيْ دورته الجارية ومصر ذات الثقل العربي، أكبر كثيراً مِنْ ما يمكن تصوره فِيْ ما يتعلق بمساعدة السودان الجديد وثورته الشابة.

 

لاحقة مهمة

إننا نؤكد أنَّ سيكون منهجنا في الاقتراب مِنْ قضايا وطننا منهجاً عقلانياً لأنَّ العقل – لا الهوى – هو الذي يعطي لقيمنا الوطنية ثباتها مع تبدل الأحوال.

أما وقد بلغنا ما أردناه فالحمد لله، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.