الأربعاء 26 يونيو 2024

الطقوس الشعبية لمواجهة الأوبئة في الرواية المصرية

فن20-10-2020 | 19:43

البخور والأعشاب والحجامة والكي بالنار طقوس شعبية كانت سائدة لدى الناس في مصر قديما وما زالت لمواجهة الأوبئة المختلفة التي ضربت مصر أكثر من مرة وقد رصدت الرواية المصرية منذ ظهورها هذه الطقوس والعادات الشعبية. 


 [ رماح الجن ]


ففي رواية [ حديث عيسى بن هشام ] والتي صدرت عام  1907لـ[ محمد المويلحي ] يصف بطل الرواية في حديثه مع الباشا العائد من العالم الآخر وباء الطاعون الذي تفشى في البلاد بقوله:


ما خص مصرًا وباءٌ وحدها


بل كائن في كل مصر وبأ


قال عيسى بن هشام: وانبرى الباشا يسألني عن هذا الطاعون وأخباره، فأجبتُه بأنه لا يلبث أن يصبح أثرًا بعد عين، ونُردد في أثره قول الراجز: 


قد رفع الله رماحَ الجن


وأذهب التعذيب والتجنِّي


قال الباشا: ابتدأ الطاعون في شهر رجب سنة ١٢٠٥ هـ وداخل الناس منه همٌ عظيم، وزاد عليهم من البلاء ما دسَّه الإفرنج للولاة من وجوب إزعاج الناس بأمور تشق على نفوسهم يزعمون أنها تدفع الطاعون، فيفصلون بين الناس بعضهم عن بعض، ويفرقون بين الأب وابنه والأخ وأخيه والمرء وزوجه، ثم يهدمون الدُّور ويحرقون الثياب وينشرون البخور وغسل المكان الذي فيه المصاب وتبخيره بالأبخرة المتنوعة، وكذلك الأواني التي كان يمسها كأنهم لجهلهم يظنون أن هذه الأعمال التي تؤذي النفوس وتعطل مصالح العباد تشتت شمل الجن، وتكسر أسنة رماحهم، فيزداد الناس ويلًا على ويل وحزنًا على حزن وخرابًا فوق خراب.


وأمر جنتمكان محمد علي بعمل [ كُورَ نْتيلَه ] بالجيزة وعزم على الإقامة بها؛ وأمر الشرطة يأمرون الناس وأصحاب الأسواق بالكنس والرش والتنظيف ونشر الثياب في كل وقت، وإذا وردت عليهم مكاتبات خرقوها بالسكاكين ودخنوها بالبخور قبل تسليمها إليهم وأن ينادوا على سكان الجيزة بأن من كان يملك قوته وقوت عياله ستين يومًا، واختار الإقامة فليمكث بالبلدة، وإلا فليخرج منها ويذهب فيسكن حيث أراد، وأُعطوا مهلة أربع ساعات، وكان الباشا لا يمس أي ورقة إلا بعد غمسها في الخل وتبخيرها بالشيح واللبان والكبريت.


فقال عيسى بن هشام : أعلم أن ما كان يعترض عليه عامة الناس في الأزمان الغابرة — ولا يزال بيننا إلى اليوم بقية منهم — من الأخذ بأسباب التوقي والاحتياط هو الذي يحمينا اليوم من الطاعون. 


الباشا : قل لي بالله أية علاقة بين إحراق الثياب، وتلك الوخزة التي تأتي بالأجل، وأي ارتباط بين هذا البخور وحُمَّى الطاعون، اللهم إلا أن يراد به تلطيف أمزجة الجن. 


 [الموت في الخروج]


في روايته [ الأيام ] والتي صدرت عام 1929، يصف عميد الأدب العربي طه حسين موقف الأب لحماية أبنائه من وباء الكوليرا الذي أصاب مصر في صيف عام 1902 [محدش يخرج ولا يطلع، الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح، وده مش ريح ده وباء، طول ما إحنا في دارنا مش هيجيلنا عدوى لكن لوخرجنا هنموت زي اللي بيموتوا دول].


كما وصف حالة الرعب لدى أبناء قريته في ظل تزايد أعداد الموتى والمصابين ولا علاج سوى تناول بعض فصوص الثوم، وانتظار حكم القدر.


 [الخلاص أو البعث]


أم رواية [ اليوم السادس ] والتي صدرت الرواية عام 1960،  للروائية الفرنسية أندرية شديد بترجمة حمادة إبراهيم، وهى تحكى عن وباء الكوليرا الذى ضرب مصر عام 1947، عن جدة تهرب بحفيدها الذي لم يتجاوز السابعة من عمره وأصيب بالكوليرا من القرية الموبوءة إلى الهدوء والسكينة في النيل لأنها تؤمن إيمانا قاطعا أن هناك أملا وسيشفى حفيدها لا محال فى ستة أيام فإما يكون يوم الخلاص أو يوم البعث وتحاول الجدة بشتى الطرق أن تعالجه بالبخور وتسقيه شربة الأعشاب الطبية مثل القرفة والزنجبيل والقرنفل والنعناع والليمون.


[الأولياء ]


يصف الروائي سعد مكاوي في الجزء الثاني والذي أسماه [ الطاعون ] في رواية [ السائرون نياما ] والتي صدرت عام 1965، منظر نفوق الفئران التي ملأت بلدة ميت جهينة أكثر من العادة، والأنفار تصيدها في الغيط وتأكلها مشوية، وهي الفئران نفسها التي ستنشر الطاعون بالبلدة وقد واجه الناس هذا الوباء بتسخين طاسة ووضعها على رأس المصاب واللجوء إلى الأضرحة والمشايخ كالشيخة زليخة لدفع هذا الوباء.


[ الكي بالنار ]


يذكر أحمد رشدي صالح في روايته [ الزوجة الثانية ] والتي صدرت عام 1965 ، أن الملاريا حينما تضرب قرية العمدة عتمان يلجأ الأهالى إلى حلاق القرية لعمل حجامة وتصفيد للدماء من الرأس ويتولى العطار بيع وصفات للشرب وأكل الثوم والبصل أو غليه وشرب مرقه ويصف دهانات وأبخرة لأهالي القرية الباحثين عن النجاة من الوباء حتى أن العمدة نفسه حينما أصيب بالوباء يرضى العلاج بالكي ويرفض أن يحضر الطبيب بدعوى أن الأبرة تضر بالجسم والبركة في العطارة والحجامة والكي بالنار. 


  [ النجاة في العزلة ]


ذكر عميد الرواية العربية نجيب محفوظ الوباء في روايتين الأولى [ الحرافيش ] صدرت عام 1977، والثانية [ حديث الصباح والمساء ] صدرت عام 1987، وإن كان في الأخيرة مر مرور الكرام على ذكر الوباء حيث  الرواية تعتمد في الأساس على المعتقدات الشعبية لدى الناس في هذا الوقت، إلا أنه في الحرافيش وقف عند هذا الحدث الذي أفنى أهالي الحارة وسماه الشوطة ووصف طريقة النجاة بالخروج الى الصحراء والابتعاد عن المكان الموبوء تماما واعتزال الناس فكان عاشور الناجي.


  [الأكل الفلاحي]


في رواية الوتد لخيري شلبي والتي صدرت عام 1978، و تم تحويلها لمسلسل عام 1996، بطولة هدى سلطان في دور الحاجة  فاطمة تعلبة ويوسف شعبان ، رصد المسلسل-وليس الرواية - حالة الهلع التي انتابت القرية بسبب تفشي وباء الكوليرا، فقررت الأم أن تجمع أولادها ستة رجال وابنتين وتغلق عليهم باب الدار، قائلة: كل واحد فيكوا يقلع هدومه ويحرقها، بعد أن قام بعض أبنائها بنقل المصابين للحجر الصحي. وسمكرت الشبابيك والأبواب وفرضت على رجل أن يلزم غرفته بزوجته وعياله ولا يخرج منها أبدا سوى للضرورة فقط  وقالت "من هنا ورايح هناكل عيش ناشف وجبنة من الحاصل وبصل وكل حاجة تتغلي لما تتغلي من الغليان، وكل واحد فيكم يقرقشله فصين توم على الريق، وكل واحد يسقى عياله ليمون مغلي."


 

    الاكثر قراءة