الأحد 16 يونيو 2024

الروائية شهلا العجيلي: الثورة زادت الرواية السورية ثراءً «حوار»

فن20-10-2020 | 22:25

حوار السيد حسين 


الحديث عن الرواية العربيّة اليوم يطول، لكن لا ننكر أنّها في مرحلة ازدهار، ولا شكّ أنّها لم تصل إلى العالميّة إلَّا عبر نماذج جيّدة جدًّا، بعد انفتاح الترجمات وتَعَدُّد الجوائز. نلاحظ أيضًا أن من يمتلك أدوات الكتابة يكون لديه رغبة شديدة في كتابة الرواية، يتبع ذلك محاولات وحركة نشر واسعة، لكن المهم هو الوصول إلى الفنيّة وإلى جوهر النوع، وإلى الاحتراف في العمل، والإخلاص للشغف. وهذا كلّه سيؤكّد ما إذا كانت الموهبة أصيلة أم مزيّفة. يجب مراعاة عدم الإساءة إلى أذواق المتلقّين ومعارفهم، وألَّا نسمح بتنفيرهم من الرواية العربيّة. ونعود هنا إلى مَهمّة النقد، ودَور دُور النشر والمنابر الإعلاميّة.

الروائية السورية – الأردنية، الدكتورة شهلا العجيلي، المولودة عام 1976، حصلت على الدكتوراه في الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية من جامعة حلب، سوريا، وتدرّس الأدب العربي الحديث وعلم الجمال في الجامعة الأمريكية في الأردن. في حوارها مع "عالم الكتاب"، ترى أن المشهد الروائيّ السوريّ حاليًّا هو الأكثر ثراءً، مقارنةً بأعوام ما قبل الثورة، وكان دائمًا ثريًّا، ولكلّ مرحلة كُتّابها وقضاياها وأسلوبها الفنيّ، وهناك كُتّاب عبروا أكثر من مرحلة، واحتفظوا بأساليبهم أو اشتغلوا على التجريب. ما تغيّر اليوم هو المنصّات الثقافيّة والإعلاميّة الليبراليّة، التي أسهمت في وصول تجارب وأصوات لم تكن تصل عبر القنوات الرسميّة سابقًا، أو كانت تُحَارَب أو تُغَيَّب لأنّها لا تمثّل الصوت الأيديولوجي لسلطةٍ ما، أو لمعارضةٍ ما. كما إنّ أقلام المراحل السابقة لم تكن بالكثرة التي نجدها اليوم، نتيجة انتشار التعليم والقراءة والترجمة والتأثّر لدى الشباب، وشجاعتهم في تقديم نتاجاتهم. ولا شكّ في أنّ الحروب والثورات تفجّر الرومانسيّة التي تحتاجها الكتابة، وتمنح موضوعات ومشاهدات تحفّز على استثمارها في الرواية.

وحول روايتها "صيف مع العدو"، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام ٢٠١٩، قالت "العجيلي": أعتقد أنّني بذلت جهدًا طيّبًا خلال حوالي ثلاث سنوات في العمل على "صيف مع العدوّ"، استمتعت في عمليّتيْ البحث والكتابة، وحصّلت معارف كثيرة، وأنا فعلًا أعتزُّ بما فعلت، ومتحمّسة لإتمام المغامرة! أتابع ما يكتبه النقّاد، وأحيانًا يتسنّى لي - على المواقع الإليكترونية - متابعة توقّعات القرّاء الذين لا أعرفهم.

وفي الحديث عن أجواء الرواية  وأحداثها، توضح الكاتبة ما تطرحه من قضايا من خلال تركيزها على ما يعانيه الإنسان العربي في هذه المرحلة، والفرق بين الوطن كحضن حبيبة، وبين الحبيبة كحضن وطن. إذْ إن علاقة البشر بأوطانهم – بعامّة - هي علاقة بالتفاصيل اليوميّة، بالطعام والشراب والولادة والموت والضحك والغضب، هي علاقتهم مع الحياة في مكان معيّن وزمان معيّن يعيشونه أو يحكيه لهم الأسلاف، ويتوقّعون مستقبلهم فيه، وهي علاقة بسيطة كجريان النهر، لكن فجأة تتغيّر هذه العلاقة مثلما يجفّ النهر أو يحدث فيضان، ويغيّر حياتهم. أنا في "صيف مع العدوّ" تحديدًا  قصدت تقديم هذا المعنى للوطن، بلا ادعاءات ولا تنظيرات، ودائمًا ما كان وراء الحوارات والسرد والعلاقات اليوميّة، هذا المفهوم العميق للوطن، الذي قدّمته بشكل بسيط، بحيث إن التغير الحاد - الذي يطرأ على تلك العلاقات – يصنع دراما الرواية، فيتغيّر بِنَاءً عليها مفهوم الوطن، إذ يتغيّر كل شيء: طريقة الموت، وطريقة الحياة.

* لم تأتِ

منظومة الأفكار التي ظهرت في هذه الرواية لم تأتِ ضمن سياق مباشر، بل أتت عبر تفصيلات الرواية كَكُلٍّ، واتكأت على البعد الرمزي. وفي هذا السياق تقول: القضيّة ليست ترميزًا، وأنا لا أميل إلى الرمزيّة في مثل هذا النوع من الروايات الكبيرة. دائمًا أقول إنّ الأفكار في الرواية لا تكفي، يجب أن تكون لديك حكايات، يجمعها بُنيان روائيّ، وهذه الحكايات ناقدة، ودالّة، ومؤثّرة، ويربطها خيط سرديّ يمكن اكتشافه على مراحل وعلى مستويات متعدّدة من القراءة. الفنّ يحتاج إلى إعمال الخيال والذاكرة، وآليّة المعرفة لدى المتلقّي، وليس بالضرورة أن تتطابق الأفكار والمعارف التي يملكها القارئ أو الناقد مع النصّ. يجب أن يحفّز النصّ الأسئلة والمحاكمة العقليّة، وأن يقلق منطقة الراحة والاستسلام عند المتلقّي. أنا تعلّمت من النصوص التي خالفت أيديولوجيتي، وتحدّيت ذاتي، فاستطعت اكتشاف جماليّاتها. لا أنكر تلك الجماليّات أو أتجاهلها لأنها تخالف أيديولوجيتي أو رؤيتي السياسيّة أو طبقتي الاجتماعيّة، أو طريقتي التي اعتدت عليها في السرد أو تلقّي النصوص. هذا هو التحدّي الجماليّ.

وحول مكان الرواية وزمانها وأبعادها، تأخذنا إلى أوربا في دانزيج، إلى فرانكفورت، إلى دمشق، ومن ثم كولونيا وفلسطين ومدينة الرقة وغيرها، لكنها تنسحب على الواقع العربي برمته، وهذا ما ظهر أيضًا في روايتها السابقة "سماء قريبة من بيتنا". فهل أتى هذا مصادفة؟ أم تم الاشتغال عليه؟ تشير إلى أن الجغرافيّات المُتعدّدة التي عملت عليها، وربطت بعضها ببعضها الآخر، جاءت نتيجة قراءاتي القديمة والمستمرّة للتاريخ، وللأدب العالميّ. وفي العام 2010 دَرَّسْتُ مادّتيْ تاريخ الفنّ وتاريخ العمارة في الجامعة الأوربيّة في حلب. منذ ذلك الوقت قمت برسم مسار خاصّ بي لتحوّلات التاريخ انطلاقًا من حركة الفنّ، وكانت الحرب العالميّة الثانية نقطة أنطلق منها إلى ما قبل، ونحو ما بعد. وقتها أدركت ميكانيك التاريخ، وفكّرت في عمل روائيّ يمكن أن يتتبّع حركة الناس في بلاد الشام نحو أوربا وأمريكا. وحدث أن قامت الثورة في سوريا، ثُمَّ أعقبتها الحرب، وارتسم خطٌّ جديدٌ للشتات السوريّ، فتابعته مع خطوط السرد الأخرى.

وعن مدى معايشة الكاتبة مع بطل الرواية، وهل تُضفي عليه بعضًا من صفاتك الشخصية؟ أم تتركينه لتحديد مصيره بنفسه؟ تؤكد أنه كلّما كانت طفولة الكاتب غنيّة، وتعرّض فيها لحالات اغتراب كثيرة، وامتلك وعيًا ووقتًا ليتأمّل في ذاته وفي حركة العالم من حوله، سيكون نصّه غنيًّا. السيرة التي أتكئ عليها هي سيرة الناس والمجتمع والعلاقات من حولي، تلك التي كنت أراقبها منذ طفولتي المبكّرة، وكنت أحتفظ بنماذج بشريّة قِسْتُ عليها فيما بعد نماذجي الفنيّة. لكن ذلك كلّه يمتزج بالثقافة، أي بما نقرأ ونعايش، ونتعرّف إليه عبر رحلة الحياة، فيصير النصّ نتاج الثقافة، لا نتاج المعرفة الذاتيّة المباشرة. إنّ كلًّا من شخصيّات نصوصي وأحداثها خاضعة للخيال ومصنوعة به.

وعن قولها إن الرواية "تسعى لأن تكشف لنا مراوغات التاريخ، والأوهام القاسية التي قد نبني عليها حياتنا، والتي حين نتحرر منها ننهار، ولتكشف أيضًا أن الإنسان - بلا مكابدات وأسرار - لا يعني شيئًا". تقول إن هذا يتعلّق بأحداث الرواية، حين تقول لميس - أو لولو - وهي واحدة من الشخصيّات الرئيسة والساردة، التي عاشت حياتها متوهّمة أنّها قتلت جدّتها بالخطأ، ثمّ صحت على حقيقة أنّ جدّتها ماتت بسكتة قلبيّة لم يكن لها علاقة بها، تقول: "هل انتهى العقاب الآن؟ انتهى بهذه الحقيقة التي نسفت حياتي الماضية؟ وكيف لي وأنا على مشارف الأربعين أن أبحث عن حقيقة أخرى أبني عليها حياتي القادمة؟!". ولنَقِسْ على ذلك كثيرًا من الأوهام الفرديّة والجماعيّة التي نبني عليها حياتنا ومستقبلنا أفرادًا وشعوبًا، ثمّ نكتشف فجأةً أنّها كانت كذبةً أو وهمًا أو ضلالةً مفتعلةً، يصنعها سوء تفاهم أو سوء تقدير، أو يصنعها آخرون مستفيدون، بما في ذلك هويّاتنا وخرائطنا الجغرافيّة وانتماءاتنا!.

وبالسؤال عن: "إلى أي حد تؤرخ الكاتبة لجانب من ذاكرتها الشخصية في أعمالها؟ وإلى أي حد تتكئين على جانب السيرة الذاتية؟"، تقول: أتكئ عليها كثيرًا، لكن ليس بالمعنى الاصطلاحيّ للسيرة الذاتيّة، أي ليس ما حدث معي أنا شخصيًّا، بل أستفيد ممّا عاينته أو سمعت عنه أو قرأت عنه أو عرفته عبر حياتي، فالذاكرة آلة عجيبة حقًّا، حتّى إنّ ذاكرتي - منذ تكوّنها - مُصَمَّمَةٌ لالتقاط التفاصيل لتكون عناصر في بناء روائيّ، وأنا أركّز على التفاصيل: نافذة مررت أمامها يومًا في شارع مُنْزَوٍ، غرفة في فندق، قُرط في أذن امرأة، تابوت، حوار قرأته في  مسرحيّة عتيقة...أيّ شيء أحتاجه ستسعفني به تجربتي أو ذاكرتي، وتلك هي مواد خام، تحتاج لكثير من الشغل أو الصنعة أي الخيال، لصناعة مصائر مناسبة للعمل الروائيّ.

وعن إمكانية أن يحمي الأدبُ التاريخَ من التزوير، وخاصة في تلك الظروف السياسية المتغيرة التي يشهدها العالم، تقول: لعلّ الرواية - كما أراها - نوعٌ من التحرّر من سطوة الوثيقة وادّعاءاتها. لطالما كانت الرواية شكلًا من الأدب الشعبيّ الاحتجاجيّ، لذلك بدأت مُسْتَهْجَنًة رسميًّا، سواء في الثقافة الأوربيّة أو في الثقافة العربيّة. وهذه المواجهة مع التراث الرسميّ (الاجتماعيّ والسياسيّ والدينيّ) هي ما منحتها مشروعيّتها وسحرها وقدرتها على استيعاب حركة الشارع وفنونه ومحكيّاته ولغته. لكن لننتبه جيّدًا إلى أنّ ثمّة شكلًا فنيًّا بنائيًّا مثقّفًا عليه أن يوظّف تلك العناصر لتصير الرواية رواية. نحن اليوم في مرحلة النقد الحادّ للوثيقة التاريخيّة، الذي وصل إلى تفنيدها ورفضها أحيانًا، والوثيقة مختلفة بالطبع عن علم التاريخ، ولقد وصلنا إلى هذه المرحلة بعد مواجهات تاريخيّة دامية مع سلطة الأيديولوجيا التي استطاعت أن تغيّب التفكير الناقد، ليس عند الفرد العاديّ بل لدى ما يُعَدُّ بالنخبة. 

بالنسبة لي، لا أسلّم نفسي أثناء التعامل مع الوثيقة التاريخيّة، إذْ أكون دائمًا متحفّزة نقديًّا، وأجري التقاطعات. وتضيف أنه في الرواية التاريخيّة أبحث عن حياة الأفراد، كيف عاشوا، وما هي أسئلتهم ومؤرقاتهم في ظلّ شجرة التاريخ، أو في ظلّ المنعطفات الكبرى، كم تشابهوا معنا أو تفارقوا عنّا، وكيف ورثنا خبراتهم؟! إذا أردنا الكتابة باستعمال التاريخ فلا بُدّ من طرح أسئلة مُغيّبة، أو بناء مفارقة دراميّة بين النصّ والوثيقة السائدة. الرواية التاريخيّة التي أميل إليها ليست ما يستعيد التاريخ وأحداثه وشخوصه، بل ما تبني عالمًا خاصًّا بها بعلاقاته المتشابكة، ضمن منطق مرحلة تاريخيّة ما، وعلاقاتها، والمورفولوجيا الخاصّة بها، بحيث لا يقع النصّ في التناقض أو التزييف.

وتشير "العجيلي" إلى الإشكاليات التي قد تقابل من يتصدَّى لكتابة رواية تاريخية، فينبغي عليه ألَّا يَقْصُد التاريخ في الرواية لذاته، ولا لحاجة تعليميّة، أو بثّ شعور قوميّ أو وطنيّ، كما حدث مع روايات بداية القرن العشرين التاريخيّة. لا بُدّ من دلالته على الواقع، أو العروج ببعض تفاصيله للمستقبل، لإبداء المفارقة بين مرحلتين زمنيّتين، أو للتهكّم، أو لصناعة الفانتازيا المحفوفة بالرعب، أو لاستعارة بعض الشخصيّات واستنطاقها. وما سَمّيْتُهُ الرواية التاريخيّة مطبَّاته كثيرة، أضرّها الأيديولوجيا التي تلوي عنق التاريخ لصالحها. وهذا ما حصل لبعض نماذج الرواية السوريّة في ثمانينيّات القرن العشرين، ومن السقطات الفنيّة أيضًا الحمولة الزائدة للأحداث أو الشخصيّات التاريخيّة، أي تحميلها أكثر من طاقتها الفنيّة.

أما رؤيتها – كناقدة - لمستقبل الكتابة الإبداعية السورية في الأزمنة العاصفة، فتري أن النقد دائمًا يحاول تجميع الأعمال الروائيّة في تيّارات فنيّة، أو في حقب، أو تحت موضوعات معيّنة، ليتمكّن من معاينتها ودراستها. وبالنسبة للرواية السوريّة اليوم فهي أرض خصبة للدرس النقديّ، فهناك الكتابة في الداخل السوريّ، والكتابة في المنفى، وفي دول اللجوء. وستظلّ هذه السنوات القاسية - سنوات الحرب - مُوَلّدًا للكتابة لوقت طويل، لكن سيتمّ لا شكّ فرز النصوص، وكما يحدث دائمًا، سيصمد أصحاب الموهبة والمشاريع الجادّة، الذين يعتمدون على الفنّ لا على الحادثة التاريخيّة.

وتتابع: دائمًا أقول إنّ تقنيّات كتابة القصّة القصيرة مختلفة عن تقنيّات كتابة الرواية، وإنْ اشتركتا في انتمائهما إلى الجنس السرديّ. وكذلك دوافع الكتابة مختلفة، فالقصّة القصيرة غالبًا ما تكون ردّ فعل احتجاجيّ أو تصعيديّ على ظاهرة من ظواهر الطبيعة والمجتمع، أو على حالة نفسيّة ذاتيّة، أو موقف، وتتسم بالتكثيف، وتقوم على المفارقة. في حين تحاكي الرواية عالمًا متكاملًا تبنيه علاقات معقّدة، تنبثق عنها مصائر فرديّة وجماعيّة. بالنسبة إليّ، أستمتع بالشغل على كلّ نوع على حدة، فكُلٌّ منها يُعبّر عن هواجسي، ويخدم تطلّعاتي. والمهم في الأمر هو تَمَكُّن الكاتب من بلاغة النوع، أي أن يكون عارفًا بنظريّة النوع الذي يكتب فيه، وأن يمتلك مهارة استعمال الأدوات الفنيّة الخاصّة بكلّ نوع على أحسن وجه.

أما عن رؤيتها لمعايير النقد اليوم، وهل أعطى النقاد تجربتها الأدبية حقها؟ فتقول: لعلّ ما يسود اليوم هو المراجعات للأعمال الأدبيّة في الصحافة، وهذا مُهمّ جدًّا حين يضيء على هذه الأعمال، ويعرّف القرّاء بها. لكنّنا لا نستطيع تقرّي معاييرها، فهي غالبًا صادرة عن كُتّاب أو صحفيين أو هواة ليس لهم مداخل نقديّة محدّدة، فيما عدا بعض الأسماء المعروفة، والذين هم في الأصل أساتذة نقد. لكنّ الدراسات النقديّة الجادّة غائبة نسبيًّا أو محدودة، وما زلنا نعاني الكسل النقديّ أو الشلليّة التي انتقلت من أيديولوجيا اليمين واليسار، أو الرجعيّة والتقدميّة إلى (الأدلوجة) الضحلة للاصطفافات السياسيّة. المشكلة تكمن في ثقافة الناقد، إذْ تُفاجَأ أحيانًا أنّ بعض النقّاد يطالبون النصّ بأن يكون على قياس معارفهم، أو نماذجهم المحدودة، مثلهم مثل القرّاء المبتدئين، لا يتابعون حركة الإبداع وتحوّلاتها، ولا يُلمُّون بنظريّة الأدب. ولعلّ بعضهم يريد من النصّ نهايته، فلا يتوقّف أمام ما سمّاه أمبرتو إيكو مجاهل غابة السرد ومنعرجاتها!. بالنسبة لأعمالي طبعًا، فقد اهتمّ النقد بها بأطيافه المختلفة، وهي نماذج في الدراسات الأكاديميّة في العديد من كتب النقد، وفي المناهج الدراسيّة في الجامعات العربيّة، وفي صفوف النقد والأدب الحديث في أعرق جامعات العالم، وهي محور لعدّة درجات ماجستير ودكتوراه.

وتختتم "العجيلي" حوارها عمّا تفتقده المبدعة العربية وينقصها في مجتمعاتنا، بالقول: إذا ما توافرت الكفاية الفنيّة والمعرفيّة والثقافيّة، فيمكن تجاوز أيّة نواقص أخرى موجودة في المجتمع، أفرادًا ومؤسّسات. لا شكّ في أنّ رائدات الكتابة العربيّة واجهن العقبات الأولى الأكثر قسوة، ومهّدن الطريق لمن جاء بعدهنّ في مدى تقبّل حضور المرأة الكاتبة في الثقافة العربيّة، وأنا أدين لهنّ بالفضل الكثير!. ما تبقّى فهو الجهد والحضور الشخصيّ، ووزن ما تقدّمه الكاتبة ومدى جدّيته وجدّته، ولا أريد الكلام هنا عن الأعباء الجندريّة والحياتيّة ومسألة إدارة الوقت، فهي جزء من كينونة الكتابة والتحدّي والمغامرة. وأضافت أنها تُعِدُّ كِتابًا في النقد يتناول إشكاليّات الهويّة الفنيّة للأنواع السرديّة العربيّة الحديثة منذ نشوئها. 


نشر الحوار بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 45 - يونيه ويوليو 2020