الإثنين 8 يوليو 2024

بنى أجدادنا الأهرامات لتخليدهم .. ونحن ما زلنا نتساءل عن وثائق الثورة

توك شو21-10-2020 | 13:02

وقفت وسط المتظاهرين، مصريون جاءوا من كل مكان فى بر مصر، فى الاتحادية وجدت من يبيعون مجلات الاشتراكيين الثوريين. وفرقة الفن ميدان تقدم عرضاً مسرحياً.ملأت السماء تشكيلات من طائرات القوات المسلحة ترفع أعلام مصر. كانت 30/6 ثورة فى الثورات التى سبقتها، حتى يوليو 1952.

تقول كتب التاريخ إن أجدادنا بنوا الأهرامات لتخليد أيامهم. فى حين أننا أحفادهم لم نوثق بعد ما جرى فى 30/6/2013. ست سنوات تفصلنا عن ثورة الثلاثين من يونيو سنة 2013، وما زال السؤال يطاردنا: أين وثائق هذه الثورة؟ أين أوراقها وبياناتها والصحف الصادرة فى زمنها وكل ما تم تصويره سواء ورقياً أو بالصوت والصورة؟ أين الكتب التى صدرت عنها؟ وكيف نصل إلى الأعمال الأدبية: دواوين شعر، وروايات، ومجموعات قصص قصيرة، وكتابة يوميات؟ وكلها تدور حول الحدث الملحمى الضخم الذى أبدعه المصريون فى 30/6/2013.

لا بد من هذا التوثيق. ما أكتبه ليس ترفاً. بل ضرورة. تمكننا من الوقوف طويلاً أمام تجربة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مشروعه للوقوف فى صفوف المصريين حتى يتمكنوا من بناء مصر الجديدة. على أنقاض كل ما كان موجوداً من قبل. سواء أربع سنوات أو ثلاث سنوات. تعالوا نحتكم للثورة الأم باعتبارها الأساس الذى بنى المصريون عليه مصرهم الجديدة وطالبوا الرئيس عبد الفتاح السيسى، بل وألحوا عليه أن يقبل أن يكون رئيساً لمصر.

القضية التى تشغل ذهنى: متى نوثق ما جرى فى ثورة 30/6/2013؟ وأنا أقصد بالتوثيق بالكتابة والصوت والصورة. فأعتقد أن كل ما جرى فى 30/6 موثق، الصحف كانت تكتب، وكتب كثيرة صدرت. ومن ناحية الصوت والصورة فأعتقد أنه قد تم تصوير جميع المظاهرات من الجو، جرت الاستعانة وقتها بطائرات. وبتسهيلات كبرى. ولا أدرى أين توجد الأفلام التى تم تصويرها؟ هل هى بحوزة من صوروها؟ باعتبارها وثائق مهمة من وثائق تاريخ مصر الحديث؟ تصور الشعب المصرى فى لحظة تحول نادرة. لحظة ثورة عظيمة بكل المقاييس. عندما نزل 35 مليون مصرى مرة واحدة للشوارع وفى أكثر من مكان من بر مصر بهدف وحيد: رحيل من اغتصبوا السلطة. وأن يستجيب الفريق أول عبد الفتاح السيسى، لطلبهم الملح بأن يتولى أمور البلاد والعباد.

تساؤل أبدى

لن أمل من طرح السؤال، مهما أعدت طرحه:

- أين وثائق 30/6/2013؟

كلما هلت علينا الذكرى طرحنا السؤال. ولم نجد إجابة، ثم تناسينا السؤال بفعل مرور الأيام وكر الليالى. لكن هذه المرة نطرح السؤال قبل أن ننسى. أيضاً عندما أتوقف أمام الفعل الكبير فى 30/6 وأضيف له كلمة الثورة أتذكر على الفور كتاب المناضل الاشتراكى: ريجى دوبرييه: ثورة فى الثورة. كانت 30/6 ثورة فى ثورات سبقتها، يصل البعض منها إلى اعتبار أنها ثورة فى ثورة 23 يوليو 1952، وهذا ما أكده الكُتَّاب والمفكرون. منهم المفكر اللبنانى فرحان صالح، والمفكر المصرى سيد ياسين فى تقديمه لكتاب فرحان: حول تجربة الإخوان من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسى. وهو كتاب منشور فى الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2015.

ميادين مصر

كان التحرير المكان الأوحد لمظاهرات الخامس والعشرين من يناير 2011، حتى عندما انتقل التظاهر لميادين أخرى فى عواصم محافظات مصر ابتداء من الإسكندرية مروراً بأسيوط وطنطا وغيرها من المحافظات. سميت ميادين التحرير فى بر مصر. لكن فى 30/6 لم يحتكر التحرير فكرة التظاهر. ما من ميدان فى أى مدينة من مدن مصر إلا وكان فيه مظاهرات. وكل ميادين القاهرة الأخرى كانت فيها مظاهرات. لدرجة أن شوارع بعض الأحياء الواسعة شهدت مظاهرات.

تبقى لى تجربتى الشخصية. وهى خير دليل وأصدق مرشد. عن نفسى ذهبت لمظاهرات شارع الخليفة المأمون أمام وزارة الدفاع لمرة واحدة. ثم ترددت على الاتحادية أكثر من مرة. كان آخرها فى الوقت الذى ألقى فيه الفريق أول عبد الفتاح السيسى بيانه المهم والخطير يوم الأربعاء 3/7.

شارع الخليفة المأمون يوجد فيه ضريح جمال عبد الناصر. وأنا مندهش أن يدفن عبد الناصر فى هذا الشارع ولا يطلق اسمه عليه. سألت من يتتبعون أسماء الشوارع. فقالوا لى أن اسم الخليفة المأمون أطلق على الشارع فى زمن جمال عبد الناصر. لأن عبد الناصر كان قد أعطى تعليمات محددة بعدم إطلاق اسمه على أى شوارع أو ميادين أو أمكنة فى بر مصر.

ثم بعد رحيله فى 28/9/1970 جاء أنور السادات الذى قال عبارته الشهيرة إنه سيمشى على طريق عبد الناصر. فأكمل المصريون الجملة: ولكن بأستيكة. والنكتة المصرية تفهمنا أنه مشى على طريق عبد الناصر ليمحو – أو ليحاول محو كل ما قام به عبد الناصر – لم يكن من الطبيعى فى ظل هذا المناخ الساداتى أن يطلق اسم عبد الناصر على شارع الخليفة المأمون فبقى يحمل نفس الاسم.

احترت كيف أدخل لشارع الخليفة المأمون؟ من ميدان العباسية صعب. ومن ناحية كوبرى القبة حيث ضريح عبد الناصر صعب. لأن الموانع والسواتر تقلل من مرور المارة وتترك جزءاً بسيطاً للسيارات. ولذلك دخلت من الشارع الجانبى الذى يوجد عند آخره مستشفى عين شمس التخصصى وقبله مباشرة دار ضيافة جامعة عين شمس. وقبلها وبالقرب من طريق صلاح سالم توجد قيادة المنطقة العسكرية المركزية التى ترددت عليها بعد 25 يناير لزيارة اللواء حسن الروينى قائد المنطقة العسكرية المركزية فى ذلك الوقت. والذى أصبح صديقاً حميماً بعد اللقاء الأول. فالرجل يدخل قلبك منذ الكلمة الأولى والمصافحة الأولى. خصوصاً أننى عرفت فيما بعد أنه من أبناء البحيرة بلدى. التى أشعر فى بعض الأحيان – وهذا خطأ – أنها الوطن.

مظاهرات فى شوارع مفتوحة

وجدت لديهم درجة عالية من التحضر. لم يغلقوا الشارع تماماً. سمحوا للسيارات بأن تمر خلال جزء صغير من الشارع. وكانت شعاراتهم معروفة ومحددة سلفاً أنهم يطلبون من القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى النزول للشارع وأخذ زمام المبادرة من جماعة الإخوان الإرهابية.

اللافتات التى كانت بأيدى المتظاهرين الذين تحولوا إلى معتصمين كانت نفس الشعار الذى يتردد بين الناس: انزل يا سيسى، الموجود مش رئيسى. وقفت فى وسطهم، مظاهراتهم مثل مظاهرات التحرير. بشر مصريون جاءوا من كل مكان فى بر مصر. أغلبهم من القاهرة. ليست لديهم دوافع كثيرة ولا متداخلة ولا حتى نقاشات من أجل الاتفاق على هذا الشعار أو ذاك. فالهدف واحد. من الممكن أن يكون هناك هتاف ضد عصابة الإخوان. وحاكمهم أو مندوبهم فى قصر الاتحادية. لكن طلب النزول من السيسى كان هو اللحن الأساسى الذى دارت حوله كثير من الهتافات.

بالنظر المجرد يمكن أن تقول إن مجموعهم يتعدى الآلاف. والآلاف أصبحوا ملايين. ولأنه شارع فقد وصل آخرهم من ناحية وسط القاهرة إلى أوائل ميدان العباسية. فى حين أن أولهم من نواحى مصر الجديدة وصل إلى أول ضريح جمال عبد الناصر.

من السهل أن تذهب على قدميك من مظاهرة أو مسيرة وزارة الدفاع إلى قصر الاتحادية. المكان كان اسمه روكسى. ويبدو أن هذا القصر كان مكاناً للحكومة الاتحادية فى زمن الوحدة المصرية السورية. أو ربما الوحدة التى تلتها التى كانت موسعة. وكانت شكلية أكثر منها حقيقية. وكان فيها أكثر من دولة عربية.

القصر مهيب. عمارة حديثة تختلط ببناء قديم. عرفته القاهرة فى عصورها المختلفة. أمامه مباشرة نادى هليوبوليس ومن الناحية الأخرى بدايات مصر الجديدة التى بناها وأسسها البارون إمبان بالبواكى الشهيرة ونمط البناء الجميل. وبالقرب من القصر مقهى كنا نجلس عليه فى الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة. وجروبى مصر الجديدة. وأحد الفنادق التى تحمل اسم مصر الجديدة. وشكله الخارجى من فنادق القاهرة العريقة والقديمة.

.. وظهرت الطائرات

أفضل طريقة للوصول إلى مظاهرات واعتصام الاتحادية أن تأتى من خلال طريق صلاح سالم. وفوق الكوبرى الذى يمر من تحته نفق صلاح سالم. ومن خلال الكوبرى يمكن أن تبدأ رحلتك التى تقودك إلى آخر الشارع عند نهاية روكسى وبدايات حى منشية البكرى.

لكل مكان طابعه فى التظاهر. ففى الاتحادية وجدت من يبيعون مجلات ومنشورات الاشتراكيين الثوريين. ووجدت فرقة الفن ميدان تقدم عرضاً شبه مسرحى، شبه غنائى يتفرج عليه المارة لبعض الوقت ثم يتركونه ويمضون. أيضاً كانت هناك سيارات نصف نقل تأتى وفوقها جهاز تسجيل ضخم مما يستخدم فى الأفراح. وتسميها العامة: دى جى. وبعد وقوفه يتم تشغيل أغانى وطنية من أغنيات ستينيات الزمن الجميل. فتتجمع الناس لكى تستمع لهذا الغناء وتردده. وتعلوا معه لعنان السماء.

لم يكن التظاهر على الأرض فقط. مرت تشكيلات من طائرات القوات المسلحة، 6 طائرات اختلفنا ونحن وقوف على نوعها كعادة المصريين. بعض الناس قالت أنها هليوكوبتر، وبعضها قال أنها أباتشى. وبدأ من تصرفوا كما لو كانوا خبراء طيران من الطراز الأول. يحكون أن طلعة طائرة الأباتشى تكلف الشيء الفلانى.

فى أسفل كل طائرة علمان. علم مصر وعلم السلاح الذى تنتمى إليه. لكن فى كل الطائرات كان ثمة ضوء أخضر فى أسفله رأيناه جيداً عندما استتب الليل ونزلت على الدنيا سكينته وظلامه. ويبدو أن الضوء الأخضر كان فيه إشارة الترحيب بالمتظاهرين وإعطائهم الأمان والقول لهم من خلال الإشارة الخضراء إننا جئنا هنا لحمايتكم والدفاع عنكم.

كانت أيام حجزت لنفسها أشرف مكان فى تاريخنا. وبقى علينا توثيقها. حتى تصبح جزءاً من تاريخ نضال الشعب المصرى العظيم.

    الاكثر قراءة