الخميس 28 نوفمبر 2024

فن

"السوشيال ميديا" .. "ملائكة فيسبوك وشياطينه".. فصل من كتاب "افتراضيون وقتلة" يصدر قريبا

  • 22-10-2020 | 12:05

طباعة

يمكنك كمواطن عالمي أن تمتلك حساب"فيسبوك، أو تويتر،أو إنستجرام" وأن تشاهد موقع الفيديوهات الشهير "يوتيوب" ، تشدك العناوين والأخبار، تشارك باللايك أو التعليق، أو تكتفى بـ "الفرجة"، حولك خبراء فى السياسة والطب والعفاريت وعلم النفس وتربية الأطفال، والبط وعالم النبات، والثورة والأزياء والطبيخ. قد ترى نفسك فاعلا كبيرا وصاحب رأى، أو مجرد مواطن متواضع تريد شيئا وتجد شيئا آخر.  تكتب بوست أو مقالا قصيرا أحيأنا ،يشد انتباه البعض بالتعليق والإعجاب، أو بالرفض والاختلاف، ومهما تصورت أنك تتحدث عن بديهية، فسوف يخرج لك مختلف .. وفى كل الأحوال تشعر بوجودك أو تواجه أعضاء آخرين يعلقون على كلامك بشكل يكشف سوء فهم أو معارضة واختلافا غير واضح . 

 أدوات التواصل الاجتماعى "السوشيال ميديا" لها ميزات وعيوب،  يسعى علماء النفس وخبراء البحث الاجتماعى لفهمها، ويفرض الواقع علينا الاعتراف بأن إصلاح أحوالنا أو مناقشة قضايانا الأهم يصبح أكثر صعوبة يوميا فى وجود عالم افتراضى يتفوق على نظيره الطبيعى. حيث تسود «المناكفات» على حساب المناقشات وسط جمهور أغلبه متعطش لإعلان الرأى فى قضايا ربما لا يعرف عنها أكثر من عنوان، المواطن العالمى أمام خبراء رياضة وسياسة وحوادث وتسالٍ فى آن واحد، اكتسببوا صفاتهم من دون بذل أى جهد فى الاختبار والتحليل.وبالطبع فإن العالم الافتراضى انعكاس للعالم الواقعى، بشر ليسوا ملائكة ولا شياطين، لكن الملائكة والشياطين يسكنون العالم الافتراضى ، هناك من يسعى للخير والمساندة وحملات تبرع أو عمل خيرى وفى المقابل لجان تنتج الشائعات والأكاذيب وتخوض حروب تضليل بمقابل مادى أو معنوى.

وكل هذا فى عالم يفرض علينا أخباره، وما نناقشه من موضوعات وطريقة الحوار، وزمن التحاور، و تفقد الموضوعات الجادة قيمتها وتأثيرها أمام  الموضوعات الأكثر خفة وتفاهة، وتفقد المناقشات قيمتها وتأثيرها فى عالمنا بشكل يصعب الهرب منه.

جمهور "السوشبال ميديا" يفضل الملخصات، مثلما يفضل أغلبية تلاميذ الثانوية الملخصات والامتحانات ولا يحبون  الغرق فى كتب مدرسية وشرح وفهم، ويحتل التريند أكثر الموضوعات سطحية، أو تشتعل معارك افتراضية بناء على أخبار مضروبة ومزيفة، وبوستات مجهولة المصدر.

وربما كان أقرب مثال اختراع صراع وهمى بين جمهور الجزائر وجمهور مصر حول نهائى كأس الأمم الأفريقية ، ظهرت  بوستات مخترعة تهاجم مصر والمصريين، وانفعل بعض الجمهور المصرى وهاجم الجزائريين، وهو مثال على  كيفية توجيه الرأى الافتراضى واستغلال العواطف فى صناعة أزمات قد تتطور إلى صدام واقعى، أو تقود إلى انفلات يخرج عن السيطرة. وظهرت بوستات مجهولة منسوبة لأسماء جزائريين يسبون المصريين، ورد مواطنون مصريون على هذه التهجمات باعتبارها حقيقة، ولم يسعَ أى منهم لاختبار مدى صحة هذه الحسابات التى ربما كانت تنطلق من خارج الجزائر ومصر.

ويشغل "التريند" مساحة مهمة فى توجيه أنظار الجمهور الافتراضى، لينخرط فى مناقشات ربما لا يكون مهتما بها، وبينما يغرق عالم أدوات التواصل فى معارك النميمة، وصراعات التشنيع. ويشكو كثيرون من هذا فإن التيار الأغلب لرواد التواصل، هو من يمنح النميمة قوتها ويضعها فى «التريند».

وأثناء بطولة كأس الأمم الأفريقية، احتلت قضية اللاعب الشهير صدارة مشهد التداول على أدوات التواصل، وبلغت أعداد من «شيروا» مقاطع فيديو أو «برينت سكرين» من تصرفات اللاعب آلاف خلال ساعات، وتتصدر نميمة الاشتباكات حول تصريح فنانة عربية، أو تويتة لإعلامية مجهولة، أو مشهد لمذيع يصرخ وتتراجع قضايا السياسة والثقافة إلى آخر طابور الاهتمامات. ولو ظهر فيديو لرقصة «رجل النملة»، أو لقطة «شات» العازب، سوف يحتل «التريند» بلا مناقشة.

مثال آخر يدخل فى سياق التعليق بـ " العنعنات"، حادث فتاة أعلن أنها تعرضت لمحاولة اغتصاب، وقتلت الشاب الذى حاول اغتصابها بطعنات سكين، هذا ما نشر وأغلبه على مواقع التواصل،  ولم ينتظر «الافتراضيون» تحقيقات أو معلومات ولا اطلع أحدهم على الوقائع، ولا كان طرفا، و انقسموا إلى مع وضد، وكلاهما لا يدرى شيئا عن ما جرى، وكل منهما يصدر حكما قبل الاطلاع أو المعرفة. لدرجة أن إعلاميا ومقدم برامج اعترض على تحقيقات النيابة التى لم يطلع عليها واستنكر أن تقرر النيابة حبس الفتاة، وتشير إلى اختلاف فى الأقوال. المعلق الافتراضى وزملاؤه أصدروا حكما أن الفتاة مظلومة، و فريق آخر اعترض واتهم الفتاة بالقتل، وكلا الطرفين كان يعلق على عناوين، وتحول مستخدمون عاديون إلى خبراء جريمة ومحققى نيابة وقضاة، وهم جالسون أمام  " كيبورد وشاشة".

هذه الأمثلة، تشير إلى عالم افتراضى، يسكنه جمهور يفضل الأسهل، ويهرب من الجاد، يتساوى فيه الجدل حول السياسة بالنقاش حول الكرة، ويحتل التريند مطرب نصف مشهور يحرج معجبا ويرفض التقاط صورة معه. أو خبر وفاة فنان مشهور أو سياسى أو رئيس دولة، يعيد المستخدمون " تشييره" ويعلقون عليه، ويتضح أنه غير صحيح؛ وكل هذا يجعل من الصعب الاستناد إلى عالم التواصل كمستند أو توثيق، أو قاعدة نقاش، بل و يجعل الحديث عن إصلاح أو البحث عن رأى عام، صعبًا فى زمن الجدل الافتراضى بالملخصات.

فى منتصف يونيو 2019 نشرت مؤسسة إبسوس نتائج استطلاع للرأى تقول إن 86 % من مستخدمى الإنترنت وقعوا ضحية أخبار مضللة على الشبكة الإلكترونية معظمها من «فيسبوك»، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية فى أول قائمة الدول التى تستهلك أخبارا مضللة، تلتها روسيا والصين، ولم ينج بلد فى العالم من الأخبار المضللة ، وكشف نفس الاستطلاع أن المستخدمين فى مصر كانوا الأكثر سهولة فى التعرض للخداع.

والأخبار المضلله ليست أخبارا أو معلومات خام، وبعضها مقالات وتقارير وأحيانا مذكرات، بعضها يحصل على التوثيق الكاذب بالنشر فى مواقع ومنصات دولية معروفة، بل إن مجلة «فورين بوليسى» الشهيرة، نشرت مقالا لقيادى ووزير إخوانى سابق، يتوقع انهيارا اقتصاديا فى مصر ويدعو لتدخل خارجى، وبالرغم من افتقار المقال للمنطق، استخدمه بعض النشطاء والخبراء الافتراضيين، مخرجا لتمرير موقف، مع علمهم بأنه يجنزئ المعلومات، وهو ما كشفه الدكتور زياد بهاء الدين، وزير الاستثمار الأسبق، فى مقال بالشروق، قال إنه مقال سياسى وليس اقتصاديا ويجتزئ الأرقام والمعلومات.

وجود 86% من مستخدمى الإنترنت ضحايا للأخبار المضللة، يعنى أن كل شخص يستخدم أدوات التواصل تعرّض مرة أو مرات لهذه الأخبار وربما أعاد استخدامها ونشرها والتعليق عليها، ومشاركتها مع آخرين، فنظام الخوارزميات يجعل انتشار أى معلومة يتم بمتوالية هندسية، يضاعف النشر مئات المرات، ويجعل من الصعب السيطرة على هذا.

هناك دراسة نشرتها «بيتا ميديا ترانس» كشفت عن أن 6 من بين كل عشرة أخبار أو بوستات أو معلومات على فيسبوك، تفتقر إلى التوثيق والمصداقية، ولا تتعلق فقط بتزييف الأخبار، لكن بأخبار مفبركة أو معلومات قديمة يعاد بثها باعتبارها جديدة، أو الصور والأخبار التى يتم تداولها من دون ذكر للتاريخ أو المكان، وهى معلومات تبدو خارج نطاق التضليل المباشر، بالرغم من أنها تؤثر، باعتبار أن 60% من مستخدمى فيسبوك لا يفكرون فى النظر إلى تاريخ الخبر أو «اللينك»، بل لا يهتمون بالوصول لمصدر الخبر، ويعلقون بناء على عناوين، بالثقة المباشرة فى «الفريندز».

ويتضاعف الانتشار طبقا لنظرية كلاب الصيد، المعروفة فى الصحافة تشبه مطلق الخبر المثير بكلب الصيد الأول "اللى يهوهو على الفريسة"، بينما باقى الكلاب "تهوهو" على صوت "نباح" زميلها، وهى نظرية تبدو أكثر تأثيرا فى العالم الافتراضى ويعرفها محترفو الابتزاز، الذين يكررون ترديد الشائعة رهانا على أن التكرار يمنح كلامهم وبوستاتهم مصداقية، وهؤلاء يقومون بدور « كلب الصيد الأساسى الافتراضى الذى يمارس نباحه، ليجذب إليه آخرين يسيرون وراء النباح بينما هم لا يشاهدون أى فريسة وربما لا يعرفونها».

وهناك أمثلة متنوعة من العالم على الدور الذى لعبته الأخبار المفبركة، فى الانتخابات الأمريكية تعرض ناشط ديمقراطى يمتلك مطعما للاعتداء بعد انتشار خبر مفبرك على فيسبوك عن عنصريته وبعد تحطيم مطعمه اتضح بعد فوات الأوان أن الخبر خاطئا . وفى بريطانيا أعلنت الحكومة أن عددا من الناخبين صوتوا فى البريكست بناء على معلومات مضللة تقف وراءها روسيا، وهناك نسبة من الأمريكيين يعتقدون أن الروس وراء التصويت لترامب فى الانتخابات الرئاسية، وفى سوريا نفذت الولايات المتحدة ضربات مرتين بناء على صور وفيديوهات عن استخدام النظام للكيماوى كشفت منظمة أطباء بلا حدود السويدية أن منظمة الخوذات البيضاء صنعت صورا لضحايا وهميين وبعضها مشاهد تمثيلية تم إنتاجها بقصد اتهام النظام السورى.

وفى مصر لا يمر يوم من دون نشر خبر أو تقرير مفبرك، بإعادة بث أخبار قديمة أو تزييف أخبار باستعمال لوجوهات لمواقع كبرى، تتضمن أرقاما وتصريحات يتضح أنها غير حقيقية، سواء فيما يتعلق بالتعليم أو الصحة أو الوزراء أو الثانوية العامة، أو يتم استخدام أخبار صحيحة لإنتاج أخبار أخرى مزيفة، مثل إعلان رفع أسعار البنزين قبل يوم، الأمر الذى أدى بالبعض للتزاحم أمام المحطات ليلة كاملة، حيث يتم استغلال التوقع لبناء قصص غير صحيحة تضاعف من حجم الشحن والغضب.

ومراجعة بسيطة تكشف عن عدد أخبار الوفيات الزائفة المتعلقة بفنانين وشخصيات مشهورة.و قبل انتشار أدوات التواصل كانت الشائعات  طبيعية، لكن الأمر مع عالم التواصل ظهر  توظيف الفبركة فى صناعة أخبار تتعلق بسياسات أو صراعات.ومراجعة بسيطة لحجم التحليلات التى قدمها خبراء افتراضيون حول صفقة القرن أو أسعار العملات، أو أحداث السودان والجزائر أو الحرب فى الخليج، أو التوقعات السياسية والاقتصادية، يكشف كيف تتحول  معلومات مزيفة إلى مادة خام لتحليلات تجذب المزيد من اللايكات وإعادة النشر.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة