الأحد 9 يونيو 2024

"السوشيال ميديا".. المدخل الحديث للكوميديا

فن22-10-2020 | 13:28

الكتابة الكوميدية للأعمال الفنية بالتأكيد هي مستوى أصعب من الكتابة لأي نوع آخر، لا شك أن الكتابة هي الكتابة فى كل الأحوال فى النهاية يحكم تأليف السيناريو والحوار قواعد ثابتة ومساحة على اتساعها باتساع الخيال إلا أنها محكومة بحدود تعد هي السقف الذي يتطور مع الزمن ويرتفع كلما زادت الأعمال وزادت الخبرة، لكن تظل للكتابة الكوميدية متطلبات أكثر وصفات خاصة عن المؤلف بالطبع الكوميديا فى كل العالم واحدة تقريبًا فى شكلها وأنواعها لكن صناعتها تختلف من بلد لآخر حسب عادات وطبيعة الشعب الموجه له العمل الكوميدي وأحيانًا تختلف من منطقة لأخرى داخل البلد الواحدة.

هنا يأتي دور المؤلف الكوميدي الذى يكتشف مساحات تصلح مادة لكتابته، ربما يكون ساخرًا منتقدًا وضع اجتماعي أو سياسي وسخريته تكون مريرة توقع بطلته فى مواقف قاسية وتجارب حزينة تدفع من فرط سوداويتها للضحك، أو تعتمد على مكان ثابت أو شخص/ أشخاص محددين التفاعل مع موقف أو حدث متجدد يجعلها كوميديا موقف، أو أداء الممثل للشخصية مع المبالغة في الأداء الحركي المصاحب وشكل الشخصية لتصبح كوميديا "فارص" وغيرها من الأنواع المتعددة للكوميديا، التفاصيل التي يجب على الكاتب الكوميدي مراعاتها متعددة ومتشعبة، لذلك برزت فى وقت من الأوقات الحاجة لمؤلف الحوار الفكاهي وهي المهنة التي ربما لا يعرف الكثيرين أن الكوميديان الراحل عبد الغنى النجدي برع فيها على جانب وجود أسماء مؤلفين كوميديين كبار مثل أبو السعود الإبياري، بديع خيرى، السيد بدير وغيرهم من كتاب السينما الكبار.

مع التطور وتراكم الخبرات تطورت الكتابة للكوميديا، الانفتاح فى مطلع الألفية الثالثة على الثقافات الأخرى، الإنترنت قرب المسافات وسرع إيقاع المشاهدة والمعرفة وما كان يفصلنا عن مشاهدته سنوات فى الماضي أصبح متاحًا بعد أشهر من عرضه، وبالطبع الاحتكاك بمسلسلات مثل Seinfeld وFriendsاللذان خلقا موجة عالمية من الاحتفاء كان مردودها فى مصر ظهور مكثف لشكل السيت كوم بمسلسلات مثل "شباب أونلاين" و"راجل وست ستات" و"تامر وشوقيه"، هذه المسلسلات مع اعتمادها على شكل السيت كوم فهي تأثرت بشكل أو بآخر بالطفرة التكنولوجية التي شهدتها مصر منذ عام 2000، وأصبح هذا الشكل مقبولاً بل مطلوبًا لدى المشاهدين خاصة الشباب منهم بحكم كونهم الأكثر احتكاكًا بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت، بالطبع هذه المسلسلات رسخت لفكرة الكتابة الجماعية وورش الكتابة القادمة فى الأصل من الخارج.

من هذه النقطة نجد أن الإنترنت والتكنولوجيا ساهما فى تبادل ثقافي أدى بدوره إلى تغير شكل المسلسلات الكوميدية فى مصر، ومع دخول مواقع التواصل الاجتماعي على الخط تحول شكل الكوميديا فى البداية زادت أجزاء مسلسلات السيت كوم واستهلاك نجاحها وصل للذروة ومع وجود مؤلف هو صاحب الفكرة ورئيس ورشة الكتابة، تعاقب عدد كبير من الكتاب للتعاون فى ظهور جزء جديد فى كل موسم من مواسم رمضان، مع زيادة الاستهلاك قلت الرغبة فى التعاطي مع هذا النوع بعد أن أصبح الكتاب غير قادرين على ابتكار جديد حتى فى المسلسلات التي لم يكن لها أجزاء سابقة وتعد شخصياتها وأحداثها لم تنجو من فخ التكرار ، حتى أن البعض حصل على "فورمات" مسلسلات سيت كوم شهيرة ومُصرت كما الحال مع "هبة رجل الغراب" والقادم من أصل مسلسل أمريكي هو"Ugly Betty"، وشركة إنتاج عالمية كبرى لجأت لتحويل أحد مسلسلاتها الشهيرة والذى يحمل عنوان "Every Body Loves Raymond" إلى مسلسل مصري ملتزم بنفس الفورمات تحت عنوان "الباب فى الباب" كل هذا فى محاولة لاستخراج آخر قطرات الكوميديا من الشكل الذى ظل مسيطرًا لسنوات قبل أن يفقد قدرته على التجديد وتشبع الجمهور منه.

مع الوصول لهذه الحالة لجأ الكثير من الكتاب لإعادة تدوير النكات التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكأن الشريحة التي يستهدفوها بعيدة عن استخدام"السوشيال ميديا" التي بدروها تتميز بالسرعة والتقلب، بمعنى أنه لو ظهر تريند وظل صامدًا لن يتعدى اليوم فى معظم الحالات وسيقل الاهتمام به سواء ظهر "تريند" جديد أو لم يظهر، الكثير من الكتاب استسهلوا السطو على النكات التي تنتجها صفحات ومجموعات كوميدية، لنجد عند عرض المسلسل/ الفيلم/ المسرحية بنكات كانت "تريند" من شهور وكانت مواكبة لفترة إعداد العمل الفني وعليه، عند عرضها تكون فقدت كل أهمية أو قدرة على توليد الكوميديا خاصة وأن غرضها ليس التوثيق أو استغلالها فى سياق له علاقة بالأحداث بل يتعامل معها الكتاب على أنها نكات جديدة ستبهر الجمهور، الأمر الذى كان له مردود عكسي أثر على نجاح الكثير من الأعمال الكوميدية التي استسهل كتابها التعامل مع السوشيال ميديا كمصدر.

مع انتشار التفاعل واستمراره مع مواقع التواصل الاجتماعي وظهور البلوجرز (المدونين) واليوتيوبرز والأنفلوينسرز بشكل عام أيا كانت القناة التي يستخدمونها فى التعبير والتواصل، أصبح نقد هذه الأعمال والسخرية منها أمر مفروغ منه، كما أنها منحت مساحة للتوثيق والتأكيد على ملكية أشخاص محددين للنكات من جانب ومن آخر قدمت وجوه وأسماء موهوبة يمكن استغلالها فى الكتابة للكوميديا خاصة مع الانتعاشة التي شهدها سوق الدراما التليفزيونية فى سنوات ما بعد 2011، والتي تميزت بكونها تهتم بالعناصر الفنية ومن ضمنها الكتابة، لذلك أصبح هناك تطور ولم تعد الكوميديا مصدرها فيلم أو مسلسل أو مسرحية، بل المقاطع التي يصنعها البعض بإمكانيات بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي فى قنواتهم المعتمدة التي تكتسب شهرة شيئًا فشيئًا هي قبلة الكثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يكون أصحاب هذه القنوات هم المؤلفين والممثلين والمونتيريين لأعمالهم، بعضهم يتحول لـ "كاتب مبدع" يتم الاستعانة به ليقوم بالدور الذى كان الراحل عبد الغنى النجدي يقوم به قديمًا، إلى جانب تحسين صياغة فكرة العمل وإضافة بعد كوميدي للحوار والأحداث حسب الحاجه يشارك هذا الكاتب المبدع  فى التمثيل داخل العمل من أشهر الأمثلة على ذلك أيمن وتار وعمرو وهبة، الأول بدأ فى اكتساب شهرة من خلال برنامج "البرنامج" واسكتشاته وكونه أحد كتابه المبدعين، والثاني اشتهر من خلال سلسلة مقاطع فيديو ساخرة تركز على انتقاد الممثلين وأدائهم بشكل كوميدي.

إلى جانب عمرو وأيمن وعدد آخر ممن سلكوا نفس الطريق مثل خالد منصور ومن قبلهم الثلاثي شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمى اللذين صنعوا أفلام كوميدية تحت مظلة الهواية انتشرت مع مطلع الألفية الجديدة عبر الإنترنت والتبادل بين الأصدقاء بصيغ فيديو تسمح بمشاهدتها على أجهزة الحاسب الشخصية، كانوا فيها الكتاب والممثلين والمخرجين الأمر الذى نقلهم إلى السينما مباشرة من خلال فيلم "ورقة شفرة" عام 2008 بالشكل الذى يجعلهم النموذج الأنجح فى تحقيق هذه المعادلة.

لكن قيام فنانى الكوميديا بلعب كل الأدوار فى أعمالهم الفنية ليس هو الشكل الوحيد الذى يميز المرحلة الجديدة التي نعيش الآن ذروتها، هناك العديد من الأسماء لكتاب مبدعين مكتفين فقط بالكتابة وصلوا للاحتراف فى مجالات متعددة من خلال ما يكتبونه ويصورونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فى مجال الدعاية والإعلان ربما يكون هشام عفيفى من أبرز الأسماء التي بدأت من خلال عدة قنوات قدم من خلالها عدة أشكال فنية استغل من خلالها الكوميديا سواء على "ساوند كلاود" أو "يوتيوب" الأمر الذى جعله كاتبا مبدعا فى حملات إعلانية، خالد مختار اسم آخر حقق شهرة من خلال صفحة "تمت الترجمة" الساخرة من الترجمات الغير احترافية للأفلام الأجنبية والتي صنعت منها الصفحة مادة كوميدية جذبت مئات الآلاف من الجمهور لمتابعة الصفحة لينتقل خالد إلى الكتابة الإبداعية لبرنامج "أبلة فاهيتا".

لا مجال لحصر الأسماء التي اعتمدت بشكل مباشر أو غير مباشر على السوشيال ميديا لتقديم كوميديا مختلفة وعصرية وتحولت للاحتراف، أسماء مثل مصطفى صقر (الكبير أوي، جحيم فى الهند، ليلة هنا وسرور وغيرها) وعمرو سكر (عندما يقع الإنسان فى مستنقع أفكاره فينتهى به الأمر إلى المهزلة) جزء كبير من شهرتهم يرجع لكتابتهم الساخرة وتواصلهم وتفاعلهم مع متابعيهم عبر السوشيال ميديا وبدايتهم كانت من العقد الثانى للألفية الجديدة مثلهم مثل أسماء أخرى تحمل الموهبة كانت وسائل التواصل الاجتماعي عنصر مكون لشهرتهم أو استمرارها وألقت بتأثير واضح على الكوميديا التي أصبحت تقدم فى الوقت الحالي.